بينما شعبنا العربي المسلم الأبي في غزةوبيروت والضاحية الجنوبية وصيدا وغيرها من المدن الفلسطينية اللبنانية يعاني القصف والهدم والتدمير وقتل الأطفال والنساء من النازحين أو القابعين داخل بيوتهم علي يد المعتدين من الصهاينة الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة تنطع بعض الذين آثروا الدعة وألفوا الحرير ونعموا بالمخصصات والامتيازات يتحدثون عن مغامرات غير محسوبة للمقاومة سواء في فلسطين أو لبنان , شهروا أقلامهم وألسنتهم بالسوء سلقا للمقاومة وأهلها وقادتها بألسنة حداد شداد غمزا ولمزا بمنطق غريب , منطق الاستسلام والمذلة والارتماء تحت أقدام العم سام وربيبته المزروعة في خاصرة الأمة , يفسدون الذوق العام ويحبطون الرأي العام العربي أكثر فأكثر. انقسم العالم العربي إلي قسمين لأول مرة في مثل هذه الأزمات التي عادة ما كنا نشهد توحدا في المشاعر والمواقف عند تعرض أي بلد عربي للعدوان من إسرائيل أو الاحتلال من الولاياتالمتحدة وحلفائها . قسم غالب ويمثل السواد الأعظم من الشعب العربي من الخليج إلي المحيط ودوائره السياسية والثقافية الشعبية يتفاعل مع مشروعية المقاومة وحقها في فرض منطقها علي العدو الصهيوني المتغطرس الذي لم يأبه لمحاولات التفاوض وقتا طويلا حول إطلاق الأسري في سجونه منذ سنوات سواء من فلسطين أو لبنان , ولم يستجب لكل مبادرات السلام المطروحة علي أعلي مستوي عربي رسمي تبلور منذ قمة بيروت الشهيرة , ومن ثم حق للمقاومة السعي لتحريك الموقف بعمليات خطف لجنود عسكريين محاربين أو غير ذلك من أهداف حربية ثم المبادلة لافتداء الأسري. هذا القسم يري شرعية مستقرة لحركات المقاومة في السعي لتحرير الأرض المحتلة ومقاتلة العدو الباغي كرا وفرا استنفارا لطاقة الأمة وتحفيزا للمؤمنين , خاصة أن الشعوب قد يسوغ لها ما لا يسوغ للحكومات , فالحكومات قد تكبلها الدبلوماسية بأغلال تمنعها من الحماسة أو الانفلات , وتفرض عليها اتخاذ مواقف سياسية هادئة , أما الشعوب أو الحركات والقوي الشعبية وفي صدارتها حركات المقاومة فليس عليها من قيود تمنعها , والحكومات القوية الذكية هي التي تستفيد من غلواء حركاتها الشعبية , حتي حكومة إسرائيل توظف فصائلها وأحزابها المتطرفة لحساب أهدافها وأجندتها السياسية , وتلجأ أحيانا كثيرة إلي التحالف مع تلك الأحزاب المتطرفة لتحقيق أغلبية داخل الكنيست تسمح بتمرير مشروعاتها التوسعية ومشروعها التآمري ضد فلسطين وحزب الله وضد الأمة كلها من ورائهم. أما القسم الثاني فرغم أنه محدود بالنسبة للأول إلا أنه يضم نخبة من السياسيين ورجال الإعلام أو بمعني أدق بعض الصحفيين الذين تدور مصالحهم في بلاط السلطة وركابها أو تربوا ونشأوا وعاشوا علي حسابها وتنفسوا الهواء الذي يصدر عن زفيرها , التقطوا الخيط سريعا وهم دائما هكذا نهازون للفرص يرقبون كل تصرف يصدر عن السلطة ليركبوه , وما لبث بيان بعض الحكومات العربية يصدر لائما المغامرات غير المحسوبة حتي دبج هؤلاء المقالات والتحليلات انطلاقا من هذه الفكرة السلطوية جدا وأطلوا علينا من الفضائيات عبر برامج موجهة ليشككوا الرأي العام في مشروعية المقاومة ويمنعوا أي غطاء سياسي رسمي أو شعبي عنها , وهنا تكمن خطورة هذا الفريق رغم قلته أو ندرته . لقد كان الزعماء اللبنانيون عند قدر المسئولية إذ طالبوا الجميع بالتوحد لمواجهة الأزمة بعيدا عن الاختلافات الجزئية التي قالوا إنهم سيتناولونها بعد انفراج الأزمة لئلا تتكرر مرة أخري , وهذا هو الفارق بين المسئولية والعبث أو التفلت منها , فعندما يطلب الزعماء اللبنانيون التوحد فهم زعماء وطنيون مسئولون عن مواجهة الموقف بعيدا عن التراشق بالألفاظ أو النيل من معنويات المقاومة أو الشعوب التي تتابع وترقب. عندما طلب صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم منه الخروج للحرب ضد قريش في أحد وألحوا عليه حتي لبس لامة الحرب أي ثياب الحرب ونزل علي رأيهم وخرج علي رأس جيشه وكانت الهزيمة , في هذا الموقف خرج المنافقون بألسنة حداد سلقا للمؤمنين الذين أرادوا الحرب كما قال الله سبحانه ( سلقوكم بألسنة حداد ) وبعد الهزيمة كان تدارس الخطأ ونزل في هذه الغزوة قرآنا يتلي. إذا انكشف الموقف العربي والإسلامي عن مشهد منقسم كما قدمنا , وشاهدنا علي شاشات التلفاز كيف انقسم وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية وأعلن أمينها العام وفاة عملية السلام واحتضارها ولم تزل الضغوط تفرض منطقها علي القادة العرب لتمنع انعقاد أي قمة عربية التي لم يوافق علي عقدها سوي خمس دول فقط !! والذي لا شك فيه أبدا ولا مراء أن الموقف العربي الرسمي محبط ودون المستوي والنظام العربي الرسمي بلغ من الضعف حدا لا يمكن انتظار الأمل أو الرجاء فيه حتي الضغوط السياسية لم تعد تملكها , والعلاقات الدبلوماسية التي دشنتها ثلاث عواصم عربية كبيرة لم تستخدمها في محاولة وقف العدوان علي أهلنا في فلسطين ولبنان فما فائدتها ؟ لم تزمجر الحكومات العربية من اعتداءات إسرائيل لم تسحب سفرائها من عاصمة العدو سواء في تل أبيب أو واشنطن لم تهدد بسحب سفراءها لم تستدع سفراء العدو لتبلغهم أسفها وشجبها واستنكارها هذه حقيقة لكن لا يمكن إلقاء اللوم علي الحكام العرب وحدهم , فإذا كانت الحكومات لديها حسابات فما هي حسابات الشعوب والقيادات الشعبية والحزبية , الشعوب باتت بلا قيادة مضطربة علي حيرة من أمرها , أين القيادات الشعبية والحزبية المعارضة من حشد الطاقات ورفع مستوي سقف التأييد الشعبي وتنوع وسائل التأييد وجمع التبرعات والأدوية والأموال , وتنظيم المظاهرات التي تملك قدرة علي الضغط بشكل كبير , لقد خرجت شعوب أعجمية في اندونيسيا وباكستان وإيران وتركيا بحشود كبيرة في الميادين والطرقات تهتف للمقاومة في فلسطين ولبنان وتندد بالعدوان الصهيوني البربري , لكن قادة الأحزاب السياسية في مصر أو صنعاء أو دمشق أو غيرها من العواصم العربية لم يخرجوا ولم يهتفوا ولم يشاركوا في أي عمليات إغاثة نافعة وعلي مدي علمي أن الحكومات العربية أيضا لم تمنع التظاهر !! ولم تمنع الشعوب من الإعراب عن تضامنها مع الشعب العربي في فلسطين ولبنان فما الذي حال بين الزعماء الاشاوس !! ليس لها دون الله كاشفة.