تعامله مع المعاقين وإيمانه بقدراتهم الخاصة كانا وليد الصدفة، فذات يوم بينما كان الدكتور كرم ملاك، أستاذ فى كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، منشغلا بعمله فى الجامعة وفى معهده الموسيقى، طلبت منه إحدى زميلاته فى الجامعة أن يفرغ جزءاً من وقته لتعليم ذوى الاحتياجات الخاصة فنون الموسيقى لتأثيرها الشديد فى تنمية إدراكهم، فرفض اعتقادا منه بأن هذا النوع من التعليم يستغرق وقتا وجهدا كبيرين، وربما لا ينجح فيه، ولكن مع إلحاح زميلته لإيمانها بقدرته على علاجهم بالموسيقى، فكر فى أن يخوض التجربة. اليوم الذى ذهب فيه «ملاك» إلى المدرسة التى تعمل فيها زميلته، ليبدأ عمله كان يوما فارقا فى حياته، فبمجرد دخوله إلى الأطفال المعاقين بدت عليه علامات الدهشة، لأنها المرة الأولى التى يجلس فيها فى صحبة هذا العدد من ذوى الاحتياجات الخاصة، نظر إلى وجوههم فشعر بندم شديد لأنه تأخر فى هذه الخطوة، خاصة بعد أن سأله أحد الأطفال: «أنت تعبان؟».. ومن وقتها قرر أن يساعدهم ويتأكد من أن نظرة المجتمع إليهم غير صحيحة. ملاك اكتشف أن الأطفال المعاقين يمكنهم التواصل مع الآلة الموسيقية بسهولة تفوق قدرة الأطفال العاديين، وأنهم من خلال الموسيقى يمكنهم أن يقولوا الكثير، لذلك فكر فى مساعدتهم بطريقته المبتكرة: شعرت بأنهم فى حاجة إلى الاهتمام من المجتمع كله، فبدأت من 20 سنة فى تعليم الأطفال المعاقين الموسيقى فى معهد «قيثارة للموسيقى» مجانا، رغم أنهم قادرون على دفع تكاليف دراستهم، وتفريغ ساعة كل يوم من وقتى لهم لن يخسرنى الكثير، فالمعهد يعمل طوال الأسبوع مع الأسوياء ويخصص بضع ساعات فقط للمعاقين لمدة ثلاثة أيام فى الأسبوع مجانا. ويواصل ملاك: ابتكرت طريقة جديدة لتعليم الطفل العزف من خلال الألوان الأحمر والأصفر والأزرق، فتاريخ الموسيقى قائم على الألوان، وذلك عن طريق تعريف الألوان للطفل ووضعها على لوحة العلامات ثم العزف من خلالها، حتى يستطيع الطفل الاستغناء عنها، والعزف بمفرده. لا يشعر ملاك خلال تعليمه الموسيقى للطفل المعاق بأى مشاكل ولكن سلوك الأشخاص المحيطين هو ما يزعجه: الإحساس بالموسيقى ليس موهبة فطرية ولكنه استعداد من الممكن تنميته، فكل الأطفال الذين يحسن تدريبهم من الممكن تنمية قدراتهم الموسيقية، ولكن الشىء الذى لابد من تغييره هو سلوك وفكر الأشخاص المحيطين بالطفل المعاق، فمعظم الأشخاص يتعاملون مع الطفل المعاق بشفقة وباعتباره عبئاً وحملاً على المجتمع، ويعتبره البعض رمزا للتسول، ويستغل الكثير منهم هؤلاء الأطفال لجمع تبرعات.