أكد مؤتمر الحزب الوطنى، السنوى السادس، صحة المخاوف التى يُبديها الكثيرون فى الداخل والخارج من مستقبل البلاد، لإنعدام الأمل فى تداول السلطة، فالصحف القومية وتليفزيون الدولة كانت مسخرة للدعاية له، مما يعنى اندماج الحزب والممتلكات العامة فالحزب له صحيفة تنطق باسمه هى - الوطنى اليوم - التى تصدر كل ثلاثاء، ولم يكن هناك أى خبر عن توليها هذه المهمة.. بينما تكتفى الصحف والتليفزيون والإذاعة المملوكة للشعب والدولة بالتغطية التى تقوم بمثلها لمؤتمر أى حزب معارض، مع إمكانية أن يكلف الحزب بعض رجال أعماله لإصدار صحف مستقلة للدعاية له، لترد على هجمات الصحف المثيلة، التى يشكو من الأضرار التى تلحقها بسمعته.. خاصة أن بعضهم يمتلك قنوات فضائية، مثل المحور.. وهذا معناه أن أجهزة الإعلام العامة ستكون مسخرة لخدمة الحزب فى انتخابات مجلس الشعب العام المقبل ورئاسة الجمهورية العام الذى يليه، كما حدث من قبل، مع التكرم والتعطف على رؤساء الأحزاب المنافسة بنصف ساعة فقط، بعد أن كانت عشر دقائق من قبل. وقد يبرهن الحزب على سماحة أكبر فيعطيهم ساعة إلا ربعاً. وأما المشهد الثانى الذى يؤكد صحة المخاوف فهو تباهى الحزب بشعبيته المتزايدة واقتناع الناس بمبادئه خاصة الشباب وتحديث أوضاعه التنظيمية على يد أمين التنظيم أحمد عز، ووضع قاعدة بيانات تتيح له سرعة الحركة والحشد، وإجراء انتخابات داخلية حرة فى الوحدات والمحافظات، أما التصعيد لعضوية الأمانة العامة وما يليها فبالتعيين، وكل حزب حرفى ترتيب أوضاعه التنظيمية، خاصة أن عمليات تحديث البيانات وشبكة الأعضاء والاتصالات أصبحت الآن من ضرورات عمل أى شركة أو توكيل تجارى، لكن هذا شىء، والتباهى بوصول حجم العضوية إلى ثلاثة ملايين شىء آخر، لأنه يعكس ترسخ عدم إيمان الناس بوجود إمكانية لتداول السلطة، وذهابها لأحزاب معارضة ولا أمل لديهم فى الفصل بينه وبين الدولة، فالكل يعلم أن هذا الإقبال الهائل لا يعكس إيماناً بمبادئ الحزب السياسية لأنها غير واضحة للناس، فهل هو حزب عمال وفلاحين وطبقة وسطى أم رجال أعمال ومستثمرين ومحتكرين مصريين وأجانب؟ وهل هو اشتراكى ديمقراطى أم رأسمالى.. أم كل هؤلاء، كما تردد فى المؤتمر؟ وبالتالى فنحن أمام تنظيم يحتكر التعبير عن الجميع رغم أنوفهم، ولم يترك للأحزاب الأخرى طبقات أو فئات اجتماعية أو حتى سياسات تعبر عنها، سوى الكلام فى أى شىء. واستخدامها ديكوراً ليتباهى بأنه أقام ديمقراطية تعددية.. فهذا إقبال سببه إما تحقيق مصالح شخصية، أو القيام بأعمال لخدمة الناس فعلاً وحل مشاكلهم، والطريق لذلك هو حزب الدولة، فإذا تركه رئيس الجمهورية فسيتركونه فوراً وهذه كانت قصة الحزب الوطنى نفسه، الذى أعلن الرئيس السادات فجأة عن إنشائه تحت رئاسته، رغم أنه كان يرعى الحزب الحاكم وقتها - حزب مصر العربى الاشتراكى - برئاسة ممدوح سالم، وحدث مشهد مخز لا يمكن نسيانه أبداً، وهو وقوف الوزراء والمسؤولين والقياديين فى الحزب طوابير وهم يحملون فى أياديهم استمارات طلبات العضوية فى الحزب الجديد.. مما دفع الكاتب الصحفى مصطفى أمين إلى أن يكتب فى «الأخبار» مطالباً بعدم الهرولة إلى الحزب الجديد إلا بعد قراءة برنامجه الذى لم يعلنه، مما أغضب السادات. وأمر بإيقاف عموده اليومى فى «الأخبار» - فكرة - وهاجمه فى خطبة علنية وقال عنه إنه أمر بالإفراج الصحى عنه فى قضية التجسس لحساب المخابرات الأمريكية ثم أعاده بوساطة من جيهان السادات وموسى صبرى، رئيس تحرير «الأخبار» وعثمان أحمد عثمان، واستولى الحزب الوطنى على جميع مقار حزب مصر الحاكم، ورفض عدد من قادته على رأسهم المرحوم الدكتور عبدالعظيم أبوالعطا، وزير الرى الأسبق، وقائد القوات الجوية الأسبق الفريق مدكور أبوالعز وجمال ربيع، ترك الحزب والانتقال للوطنى فكان نصيب أبوالعطا الاعتقال فى حملة سبتمبر 1981، وتوفى فى المعتقل بأزمة قلبية لأنهم لم يجدوا حبة لتوسيع الشرايين لوضعها تحت لسانه. ومات واحد من أبرز المشاركين فى بناء السد العالى ضحية رفضه الهرولة للحزب الجديد. وكانت قد نشأت بينى وبينه صداقة وسمعت منه العجب العجاب، أى أن زيادة العضوية ليست دليلاً على شعبية أو إيمان بمبادئه السياسية، والدليل القاطع جاء فى اليوم الأخير من المؤتمر، عندما قدموا للرئيس عدداً من الشباب أصحاب التجارب المتميزة فى العمل الحزبى، وفوجئنا بهم جميعاً يتحدثون عن أعمال الخدمة من حولهم فى المنطقة وقدموا للرئيس طلبات لتحقيقها وهى أعمال تقوم بها الحكومة والمجالس المحلية والأحياء وكل أعضاء مجلس الشعب، للتوسط فى طلبات أبناء دوائرهم، ولم يتحدث أى شاب منهم عن تجربة سياسية أى أن الحزب لم يُعد جيلاً يصلح للقيادة السياسية. ولذلك لم يكن غريباً ألا يقوم بإنزال جحافل شبابه فى مظاهرات حتى داخل الجامعات، لإغراق مظاهرات طلاب الإخوان والمعارضين فى المناسبات السياسية مثل غزو العراق وأحداث غزة باستثناء مظاهرة قادها صديقنا صفوت الشريف الأمين العام، وعدد من قادة الحزب عام 2003 فى حى مدينة نصر بالقاهرة استنكاراً للغزو الأمريكى - البريطانى للعراق ورداً على الاتهامات الموجهة للنظام بالتواطؤ، بسبب انحياز التليفزيون وصحيفتى «الأهرام» و«الجمهورية» للغزو فى الأيام الثلاثة الأولى له، ومعارضة «الأخبار» له أثناء رئاسة زميلنا وصديقنا جلال دويدار لها.. وأما المدهش فكان الحزب الوطنى، لحضور مؤتمره راؤل غاندى سكرتير عام حزب المؤتمر «الهندى»، وهو حفيد أنديرا غاندى، وكان من الواجب أن ينظم له لقاءً مفتوحاً مع شبابه يحكى لهم فيه عن تجربة الحزب الذى أنشأه المهاتما غاندى، وقاد به النضال ضد الاستعمار البريطانى، إلى أن اغتيل وتولى الزعامة ورئاسة الحكومة جواهر لال نهرو. وظلت زعامة أكبر الأحزاب الهندية وراثية فى أسرة «نهرو» حتى الآن، ولكنه فقد الحكم مرات.. رغم أنه حول الهند إلى قوة جبارة، ولم يزور انتخابات، أو يفرض حالة الطوارئ.. رغم الحروب الأهلية وتمرد القوميات والعمليات الإرهابية. والحرب مرة مع الصين بسبب «التبت»، ومرة مع باكستان بسبب انفصال بنجلاديش عنها.. فهل من الممكن أن يستفيد الوطنى المصرى من تجربة المؤتمر الهندى؟!