هو رجل الأعمال مصرى الأصل الذى يملك أكبر وأشهر متجر فى العاصمة البريطانية وهو ذلك المليونير الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، وأنا لا أكتب عنه لأنه يملك محال «هارودز» وتوابعها فقط ولا لأنه وشقيقيه «على» و«صلاح» يمثلون رحلة صعود طبقى فريدة امتدت من «الإسكندرية» عبر البحار والمحيطات لتحط الرحال فى نهاية المطاف بالعاصمة البريطانية، ولكن لأن علاقتى بهذه العائلة الصديقة تعود إلى السنوات الأولى من مطلع السبعينيات من القرن الماضى عندما قدمنى صديق عمرى أستاذ الاقتصاد الراحل د. «فكرى سويلم» للأستاذ «على الفايد» الشقيق الأوسط لهذه الأسرة الشهيرة، وهو بالمناسبة أقرب للورد الإنجليزى منه إلى المواطن المصرى، وهو متزوج من سيدة أسكتلندية وكان يسعى إلى القنصلية المصرية فى «لندن» حيث أعمل لإتمام بعض الإجراءات والتصديقات، أما الشقيق الأصغر «صلاح» فهو ذلك الذى كنا نطلق عليه فى مصر «الرجل الخفاش» لأنه رياضى معروف متزوج من إيطالية يبدو قريباً من قلوب الناس لتواضعه وبساطته، أما رأس العائلة «محمد الفايد» فهو شخصية ذات «كاريزما» تجمع بين ذكاء ابن البلد المصرى وفطنة رجل الأعمال العربى وأناقة الثرى البريطانى، وقد تزوج فى مطلع حياته - قبل زواجه من رفيقة حياته الفنلندية - الكاتبة الراحلة «سميرة خاشوخجى» شقيقة رجل الأعمال العربى المعروف «عدنان» وأنجب منها ابنه الراحل صاحب أسطورة الحب الشهير مع مطلقة الأمير «تشارلز» ولى عهد بريطانيا ووالدة الأميرين «ويليام» و«هارى»، «الأميرة ديانا»، ولقد كان «دودى الفايد» هو أمل أبيه وقرة عينه وعندما رأى انجذاب الأميرة إلى ابنه بارك الأمر وشجع عليه لأن ذلك فتح مبين فى عالم الأنساب واختلاط فوقى بين ابن الحضارة العربية الإسلامية وابنة الحضارة الغربية المسيحية، إنه اقتحام مباشر لبلاط «سان جيمس»، وعندما فقد ذلك الشاب الواعد «دودى» - الذى كان مشغولاً بهواية الإنتاج السينمائى - حياته مع أميرة القلوب «ديانا» فى حادث مأساوى غامض بأحد الأنفاق فى العاصمة الفرنسية فإن العالم كله اتجه ببصره إلى تلك الأسرة المفجوعة، وذلك الأب المكلوم الذى بدا متماسكاً رغم أحزانه، يقاتل فى عناد من أجل كشف أبعاد المؤامرة التى أطاحت بالابن والأمل والمستقبل فى وقت واحد، وظل يناضل فى ساحات القضاء، متحدياً العائلة المالكة البريطانية، مستهدفاً الأمير «فيليب» زوج الملكة، محاولاً كشف المستور فى ذلك الحادث الذى نسجت خيوطه مؤامرة محكمة لأكثر من جهاز استخبارات واحد، ولقد استثمر الكثيرون أحزان ذلك الثرى العصامى الكبير حتى إننى تلقيت منه وهو صديق قديم اتصالاً هاتفياً وأنا سفير لمصر فى العاصمة النمساوية يقول لى إنه سوف يوفد لى شقيقه الأوسط «على» الذى تجمعنى به محبة زائدة واحترام متبادل، لأن هناك رجلاً من جمهورية «التشيك» زعم أن لديه معلومات جديدة حول حادث «باريس» الذى وقع فى نهاية أغسطس 1997 وأنه يطلب فى مقابل تلك المعلومات عشرة ملايين دولار! ويومها امتد الحوار بيننا هاتفياً وأبديت استعدادى لاستقبال شقيقه الصديق «على الفايد»، ولكننى عبرت عن تشككى الشديد فى صحة الرواية وقلت إنها جزء من ابتزاز الأثرياء واستثمار أحزانهم، وبالفعل صدق ما قلته فعندما حضر السيد «على الفايد» إلى «فيينا» وتناول الغداء بمنزلى مع مجموعة من الأصدقاء استقر رأينا على كذب الرواية وزيف الادعاء، وعندما حدث الخلاف الحاد بين «آل الفايد» والراحل د. «أشرف مروان» فى منتصف الثمانينيات، وأوفد «مروان» بعثة «تليفزيونية» إلى الإسكندرية لتصوير الحى الذى خرجت منه أسرة «الفايد» وقفنا جميعاً مع تلك العائلة لأننا رأينا أن مهمة البعثة فيها نوع من الابتزاز مع شبهة الضرب تحت الحزام، وكلما زرت العاصمة البريطانية مرة أو مرتين فى السنة الواحدة أقوم بزيارة السيد «محمد الفايد» فى مكتبه أو مسكنه بدعوة منه أستمع إليه وأحاوره وأتأمل أحزانه وأدعوه إلى نسيان أبعاد المأساة، ولكننى أراه دوماً مقتنعاً بما يقول، مؤمناً بما يفعل. إنه «محمد الفايد» صديق الرؤساء والملوك الذى انقطع عن زيارة وطنه مصر لعدة عقود ثم جاءها منذ سنوات قليلة مندهشاً مما يرى، وعندما التقيته بالقاهرة فى فندق «الفور سيزونز بلازا» أنا ود. محمد شاكر سفير مصر الأسبق فى «لندن» وجدته مستغرباً من تلك التحولات فى بلد تركه وسكانه فوق العشرين مليون نسمة، ثم عاد إليه وهم يزيدون على السبعين مليون نسمة! وهو ما يعنى أن التغيرات الكمية قد ولدت بالضرورة تغيرات كيفية انعكست على المجتمع المصرى وأبناء الوطن الواحد، وكان «الفايد» يشكو من البيروقراطية المصرية أحياناً ويتحمس لحكومتها أحياناً أخرى ولقد اكتشفت أن له جسوراً مع عدد كبير من الشخصيات المصرية من وزراء سابقين وسفراء قدامى بل وكتاب وصحفيين.. تلك هى قصة الرجل الأسطورة الذى تحدى العرش البريطانى واقتحم ابنه قلب تلك الأميرة الناعمة التى ذهبت بسرها هى وصديقها إلى حيث لا يعود الناس، وقد يندهش البعض من أن صاحب أشهر متجر فى «بريطانيا» لا يحمل جنسيتها بل يعتز بأصوله العربية ويجمّل مداخل محاله الكبرى بتماثيل فرعونية، مؤكداً مصريته، معتزاً بهويته، واثقاً من نفسه برغم التحديات العاتية والمشكلات المتتالية والأحزان الدفينة.