يعتقد البعض أن الحزب الوطنى يخلو من الصراعات الداخلية بعكس الأحزاب الأخرى.. وربما تجذّر هذا الاعتقاد بسبب القبضة الحديدية على الحزب ورئاسة «مبارك» له، وهو ما يجعل الصراعات مكتومة و«ملعوبة» وفقاً لنظرية الضرب تحت الحزام.. وعلى عكس ما يظن آخرون، فإن الصراعات التى حسمها تيار «الفكر الجديد» بقيادة جمال مبارك ضد الحرس القديم، تحولت لاحقاً إلى صراعات بين «رموز» هذا التيار ذاته، ويتخذ الصراع أشكالاً عدة.. أهمها التطاحن الشديد على «التقرب» من جمال، إما سعياً للفوز بمنصب رفيع الآن بحكم مشاركته فى صنع القرار.. أو حجز منصب أرفع ومكاسب أكبر لو تحقق ما يحلمون به مستقبلاً. قال لى عضو بارز فى أمانة السياسات إن الأمر وصل فى حالات عدة إلى «كتابة تقارير» عن بعضهم البعض، وأن قيادات برزت فى مراحل مختلفة، تم تدميرها تدريجياً، والأمثلة كثيرة.. لعل أبرزها ضلوع قيادات كبيرة داخل الحزب فى «إسقاط» الدكتور حسام بدراوى، أحد المقربين من «جمال مبارك» فى دائرة قصر النيل خلال انتخابات مجلس الشعب 2005.. يومها - وهذا ما يعرفه حسام جيداً ويكتمه فى قلبه - كان اللعب على المكشوف فى «تكسيره» داخل الدائرة، ودعم منافسه هشام مصطفى خليل.. ونجح هشام وفشل حسام لأن نجمه داخل الحزب كان يتجه إلى السطوع. «حسام بدراوى» ذاته وقفت ضده أصوات و«تقارير» كثيرة من داخل الحزب، حين طرح اسمه وزيراً للتعليم على نطاق واسع.. وكان هذا الطرح منطقياً باعتباره أبرز «مصرى» يمتلك رؤية عملية لتطوير التعليم، وكانت أخطر تهمة فى «التقارير الحزبية» أن بدراوى «يتكلم» بحرية، وأنه يؤمن بالديمقراطية، وله علاقات حميمة برموز وأقطاب الأحزاب الأخرى، وبعض الأقلام الصحفية المستقلة. غير أن النماذج الأبرز تبدو كثيرة لمن يرصد تفاعلات الحزب من الداخل وعلاقته بالحكومة.. وربما تكون معركة «مصنع أجريوم للأسمدة» فى دمياط دليلاً صارخاً على حدة الصراعات بين مجموعات وفرق تنتمى لتيار «الفكر الجديد»، بالحزب.. إذ بات واضحاً بعد عدة أسابيع من بدء المعركة أن رموزاً من الحزب والحكومة انقسموا إلى فريقين فى الموقف تجاه «أجريوم».. واستخدم الفريقان كل الأسلحة.. تقارير إلى كافة الجهات ومنها رئاسة الجمهورية.. وإشهار سلاح «الدمايطة» فى الشارع.. وتسريب معلومات ومستندات «سرية» للصحافة والفضائيات.. ! ولم ينس المتصارعون على قلب «أمانة السياسات» سلاح الإعلام فى تصفية المعارك والمنافسين أيضاً.. وربما تكون حكاية أنس الفقى، وزير الإعلام، مع رئيس تحرير إحدى الصحف القومية، نموذجاً مهماً فى هذا السياق.. فالمعروف أن الحزب الوطنى يمتلك صحيفة أسبوعية لا يقرؤها أحد اسمها «الوطنى اليوم»، وهى تجسيد واضح لفشل الحزب الحاكم فى مجال الإعلام وتسويق أفكاره وسياساته لدى الرأى العام.. ولكن تيار «الفكر الجديد» والسياسات راهن منذ صعوده إلى قمة الحزب على صحيفة قومية يومية صدرت من «رحم أمانة السياسات» عن مؤسسة عريقة اسماً وتاريخاً، ولكن الصحيفة التى صدرت أواخر 2005 أثناء انتخابات الرئاسة سجلت فشلاً قياسياً فى التوزيع، إذ لم يتجاوز توزيعها 1773 نسخة يومياً، وهى النسخ التى تشتريها مراكز البحوث والسفارات والهيئات، والأخطر أنها عمقت مشاعر الكراهية والرفض ل«أمانة السياسات» والحزب الوطنى لدى النخبة والشارع فى آن واحد، بسبب تبنيها لخطاب بذىء فى تجريح أكثر الساسة والمفكرين احتراماً وتقديراً فى مصر. المهم أن رئيس تحرير هذه الصحيفة نجح فى ترسيخ الزعم بتأثيره وقربه من «جمال مبارك» وقيادات الفكر الجديد.. فأساء لهم أكثر مما أفادهم.. ولكن قيادات الحزب وبعض الوزراء باتوا يخشونه تحت وطأة «زعمه المستمر» بالتعبير عن هذا التيار.. فى البدء استقطبه أنس الفقى لإدارة معاركه، فأصبح الوزير نجم الصفحة الأولى يومياً ، وأنجح وزير إعلام فى العالم، وبات لرئيس التحرير مقعد ثابت فى برامج التليفزيون المصرى. ولكن أحلام وطموحات رئيس التحرير نمت وترعرعت فى حضن «السلطة»، حتى تجاوزت إمكانيات وصلاحيات وزير الإعلام.. وحين أراد هذا الصحفى الجمع بين منصبى رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة فى مؤسسته، كان عليه أن يتوجه إلى صاحب التأثير فى التغييرات الصحفية، فقيل له بوضوح «أنت رجل أنس الفقى.. إنسى».. وبعد خروجه من هذا اللقاء ب24 ساعة.. صدر العدد الجديد من الجريدة ب«صفحتين متقابلتين» هجوماً كاسحاً ضد أنس الفقى، ولايزال رئيس التحرير يواصل اتهامه لوزير الإعلام بالفشل، انتظاراً لوعد لم يأت بعد، والغريب أن الحزب الوطنى بالكامل يعرف هذه القصة، ولكنه يضعها فى خانة الصراعات.. نظيفة أو غير نظيفة.. مش مهم!! [email protected]