لماذا عندما نتحدث عن عِشْرة مع أحد نقول: «أكلنا معه خبز وملح».. ولماذا عندما يثور الجياع فى العالم يطالبون بالخبز؟ ولماذا عندما قامت الثورة الفرنسية وسألت مارى أنطوانيت، الملكة وزوجة الملك لويس السادس عشر، عن سبب هياج الشعب أجابوها: لعدم وجود خبز.. وقتها أجابت: فليأكلوا البسكويت، لماذا لم تقل فليأكلوا البطاطس أو المكرونة مثلا؟ لماذا يحتل الخبز هذه المكانة فى العالم أجمع، رغم أن شعوب جنوب شرق آسيا تعتمد على الأرز أكثر من اعتمادها على الخبز؟ ودول الخليج اتخذت هذه الثقافة فأصبحت تأكل الأرز أكثر من الخبز، وأحيانا التمر بدلا من الاثنين، وفى ليبيا أخذوا عن الطليان أو الإيطاليين أكل الباستا أو المكرونة، وفى المغرب العربى كله يأكلون الكسكسى وهو أقرب إلى الأرز منه إلى الخبز.. ولكنك لا تجد عبارات فجّة أو طقوسا يدخل فيها الأرز.. والفريك هو الوحيد الذى يقال عنه فى الأمثال الشعبية المصرية إنه ليس له شريك، ولكن الخبز دخل فى كل الثقافات.. «جان فالجان» بطل رواية البؤساء للكاتب الفرنسى، أو لأقل لواحد من أبرز أدباء فرنسا فى القرن التاسع عشر «فيكتور جوغو» سرق رغيف خبز فحُكم عليه بالسجن خمس سنوات امتدت إلى تسع عشرة بسبب محاولات الهروب التى قام بها، يعنى خمس سنوات من أجل رغيف، ماذا لو كان قد سرق قطعة لحم؟ كان هذا السؤال يلح علىّ دوماً فى طفولتى عندما قرأت الرواية. ونقول فى الأمثال الشعبية «أكل العيش مُر» ولا نقول أكل اللحمة أو السمك.. وعند المسيحيين هناك شىء شهير سجله الإنجيل عندما أخذ المسيح عليه السلام الخبز وباركه ثم أعطاهم إياه وقال: خذوا كلوا هذا، وحتى اليوم تتبع هذه الطريقة فيصلى على خبز معين ويؤكل فى الكنائس بعد الصلاة.. لست أدرى لماذا طرحت على نفسى الأسئلة الخاصة بالخبز.. ربما أصبح الخبز المتوافر رديئاً ولا يشبه من قريب أو بعيد خبز زمان، ربما لأننا نضطر لشراء الفينو كى نأكل خبزا له طعم.. لست أدرى ولكن من المؤكد أن للخبز فى التاريخ مكانة مهمة.. الأوروبيون صنفوا مئات الأنواع منه، وفى بلد مثل ألمانيا تحتار ماذا تختار، ولا أبالغ.. أنواع عديدة ومتنوعة ما بين أسمر وأبيض ودقيق وشعير. على كلٍ ليس مهما أن يكون خبزا جيدا.. المهم أن من يأكله معك يصون العيش والملح وليس مهما جهود الحكومة من أجلنا فنحن تعلمنا من زمان أن أكل العيش مُر ويبقى سندويتش جبنة أيا كان نوعها مع قطعة طماطم أو قليل من الزيتون أحلى من مأدبة عامرة.. المهم أن يكون الخبز طازجا ومن فرن صاحبه عنده شوية ضمير. [email protected]
