أشعر بأنك مثلى، تحتاج أحيانا أن تعرف شيئا عن مصائب الآخرين، لتهون عليك مصائبك ولو بشكل مؤقت!.. سأفترض أنك مثلى محاصرٌ بالرعب من أنفلونزا الخنازير، ومن تلوث الهواء والماء والغذاء، ومن فوضى المرور وحوادث الطرق.. سأفترض أيضا أنك زهقت مثلى من اللت والعجن فى هزيمة فاروق حسنى، وتطبيع الدكتورة هالة مصطفى، واستقالة المستشار محمود الخضيرى، وطريقة الدكتور رفعت السعيد فى إدارة حزب التجمع المعارض(سابقا)!.. سأفترض ذلك وغيره لأحكى لك عن مشروع التوريث فى بلد اسمه طاجيكستان! فى عام 2001 توقفت بضعة أيام فى العاصمة الطاجيكية (دوشانبيه) أثناء توجهى لتغطية الحرب الأمريكية على أفغانستان!.. منذ اللحظات الأولى هالنى الفقر المدقع الذى يرزح تحته أغلب سكان العاصمة، وحين مررت بمدن وقرى على الحدود الطاجيكية الأفغانية تملكنى إحساسٌ بأن عجلة الزمن دارت بى إلى الوراء لقرنين على الأقل!.. تنسم الطاجيك هواء الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى عام 1991.. لكن حكام البلاد الجدد الذين تبرأوا من الشيوعية، تمسكوا بكل موبقات عهدها، لاسيما الفساد والرشوة ونهب ممتلكات الشعب!.. تركتُ طاجيكستان تحت حكم الرئيس (إمام على رحمانوف)، وعدتُ إليها ثانية منذ أربعة أعوام لأجدها بقيادة الرئيس ( إمام على رحمان)!.. ليس هناك خطأ مطبعى.. هو نفس الرئيس الذى يحكم منذ 13 عاماً، ويسعى للبقاء فى السلطة حتى عام 2020 بموجب استفتاء أتاح له تعديل الدستور!.. كل ما فى الأمر أنه قرر التخلص من مقطع (أوف) الروسى الذى ينتهى به اسم عائلته!.. لم يكن ذلك هو التغيير الوحيد الذى أنجزه حاكم طاجيكستان، فقد علمت أخيرا أنه أصبح مؤرخا ودشن باكورة أعماله، بتسجيل تاريخ بلاده فى أربعة مجلدات ضخمة!.. الفضل فى هذه المعلومة يعود للزميلة منى مدكور، التى أجرت معه حواراً خاصاً نشرته (المصرى اليوم)، أكد فيه رحمان أن كرسى الكتابة أهم من كرسى الرئاسة!.. الله!.. ظننت أثناء قراءة عناوين الحوار أن الرئيس الطاجيكى فى طريقه لترك أعباء الحكم والتفرغ للإبداع.. لكن ظنى كان آثما!.. بعض الزعماء لا يكتفى بالسلطة والمال والجاه، بل يسعى لامتلاك ناصية إبداعية ولو بالقوة!.. أراد الرئيس المؤرخ دخول نادى الرؤساء المؤلفين مثل ملك ملوك أفريقيا معمر القذافى، والرئيس الأوزبكى إسلام كريموف، والرئيس التركمانستانى الراحل صابر مراد نيازوف وغيرهم!.. لا تثريب على رحمان ورفاقه المبدعين!.. لكن الواضح أن الملكات الإبداعية التى تحط فجأة على الزعماء، تترك أثراً سلبياً على قراراتهم!.. قبل بضعة أشهر نصح الرئيسُ الطاجيكى شعبَه بتخزين القمح لمواجهة المجاعة التى تحدق بالبلاد.. نسى رحمان فى تلك اللحظة أن غالبية رعيته لا تملك قوت يومها، وأن الهواء هو الشىء الوحيد الذى يمكن تخزينه!.. بعد مرور أشهر على هذه النصيحة الثمينة أعلن عزمه بناء أكبر مسجد فى العالم، يتسع ل150 ألف شخص، وبتكلفة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات!.. طبعا لم يهلْ الرخاء على طاجيكستان، بل هبط إلهامٌ على رئيسها حاملاً له هذه الفكرة التى وجد فيها حلاً لمعاناة شعبه!.. غير أن ذلك يهون أمام قرار أصدره رحمان منذ أيام بتعيين ابنته (أوزودا) نائبة لوزير الخارجية!.. فتحت تلك الخطوة الباب لتكهنات يرددها قادة المعارضة الطاجيكية (فى الخارج طبعاً) حول رغبة الرئيس فى توريث السلطة لأحد أبنائه التسعة!.. فى هذا الصدد يشير هؤلاء إلى إصرار رحمان على حضور ابنه (رستم) اللقاءات التى تجمعه مع قادة ومسؤولين أجانب!.. لكن معظم المراقبين يستبعدون إمكانية انتقال السلطة إلى (أوزودا) أو إلى (رستم) خلال المستقبل المنظور، فالرئيس يبلغ من العمر ستة وخمسين عاماً، ويبدو شبلاً مقارنة بالكباتن فى فريق الزعماء المعمرين!.. فى جميع الأحوال أصبحت مهمة الطاجيك فى تخمين منْ سيحكمهم سهلة.. سيقولون إن الحكاية ستبقى عاجلا أم آجلا.. فى بيتها! [email protected]