هل أطلقت مرة اسمًا علي حيوان أليف تربيه؟ هل عاملت سيارتك علي أنها " صديقة" لك ؟ كان والد صديقتي «ماري» في المرحلة الثانوية يمتلك سيارة سوداء يسميها "عزيزة"، وكان يرتبط بها ويقول إنها عشرة قديمة ويكرمها في وقت شيخوختها ويرفض بيعها، ونقل إليّ مشاعر الاحترام والود والعشرة التي يكنها لعزيزة فكنت أتعامل معها بنفس الحب. وعندما كنت طفلة كنت أرص حبات البرتقال وحبات الطماطم وأجعلها تقف في طابور مثل تلاميذ المدرسة وأقوم بالتدريس لهم. ولفت انتباهي أن أول ما نفعله عند اقتناء حيوان أو جماد، وأن أول ما يتبادر إلي أذهاننا هو اختيار اسم بشري له ، اسم من أسمائنا نطلقه علي ما نقتنيه...مازلت أتذكر بتعجب وعدم فهم الأغنية التي كنا نرددها ونحن صغار «بكره العيد ونعيد ونذبحك يا شيخ سيد» والمقصود بالشيخ سيد هو «خروف العيد»، وقد أفهم أن نطلق اسم سيد علي الخروف ولكن أن نمنحه لقب «شيخ » أيضا كان أكثر ما يحيرني في صغري. و لا نكتفي بمجرد إعطاء الأشياء اسمًا إنسانيا بل نتمادي فنحولها إلي بشر، فنجد البعض يتحدث عن الكلب أو القطة أوالطائر الذي يربيه أو حتي السيارة كما يتحدث عن ابنه أو ابنته، بل يحيك البعض ملابس لتدفئ حيواناتهم الأليفة. لماذا نفعل ذلك؟ ... لماذا نعطي الأشياء صفات إنسانية ونتعامل مع الحيوانات التي نربيها علي أنها من بني آدم؟ اعتقد أننا ندخل الأشياء والحيوانات إلي عالمنا الإنساني لأننا لا نستطيع التعامل معها علي أنها من عالم آخر مختلف عنا. كما تقول الآية :«وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم مثلكم" بمعني آخر لا نستطيع أن ننظر إلي الأمور من زاويتهم .. حتي أفلام الأطفال عن الحيوانات تجعل الحيوانات تتكلم وتتصرف وتفكر بطريقة الإنسان ويضعون للسيارة عيونًا وفمًا وتتحدث الشجرة وتصبح أغصانها أذرعا بشرية وأوراقها شعرًا طويلاً، كما نشتري أكوابا لديها وجوها وملامح بشرية .كل ذلك يعكس عجزنا عن قبول عوالم أخري مختلفة عنا، تحكمها قوانين وأساليب حياة مغايرة.. يبدو الاهتمام بالكلب أو القط وتدليله ومعاملته علي أنه ابن أو طفل صغير شيئا محببا وجميلا، إلا أنني آراه تصرفًا أنانيًا من جانبنا. إن إضفاء الصفة الإنسانية أو شخصنة الحيوان والجماد، من وجهة نظري، تعكس قصورًا لدينا في التعامل مع الآخر، فبدلاً من أن نحاول فهمه والدخول إلي عالمه، نختار الأسهل: نختار أن ندخله هو إلي عالمنا ونطبق عليه قوانينا واحتياجاتنا. وبالمثل نتعامل مع بعضنا البعض بنفس الطريقة:«إن لم تكن مثلي، أو تتبني نفس أفكاري، فلا أستطيع تقبلك أو حتي مجرد فهمك. وعلي العكس نجد أننا نقترب أو نتعاطف مع من نشعر بأنه مثلنا أو يشبهنا، نفهم من مر بنفس تجاربنا أو تحلي بنفس طباعنا. فنجد القادم من الريف يصادق غريبًا آخر قادمًا من الريف.والجنوبي ينحاز إلي الجنوبي .. والفتاة المحجبة قريبة من مثيلتها المحجبة..و هكذا، رغم أن الحكمة في الخلق الاختلاف «وخلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا». والأكثر من ذلك أننا إذا تجاوزنا مرحلة، لا نستطيع فهم الذين مازالوا يعيشون تلك المرحلة. مثل الشاب الذي يعيش فترة الخطوبة ويخشي أن يتحول الحب بعد الزواج إلي تعود ورتابة، يرد عليه زملاؤه من المتزوجين ، فيقولون له كلامًا عن تكوين الأسرة، وتغير شكل الحب إلي حب الأولاد وحب الحياة المشتركة، ولم يستطع أحد منهم تذكر تلك الفترة من حياته التي يعيشها زميلهم الشاب. والآباء يريدون أن يقتنع أبناؤهم بين يوم وليلة بما استلزم منهم تجارب وأخطاء وخبرات علي مدار سنوات طويلة . ومثلما لم تفهم ماري أنطوانيت- ملكة فرنسا- ثورة الجياع وقالت إن لم يجدوا الخبز فليأكلوا البسكويت، فإن أثرياء هذا العصر المنفصلين تماما عن غالبية المجتمع، الذين يذبحون «الشيخ سيد» كل عيد ويركبون «عزيزة» وأخواتها، يتساءلون: هل هناك فقر في مصر؟