الأيام تتحرك والمشهد السياسى فى لبنان ثابت. الانتخابات جرت وكأنها لم تجر ومازال الكل فى انتظار الحكومة الجديدة التى لا يبدو قدومها قريبا. لا تزال التكهنات السياسية المتضاربة هى اللاعب الأساسى على الساحة اللبنانية فى غياب اتخاذ قرار حاسم لتشكيل الحكومة اللبنانية المتعثر ولادتها منذ خمسة أشهر، الأمر الذى تنظر له الطائفة السنية بكثير من القلق على وضعها السياسى، بحسب محللين رأوا أيضا أن المداولات الحالية تسير كأن «الانتخابات لم تجر». بعض وسائل الإعلام المحسوبة على تيار الأكثرية رأت مؤشرات ايجابية أظهرها تصريح رئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى عقب اجتماعه مع الرئيس ميشال سليمان أمس الأول بتأكيد تصميمه على تشكيل حكومة وفاق وطنى بأسرع وقت. وأشار الحريرى إلى أنه والرئيس سليمان سيتعاونان لتذليل كل ما يؤخر تشكيل الحكومة للانطلاق فى دورة اصلاحات سياسية وأمنية واقتصادية شاملة وهو الأمر الذى يركز عليه الرئيس اللبنانى بدوره نتيجة تراجع الأداء فى مختلف نواحى الحياة العامة فى لبنان. وذكرت صحيفة «النهار» اللبنانية أمس أن عطلة نهاية الاسبوع وما رافقها من معطيات كشفت أن التجاذب وإن بدا شديد الوطأة إنما يدل على علامات مشجعة، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء المكلف وضع مسارا متماسكا فى المواقف التى أطلقها بعد اجتماعه مع الرئيس سليمان وواصل العمل على حل العقد من أجل التوصل إلى خاتمة تبقى رهن الحلول التى يجرى إعدادها حاليا. لكن رغم التكتم الذى يحيط بالمشاورات فإن رئيس التيار الوطنى الحر المعارض النائب ميشال عون رفض بشدة احتفاظ تكتله بحقيبة الاتصالات إذا كانت ستئول إلى وزير غير الوزير الحالى جبران باسيل. وتدور صيغة تشكيل الحكومة فى فلك معادلة خمسة وزراء لرئيس الجمهورية و10 للمعارضة و15 للأكثرية. لكن الخلاف يتركز على ماهية الحقائب الوزارية لكل طرف بحسب وزنه النسبى. ويطالب التيار الوطنى الحر بزعامة عون ب6 حقائب وزارية رغم أن المطروح وفق الصيغة المتوافق عليها أن يحصل على أربع حقائب فقط ضمن حصة المعارضة من ضمنها حقيبة الاتصالات. لكن من ناحية أخرى، يرفض فريق الأكثرية بزعامة سعد الحريرى اعطاء وزارة الاتصالات للمعارضة حيث يرون أنه بذلك ستكون عمليات المراقبة على الاتصالات بيد المعارضة وهو ما يشكل خطرا أمنيا، على حد اعتقاده. ومن جهة أخرى، ترفض الأكثرية أيضا توزير جبران باسى القيادى فى تيار العماد عون وذلك لأنه خسر فى الانتخابات النيابية. ويريد التيار الوطنى الحر المعارض أن تمثل الحقائب التى حصل عليها بالحكومة وزنه فى البرلمان كونه يمتلك ثانى أكبر كتلة نيابية فى البرلمان تضم 27 عضوا بينهم 19 مسيحيا مارونيا، ويرى أن من حقه اختيار ما يمثله فى الحكومة. وفى هذا السياق، رأى المحلل والصحفى اللبنانى أيمن المصرى أن هناك «احتقانا لدى الطائفة السنية فى لبنان بسبب تعطيل المعارضة لتشكيل الحكومة حتى الآن». وأوضح أنه نظرا للتركيبة الطائفية اللبنانية، فإن «فراغ موقع رئيس الحكومة (وهو لابد أن يكون سنيا) حتى الآن يضعف من وجود السنة السياسى». وطبقا لاتفاق الطائف الذى انهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989، يتولى مسيحى مارونى منصب رئيس الجمهورية فيما يتولى سنى منصب رئاسة الحكومة وتذهب برئاسة البرلمان للشيعة. من جانبه، شكك رئيس حزب القوات اللبنانية (أكثرية) سمير جعجع فى نية المعارضة فى تشكيل حكومة وفاق وطنى بسبب عدم تراجعها قيد أنملة عن أى من شروطها». لكن فى تصريح ل«الشروق»، رمى سليم عون القيادى بالتيار الوطنى الحر الكرة فى ملعب الحريرى بالقول: «إذا رغب الحريرى فى تأليف الحكومة خلال 24 ساعة فسيشكلها.. المشكلة ليست عندنا.. ولكن المشكلة فى تحالفات الحريرى التى فقدت وزنها وسببت له مشكلة». وأوضح أنه بعد خروج رئيس اللقاء الديمقراطى النائب وليد جنبلاط «عمليا» من تحالف 14 آزار، فقد التحالف كثر من وزنه بالإضافة إلى الضغط المتواصل من الحلفاء الآخرين الضعفاء بإعطائهم وزنا أكبر من حجمهم». وقال: «لو أعطى الحريرى الوزن المناسب لهم، ربما سيشعرون بالضعف ويتركون التحالف الأمر الذى يضع الحريرى فى أزمة». وقال المحلل السياسى اللبنانى سيمون أبوفاضل فى اتصال هاتفى مع «الشروق» إن الأفق لايزال مغلقا أمام تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن القوى الخارجية لا تزال تتحكم بالوضع السياسى فى لبنان. ولفت إلى أن «إيران لم تعط موافقتها بعد على تشكيل الحكومة رغم ما أبدته حليفتها دمش من مرونة ظاهرة من أجل تشكيل الحكومة». ورأى أن المداولات والسجال لسياسى الدائر «تظهر وكأن الانتخابات لم تجر، فالحكومة لم تخرج للنور بعد مرور خمسة أشهر على الانتخابات». وأشار فى ذلك إلى أن الجدل الدائر على توزيع الحقائب لا يراعى نتيجة الانتخابات التى أفرزت أكثرية نيابية وأقلية. وأوضح أنه فى الوضع الطبيعى، فإن من يحصل على الأكثرية يشكل حكومة وحده لكن بما أن هذا الامر صعب فى بلد مثل لبنان يحتاج لكل شىء أن يمضى بالتوافق فإنه أيضا من الصعب أن نرى توافقا بين الفرقاء السياسيين فى ظل تمسك كل منهم بموقفه.