سواء أفازت الأكثرية فى الانتخابات النيابية اللبنانية، التى تجرى غدا، كما هو متوقع وفقا لاستطلاعات الرأى، أو قلبت المعارضة الموازين حسب وعودها وحظيت بأغلبية مستبعدة، فالنتيجة الأكثر قابلية للتحقيق ترجح اتجاه كليهما لتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، كما هو الحال الآن، ذلك أن لبنان بلد لا يمكن لطائفة فيه أن تحكم منفردة، فالميزان بين الأكثرية والأقلية حساس، ولا وجود لما يطلق عليه الغالبية الكاسحة، «المسيحيون حاولوا ودفعوا الثمن، والسنة حاولوا ودفعوا الثمن، وإذا حاول الشيعة سيدفعون الثمن»، هكذا لخص المؤرخ اللبنانى بطرس لبكى مسار انتخابات 2009، فى إشارة إلى الصعود المؤقت لما عرف ب «المارونية السياسية» فى حقبة ما بعد الاستقلال، وإلى تحجيم دور الطائفة السنية رغم كل ما قدمه الرئيس الراحل لتيار المستقبل رفيق الحريرى «دون أن يترجم ذلك إلى سلطة مطلقة»، عازيا ذلك إلى اتفاق الطائف لعام 1989 بعد الحرب الأهلية، والذى أحدث توازنا بين الطوائف – وإن كان هشا – لكنه بات يحول دون التحكم المطلق على الساحة اللبنانية. أما التحالفان الرئيسيان اللذان يخوضان الانتخابات الحالية فأولهما وأوفرهما حظا هو فريق «14 آذار» المكون من مرشحين عن تيار المستقبل السني، ويقوده النائب سعد الحريري، جنبا إلى جنب مع «الكتائب» و«القوات» اللبنانيتين، بزعامة أمين الجميل وسمير جعجع، واللقاء الوطنى الديمقراطى برئاسة وليد جنبلاط، إضافة إلى بعض التكتلات الحزبية الأخرى، مقابل فريق «8 آذار» المكون من تحالف شيعة «حزب الله» وحركة «أمل» مع التيار الوطنى الحر لزعيمه ميشيل عون، وفى حين انقسم المسيحيون المارونيون فى تحالفاتهم بين الخصمين، هناك مستقلون يقدمون أنفسهم باعتبارهم ضرورة لتخفيف حدة الشلل السياسى الذى قد تقع فيه البلاد نتيجة الهامش الضئيل بين الأغلبية والأقلية، والذى عادة ما يؤدى إلى تعطيل القرارات وعرقلة إصدارها. ومثلما لا يمكن القول إن «حزب الله» يمثل الشيعة كافة، فإن «تيار المستقبل» بطبيعة الحال لا يمثل الطائفة السنية جميعها فى لبنان، وتيار الحريرى لا يشكل سوى جزء من تلك الطائفة التى تضم أيضا الجماعة الإسلامية من جهة والسلفيين من جهة أخرى، واللتين نجح «المستقبل» فى استقطاب أعداد كبيرة من كليهما مؤخرا، ولكن فى النهاية هى مجرد تصنيفات مذهبية لا تحكمها سوى المصالح السياسية، ومنذ الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2005، اعتبر معارضو تيار الحريري، من داخل الطائفة وخارجها، أنه بنى «حائط مبكى» على أنقاض عملية اغتيال قائده بغرض توظيفها على الساحة السياسية الداخلية من خلال التقرب أكثر لدول «الوصاية» الغربية، وهو ما يستفيد منه حتى اللحظة فى الانتخابات الجارية. وفيما يتعلق بالمسيحيين، فالكثيرون داخل لبنان ينظرون لأصواتهم كعنصر حسم، حتى وإن كانت النتائج ستؤدى إلى حكومة وحدة، بل ويحملونهم مسؤولية توجيه دفة الانتخابات المقبلة، ويعزون ذلك للتحالف غير التقليدى بين ميشيل عون، رئيس التيار الوطنى الحر، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ضمن تيار «8 آذار»، ويحذر المسيحيون المتوجسون من هذا التحالف من أن تفضيل عون على حساب سمير جعجع، قائد حزب «القوات اللبنانية»، وأحد قادة تيار «14 آذار» والمنافس الأبرز لعون بين الزعامات المسيحية، سيعنى «انتحارا سياسيا» من خلال الارتماء فى أحضان إيران «الخمينية» من جهة، والعودة للالتحاق السياسى الكامل لسوريا من جهة أخرى، إضافة إلى ما يعنيه ذلك من استعداء للغرب والولايات المتحدة بل والكثير من الدول والأنظمة الإقليمية، سواء أتم ذلك بوعى الناخبين المسيحيين أو بدون وعى. وإلى جانب رجلى الأعمال ميشيل المر ونجيب ميقاتي، فإن أحد أبرز الوجوه المستقلة فى الانتخابات اللبنانية هو النائب الأسبق ناظم الخوري، المستشار السياسى المستقيل للرئيس ميشال سليمان، الذى توقع أن تفضى النتائج إلى «أكثرية ضئيلة وأقلية كبيرة»، وهو ما لن يؤدى بأى حال إلى تغييرات جذرية على الساحة السياسية، وإن قد يسفر – بحسب الخورى – عن «إعادة خلط أوراق» ومعادلات سياسية جديدة، مستدلا على ذلك بأن فريقى «14 آذار» أو «8 آذار» ما هما إلا تحالفان «ظرفيان» قابلان للتغيير ربما ابتداءً من الثامن من يونيو فور إعلان النتائج، بما يعزز رأى كثير من المحللين بأن مركز الثقل فى المرحلة المقبلة سيكون لموقع الرئاسة، الذى طالما كان شرفيا.