فى كل يوم يقرأ كل منا ما لا يعجبه، وما لا يوافق عليه، وهذا يعد من طبائع الأمور، ومن اختلاف الأفكار والعقول، لكن ما دفعنى للكتابة هنا أمر لا يتعلق بمجرد الاختلاف فى وجهات النظر، فقد توقفت مليًا أمام مقال الأستاذ محمود الكردوسى الذى نشرته «المصرى اليوم» يوم الاثنين 10/11/2008 تحت عنوان «مصر بتتقلوظ بينا». وقد تبين لى أن هذا المقال بحاجة إلى تعليق واجب، وضرورى يتعلق بمسؤولية الكتاب وأصحاب الرأى من ناحية، ومسؤولية الصحيفة، أو المنبر الإعلامى عما تبثه من منظومة قيم وأفكار وآراء من ناحية أخرى. فمن القراء - وبخاصة الشباب - من ينظر إلى الكاتب كقدوة ونموذج ومثال، ومن ثم تقع مسؤولية كبيرة على عاتق أصحاب الأقلام وكتاب الآراء. وعند النظر إلى ما جاء فى الجزء الأول من المقال، إذ يخاطب الكاتب جمال مبارك قائلاً: «المصريون يا أستاذ جمال مجرد فئران لتجارب الحكم.. فلتجرب»، أهكذا تكون النصيحة؟! وهل هذا هو الوصف اللائق بشعبنا العريق؟! ويبرر نصيحته بقوله: «أما المصريون أبًا عن جد فلم يسبق لهم أن اختاروا أو أسقطوا حاكمًا»، وهذا القول يهدم حقائق التاريخ، ويهدر نضال شعبنا، ويلغى كل ما قدمه من تضحيات، وكل ما قام به من انتفاضات، واحتجاجات، وثورات!! فلماذا نتحدث هكذا عن تاريخنا؟! وما الرسالة التى يمكن أن نقدمها للأجيال الجديدة من خلال مثل هذه الكلمات؟! لكن كل ما سبق كوم، وما جاء فى المقال بعد ذلك كوم آخر! فقد انتقل الكاتب إلى التعليق على جريمة قتل مدرس لتلميذ بالإسكندرية، فإذا به يقول: «مش مهم إذن القانون والتعليم والحكومة والدولة وأى كلب فى البلد يطالبنى بتحكيم العقل وضبط النفس وحسبى الله.. وما إلى ذلك من تصبير، لو كان إسلام ابنى لما فكرت لحظة: سأفك وديعته التى ادخرتها من لحم الحى، وأشترى بندقية آلية، وأحشو مشطها بست وثلاثين طلقة، وأدوس على حاضرى ومستقبلى بالصرمة، وأعيش بقية عمرى باحثًا عن هذا المدرس القاتل: لا لأقتله فحسب.. بل لأنتزع قلبه وأشويه، وآكله فى رغيف، ثم أصفى مزاجى بكنكة شاى ثقيل.. وبعدها نتفاهم». فماذا يصنع هذا الرجل المكلوم أبو «إسلام» - ربنا يصبره ويعينه على مصيبته - إذا قرأ مثل هذه الكلمات؟! وماذا يصنع كل صاحب حق تعرض للظلم، وكل من لم يتمكن من الوصول إلى حقه؟! نحن جميعًا نعلم ظروف مجتمعنا ومشاكله، فملايين القضايا تتداول فى المحاكم على مدى سنوات وسنوات، فماذا يصنع أصحاب الحقوق؟! أليس دور أصحاب الأقلام أن يطالبوا الدولة بالقصاص، وسرعة الفصل فى القضايا؟ أليس واجبا على الكتاب والمفكرين أن يدعوا إلى تغيير نظامنا القضائى العتيق الذى يكرس الظلم حين يبطئ فى تحقيق العدل؟ ألا يجب على كل صاحب قلم أن يقف إلى جانب نادى القضاة فى جهاده من أجل تحقيق استقلال حقيقى للسلطة القضائية، حتى يطمئن كل مواطن تعرض للظلم أنه سيأخذ حقه إذا لجأ إلى حصن القضاء؟ يا أستاذ محمود، أنا أعلم أنك إنسان صادق، لكن ما تقوله وتدعو إليه يحول بلدنا إلى غابة يتقاتل فيها بشر لا يعرفون معنى الدولة وقوانينها، بينما نحن أصحاب أقدم دولة فى التاريخ! ومن يسأل: ألا نعيش الآن فى غابة؟ فإجابتى أن الواجب يفرض علينا أن ندافع عن دولة القانون، ونتابع ونرصد ونفضح أى انتهاك لسيادة القانون، وأى اعتداء على كرامة إنسان. ولماذا تشتم يا صديقى من يختلف معك فى الرأى؟! وكيف تستخف بحسبى الله؟! إنها لعظيمة، وقد ذكرتها دون مراعاة لعظم معناها، فقد قالها الحق سبحانه لنبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. ومن ثم لابد لنا من الحرص والدقة عند استخدام الحروف والألفاظ، فهى مسؤولية كبيرة، وبخاصة تجاه الأجيال الجديدة التى تتعلم من خلال هذه الكلمات. وهذه المسؤولية تدعونا جميعاً للتأكيد على القيم الروحية، والأخلاقية، فمجتمعنا فى أشد الحاجة إليها، بالإضافة إلى قيم التقدم والحرية والرقى والديمقراطية والعلم والحضارة وحقوق الإنسان. [email protected]