ربما لا يوجد فى القانون الأمريكى جريمة اسمها «ازدراء الأديان»، لكن المؤكد أنه فى العرف الدولى توجد فضيلة اسمها «الاعتذار». قد تكون الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تمنع أو تجرم هذا القس أو تتهمه بأى اتهامات، لأن الدستور الأمريكى يمنع الحكومة والسلطات الأمريكية من التدخل فى الحرية الشخصية للفرد فى التعبير عن ذاته ومعتقداته، مهما كانت درجة الهجوم، كما ردد المتحدث باسم البيت الأبيض، الذى قال إنه لا يمكن اتهامه بتهمة التحريض على العنف لأنه لا يمكن إثبات ذلك، فقد أعلن أنه ذاهب فقط لحرق المصحف ولم يطالب بقتل أحد أو القيام بالعنف ضد أى شخص، وقد أعلن تخطيطه القيام بهذا الحرق على ممتلكات كنيسته، وبالتالى لا توجد جريمة وربما تكون الجريمة الوحيدة التى يمكن أن يعاقب عليها هى بناء «محرقة» لحرق المصحف دون الحصول على إذن بذلك وهى مخالفة بسيطة. كل ذلك حقيقى وثابت فى الدستور الأمريكى، ومعروف قانونياً، الإدارة الأمريكية لا تكذب عليك فى هذا، لكنها أولاً تمتلك القدرة على الاعتذار باعتبارها إدارة لدولة لها مصالح فى العالم الإسلامى وأصدقاء وحلفاء، وحرق المصحف أو تمزيق أوراقه يؤذى مشاعر الملايين من الشعوب الصديقة التى ترتبط بمصالح مع الولاياتالمتحدة، لذلك فالاعتذار الرسمى الأمريكى له مبررات سياسية ودبلوماسية وحتمية تجعل الإمساك عنه غير مقبول ولا مبرر من جانب الإدارة الأمريكية. هذه نقطة، والثانية أنك إذا كنت لا تملك قانوناً يعاقب على «ازدراء الأديان» فقد أصبحت لديك قوانين وقواعد استثنائية لمكافحة الإرهاب، وتستطيع أن تستخدم ذلك إن أردت ضد القس المحرض على حرق المصحف، وضد كل من يشعلون الفتنة فى العالم بإثارة مشاعر المسلمين عبر حرق مصحفهم المقدس أو تمزيق أوراقه. الرابط هنا واضح تماماً، واتهام القس ومن معه بالتأثير على سمعة أمريكا فى العالم، وتعميق العداء مع الإسلام، وتسهيل مهمة المتطرفين الإسلاميين فى ضم عناصر جديدة متغذية بالكراهية للولايات المتحدة وشعبها، سهل جداً ومنطقى، وبالتالى استخدام الإجراءات القانونية الاستثنائية التى تستخدم فى حق الإرهابيين والمحرضين على الإرهاب والمتواطئين معه فى يد الإدارة الأمريكية، ومن السهل تبريره بحماية الأمن القومى الأمريكى، والدفاع عن مصالحها وشعبها. هناك أيضاً قانون لمعاداة السامية يمكن أن يشهر فى وجه هذا القس ومن معه، باعتبار العرب ساميين أيضاً، فلا تقنعنى بأن أحداً يمكن أن يطعن فى اليهودية أو حتى ينكر المحرقة أو يقلل من شأن «الهولوكوست» ثم تقف الإدارة الأمريكية عاجزة لتقول إن القانون يمنعها ويحمى أصحاب هذه الدعوات لأنه يؤمن بحرية الأفراد فى الترويج للأفكار التى يقتنعون بها، ولا توجد به جريمة اسمها ازدراء الأديان. لا تقنعنى أبداً بأن الإدارة الأمريكية عاجزة، ففى يديها الكثير لكبح هذا الهوس المتصاعد فى كراهية الإسلام بشكل أقرب إلى العنصرية، إن لم يكن أصبح سلوكاً عنصرياً مكتمل الأركان وفق جميع التعريفات، فإن لم تكن تملك اتخاذ إجراءات حقيقية وحاسمة، وتتمسك ب«حرية الأفراد» بينما هى تهدر «حرية الشعوب» فى الخارج، فليس أقل من «اعتذار» رسمى عن سلوك عنصرى من مواطنيها، ولتتحمل «لعنة» متطرفيها، كما حمّلتنا لعنة «متطرفينا»..! [email protected]