سيطر التوجه الفلسطيني إلى الأممالمتحدة على سلوك الساسة الإسرائيلين, وهو ما عكسته تصريحاتهم في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وعكست هذه التصريحات حالة الارتباك والاعتراف بالعجز عن منع الخطوة الفلسطينية, ما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان إلى توجيه اللوم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لما اعتبراه عدم ممارستها الضغوط الكافية على الرئيس محمود عباس لمنعه من التوجه للأمم المتحدة. وحذر وزير المالية الإسرائيلي، يوفال شطانيتش، القيادة الفلسطينية من إقدامها على ما سماها خطوات أحادية الجانب, مهددا بوقف تحويل الأموال إليها ضمن خطوات عقابية أخرى, كأن تلجأ إسرائيل إلى وقف التعاون مع السلطة الفلسطينية. وفي إطار التحريض السياسي والاستهداف للرئيس عباس، بثت السفارة الإسرائيلية في واشنطن شريطا كرتونيا من إنتاجها ضد الرئيس «أبو مازن». ويأتي بث الشريط في محاولة إسرائيلية أخيرة لإقناع دول العالم الغربى بعدم دعم الفلسطينيين في الحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة. غير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية اعترفت بأن جهود حكومتهم الرامية إلى إحباط المسعى الفلسطيني قد فشلت. ومن هنا جاء تركيز جهدها حاليا على تقليص عدد الدول التى ستصوت لصالح فلسطين من 160 دولة إلى 120, إضافة إلى سعيها لإقناع الدول الأوروبية بالامتناع عن التصويت بالحد الأدنى, بهدف نزع الشرعية من القرار وإبقاء الفلسطينيين على قرار مشكوك في شرعيته وذلك بسبب غياب الدول المؤثرة في العالم عن صفوف المؤيدين. مارست إسرائيل ضغوطا هائلة ولاتزال لثني الرئيس عباس عن الذهاب إلى الأممالمتحدة, وحاولت عبر عمليتها العسكرية «عمود السحاب» ضد قطاع غزة اعتراض هذا التوجه. غير أنها فشلت فشلا ذريعا فيما ذهبت إليه, بل بالعكس فإن الفصائل الفلسطينية التى كانت تعارض ذهاب عباس إلى الأممالمتحدة وعلى رأسها «حماس» باتت تؤيد ذلك وتؤازره, إذ صرح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تأييده لذهاب محمود عباس للأمم المتحدة. ويرى المراقبون أن الخطوة الفلسطينية نحو الأممالمتحدة هى بمثابة تجديد الفعل السياسى الفلسطينى وإخراجه من دائرة المراوحة فى المكان عبر ساحات التفاوض غير المجدى في ظل تواصل الاستيطان وتهويد القدس, ومحاولات فرض الأمر الواقع الإسرائيلى على الساحة الفلسطينية إلى دائرة الفعل واتخاذ القرار مهما كانت عواقبه. لقد أعلنها عباس مرة بعد مرة ثقته بالفوز بطلب العضوية فى الأممالمتحدة, وثقته فى نتيجة التصويت لصالح القرار الذى سيتم التصويت عليه فى 29 نوفمبر الحالي فى نيويورك. وكان عباس قد اتخذ قراره النهائى بالتوجه إلى الأممالمتحدة بعد أخذ ورد من هنا وهناك, ونقاشات مطولة استمرت نحو سنتين. وكان القرار النهائى هو الذهاب للأمم المتحدة لرفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب فى الأممالمتحدة, وهى خطوة أولى على طريق تحقيق الحقوق الفلسطينية منذ عام 1994 وحتى هذا اليوم. والهدف الذى يعلنه عباس دائما من خطوته هذه هى إنهاء الاحتلال, والحصول على الاستقلال الكامل حتى يصل الفلسطينيون إلى دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس, فمن دون هذا لايوجد دولة ولا أمل على الاطلاق. إذن فإن تركيز عباس ينصب نحو الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب, ويوجه بوصلته نحو الأممالمتحدة وهدفه الأول انتزاع الاعتراف ثم تأتى بعدها المصالحة. وكان قد قالها صراحة الاعتراف أولا ثم المصالحة والتفرغ لرأب الصدع على قاعدة قوية تاليا. وربما يكون أحد مكاسب العدوان الإسرائيلى الأخيرعلى غزة الالتفاف الشعبى نحو إنجاز المصالحة وإنهاء ملف الانقسام الجيوسياسى بين الضفة الغربية وقطاع غزة, وتحقيق الوحدة الوطنية التى طال انتظارها وتعد خطا فاصلا لما سيأتى لاحقا. وفيما اعتبر خطوة كبيرة نحو الانفتاح تجاه حركة فتح وبرهان يترجم على الأرض, فقد قررت حكومة غزة العفو عن أصحاب القضايا ذات العلاقة بالصدام الداخلى الذى وقع عام 2007 وما تلاه، وتشكيل لجنة مختصة للبدء فى تنفيذ القرار. وكان موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قد حدد خطوتان لإنجاز المصالحة، واعتبرهما في يد الرئيس عباس لو أقدم عليهما فإنه سيعطى الشعب الفلسطينى أملا كبيرا لتحقيق المصالحة الفلسطينية. الخطوة الأولى تتمثل فى دعوة عباس المجلس الوطنى المؤقت للانعقاد تمهيدا لبرنامج وطنى واحد, أما الثانية فهى إعادة المجلس التشريعي للانعقاد والعمل على تحرير الأسرى منهم. ولأول مرة تتغير لهجة حماس الحادة تجاه عباس فقد أكدت الحركة أنها لم تكن واقفة فى طريق عباس في الذهاب إلى الأممالمتحدة, ورغم أنها كانت ترى أن الأولوية لتوحيد الصف الفلسطيني على برنامج وطنى, لكن طالما اختار عباس الذهاب إلى الأممالمتحدة, فإن حماس لاتريد أن تكون جزءا من المعارضة التى تجتمع فيها اسرائيل وأمريكا. هذا الموقف المعلن من حركة حماس يعد تغيرا جذريا فى مواقفها السابقة من عباس التى كانت تهاجمه بقسوة وصلت فى بعض الأحيان إلى اتهامه بالتفريط فى الحقوق الفلسطينية والخيانة!