بعد فشل الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جورج بوش فى تحقيق وعده بإقامة الدولة الفلسطينية مع نهاية 2008، رغم الجولات المكوكية والماراثونية التى صالت فيها وجالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لتحقيق هذه الغاية، ومؤتمر أنابوليس الذى حدد معالم السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل، وانهار حلم تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية مع توديع هذا العام. فى هذا الوقت شعر الاتحاد الأوروبى بأن عليه دوراً لا يقل أهمية عن الدور الأمريكى فى قضايا الصراع فى الشرق الأوسط، وزادت التحركات فى هذا الاتجاه بالتوازى مع التحرك الأمريكى، وكان على رأس الدول التى سعت لإيجاد دور فاعل لها، فرنسا متحصنة بما تحظى به من قبول عربى وثقة واسعة النطاق. لقد بدأ الأل يدب فى عروق دول الاتحاد الأوروبى مع استقبال عام 2009 وانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة المعروف بميوله الليبرالية فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط الشائكة، خلافاً لنهج بوش، الأمر الذى شجع دول الاتحاد الأوروبى على إعداد خطة عمل أوروبية فى كل ما يتعلق بعملية السلام فى 2009 . إن الوثيقة التى أعدها الاتحاد الأوروبى تتضمن برنامج عمل يتعلق بمسيرة السلام هدفها وقف عمليات فرض الواقع التى تنفذها إسرائيل فى الضفة الغربيةوالقدس، والتوجه إلى دول العالم لممارسة الضغط على إسرائيل كى توقف الاستيطان، وتعيد فتح بيت الشرق الفلسطينى فى القدسالشرقيةالمحتلة وتعمل على إنجاز اتفاق سلام مع الفلسطينيين فى 2009، فيما أخفقت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2008 . إعداد الوثيقة جرى فى وزارة الخارجية الفرنسية التى تترأس الاتحاد الأوروبى حالياً، والمعروف أن فرنسا بدأت تحركاً دبلوماسياً واسع النطاق فى الشرق الأوسط بالتوازى مع الدور الأمريكى خاصة فيما يتعلق بالملف السورى - اللبنانى، والفلسطينى مع إسرائيل محاولة فرض دور فاعل لها فى المنطقة. صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية قامت بتسريب الوثيقة إلى إسرائيل والتى تسعى بدورها لتعديل عدد من بنودها بما يتلاءم وسياسة رئيسة الوزراء الجديدة تسيبى ليفنى، وبحسب «هاآرتس»، فإن الصياغات الحالية المطروحة لا تعجب الحكومة الإسرائيلية رغم أنها تحتوى أيضاً على المطالب الإسرائيلية بخصوص مكافحة «الإرهاب» وقضية اللاجئين، ومن المتوقع أن تكون قضية اللاجئين على وجه التحديد سبباً للخلافات وربما للصدامات بين الاتحاد الأوروبى والعالم الغربى بأسره، وبين إسرائيل. تتضمن الوثيقة وهى بعنوان «برنامج عمل استراتيجى للاتحاد الأوروبى فى الشرق الأوسط - الطريق إلى الأمام»، خطة عمل للاتحاد الأوروبى فى 2009 فى كل ما يتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل على المسارين الفلسطينى والسورى وتدعو دول الاتحاد الإدارة الأمريكيةالجديدة إلى أن تكون أكثر فاعلية فى التدخل لتسوية الصراعين المذكورين بالتنسيق مع الدول الأوروبية. كما تدعو الوثيقة إلى تطبيق فورى للمرحلة الأولى من خطة «خريطة الطريق» التى تلزم إسرائيل بتجميل جميع النشاطات الاستيطانية وإزالة الحواجز العسكرية، وتلزم السلطة الفلسطينية بمكافحة الإرهاب وتفصل الوثيقة 3 محاور ينبغى العمل فيها هى: أولاً : القدس التى ينبغى أن تكون عاصمة للدولتين، كأساس لفكرة قيام الدولة الفلسطينية. ثانياً : الأمن إذ يبدى الاتحاد الأوروبى الاستعداد للانخراط فى الترتيبات الأمنية للتسوية الدائمة بين الفلسطينيين وإسرائيل. ثالثاً : اللاجئون الفلسطينيون وتشير الوثيقة إلى ضرورة إيجاد تسوية لهذه القضية تكون واقعية ومنطقية ومتفقاً عليها. لقد أثارت الوثيقة الأوروبية القلق فى إسرائيل، وحاولت فى الأيام الماضية شطب بعض البنود فيها وتعديل بعضها، فالسياسة التى توصى الوثيقة الاتحاد الأوروبى باتباعها، قد تقود نحو صدام بين الحكومة الجديدة المقبلة فى إسرائيل سواء كانت زعيمة «كاديما» تسيبى ليفنى أو بالطبع زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو على رأسها. لذا كان من الطبيعى أن توصى الوثيقة الاتحاد الأوروبى بتشجيع الإدارة الأمريكيةالجديدة على الدخول فى المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على اعتبار تجربتها وخبرتها السابقة فى هذا الملف الشائك، وفى هذا السياق فإنه لابد من التحرك لتعزيز مراقبة المجتمع الدولى لتطبيق ما تم الاتفاق عليه فى السابق بين السلطة وإسرائيل ولم ينفذ حتى الآن. لكن من السابق لأوانه التكهن بما ستؤول إليه الوثيقة سواء بالنجاح أو الفشل كما حدث لسابقاتها، إذ لن يكون هناك حل سياسى للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، ما لم تكن القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وما لم تحل قضية اللاجئين بشكل جذرى وواضح، وما لم تحل قضية الأمن والحدود وغيرها من القضايا العالقة حتى الآن بين الجانبين، ولا يبدو فى الأفق أى بارقة أمل لحلها على الأقل فى المدى المنظور..!