على الرغم من أن الأجواء السائدة فى أروقة الحكومة الإسرائيلية الحالية هى أن التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلى العربى بشكل عام والإسرائيلى - الفلسطينى بشكل خاص لن تتحقق خلال الدورة الأولى من حكم الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فإن خطة رئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 خلال عامين، بدأت تثير مخاوف حقيقية فى إسرائيل، فأكثر ما تخشاه إسرائيل أن تلاقى خطة فياض اعترافاً من قبل مجلس الأمن، ودول الاتحاد الأوروبى وحتى الإدارة الأمريكية. وبعد ما أشيع حول توصل فياض فعلاً إلى تفاهم سرى مع الإدارة الأمريكية حول اعتراف واشنطن بدولة فلسطينية مستقلة فى حدود 1967 فى حال إعلانها من طرف واحد، فإن إسرائيل ترى أن أى اعتراف أمريكى من هذا القبيل سيجعل من أى وجود إسرائيلى فى الضفة الغربية، بما فيها شرقى القدس «غزواً غير قانونى» يمنح الفلسطينيين حق الدفاع عن النفس. لذا فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بزيارته الأخيرة غير المرغوب فيها لواشنطن، أراد أن يستبق إمكان صدور مثل هذا الإعلان الفلسطينى، وتوجه إلى الولاياتالمتحدة بطلب فرض حق النقض «الفيتو» فى مجلس الأمن فى حال تمت مناقشة إعلان كهذا، وذلك فى أعقاب تقارير وصلت تل أبيب تفيد بأن مثل هذه الفكرة تلقى قبولاً لدى دول أوروبية مركزية، وأيضاً من جهات أمريكية، ولعل ذلك يفسر الزيارة الملحة التى بدأها نتنياهو فى واشنطن وتوسله للقاء أوباما، الذى بدا عليه تجاهل الطلبات الإسرائيلية المتكررة والملحة منذ أكثر من شهر، وضغوط المنظمات اليهودية الأمريكية لعقد اللقاء لأنه لا يرغب فيه. غير أن المحاولات الحثيثة لإتمام اللقاء بين نتنياهو وأوباما انتهت إلى طرح نتنياهو الموضوع على وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون والموفد الأمريكى الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، طالباً منهما أن توضح الولاياتالمتحدة لفياض أنها لن تؤيد خطوة فلسطينية كهذه، وأنها ستستخدم «الفيتو» ضدها، وإن كان نتنياهو لم يتلق رداً واضحاً من الإدارة الأمريكية فى شأن موقفها من خطة فياض. وكان فياض قد أطلق فى أواخر أغسطس الماضى، خطة لإقامة الدولة الفلسطينية تستند إلى الانتهاء من بناء مؤسسات الدولة خلال عامين بحيث تصبح قائمة ولا ينقصها سوى الإعلان، إذ يؤمن فياض بأنه لا يمكن ترك مهمة إنهاء الاحتلال للاحتلال نفسه وأخذ الرجل يجوب الضفة الغربية طولاً وعرضاً، يفتتح ويبنى ويشارك، ويتعهد بإقامة هذه الدولة، خاصة أن فياض يؤمن إيماناً مطلقاً بأن إقامة الدولة لن تتم بموافقة الاحتلال أصلاً، كما يسعى فياض إلى أن يحل قرار مجلس الأمن الجديد، إذا ما اتخذ محل القرارين 242و 338 على أمل كسب تأييد المجتمع الدولى لحدود الدولة الفلسطينية والقيام بأقوى ضغط على إسرائيل للانسحاب من الضفة الغربية. وإن كانت خطة فياض قد حظيت بتعاطف دولى، إلا أنها لم تحظ بهذا القبول من قبل الفصائل الفلسطينية مجتمعة والتى تناصب فياض العداء، ومن بين الدول التى أيدت الخطة فرنسا وبريطانيا والسويد وإسبانيا. إن خطة فياض فيما لو تحققت تتضمن شقاً سرياً لم ينشر، يتحدث عن خطوة أحادية الجانب للإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة فى حدود 1967، وبحسب هذا البند ستتوجه السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الجامعة العربية بعد انتهاء المدة الزمنية المخصصة لبناء المؤسسات إلى مجلس الأمن، والجمعية العامة مطالبة بالسيادة على دولة بحدود 1967. وإذا كانت خطة فياض لا تلقى القبول لدى الفصائل الفلسطينية بهذا الشكل الصريح، فإنها تثير قلقاً بالغاً فى الأوساط الإسرائيلية، خاصة أن المطبخ السياسى الأمنى الإسرائيلى المصغر قد عقد عدة مداولات حول الموضوع فى الشهور الأخيرة. ووصف مسؤول إسرائيلى رفيع الخطوة بأنها خطيرة للغاية، خاصة إذا ما أدى ضعف دور وزراء الحكومة الإسرائيلية وتقاعسهم للالتفاف والتأييد الدولى حول خطة فياض.