لقد شهدت العقود الأخيرة ظهور عدة تيارات ورؤى نقدية عن دور الإعلام والاتصال فى مجتمع المعلومات، إذ أصبح يشغل موقعاً مركزياً فى الاستراتيجيات والسياسات التى تستهدف إعادة بناء المجتمعات. ولعل أخطر هذه الأدوار ما يقوم به الإعلام فى تشكيل أنماط معينة من السلوك الإنسانى وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها، وفى إطار هذا السياق تبرز أهمية إلقاء الضوء على الأدوار التى يقوم بها الإعلام المصرى سواء فى تشكيل الصورة الذهنية عن أفريقيا لدى الرأى العام أو تحقيق التواصل الثقافى ودعم التعاون الاجتماعى والسياسى والاقتصادى بين النظامين الإقليميين العربى والأفريقى. هناك حقيقة محورية كشفت عنها وأكدتها الدراسات التى أجريت عن اتجاهات الإعلام المصرى ومستوى استجابته وتفاعله مع القارة الأفريقية والتحديات التى تواجه شعوبها، مضافا إليها الخبرة المتراكمة عن المشاركة فى المؤتمرات ومتابعة الأنشطة الأكاديمية والإعلامية التى قامت بها منظمة الوحدة الأفريقية ومجلس التعليم الإعلامى الأفريقى. تشير هذه الحقيقة إلى أن اهتمام الإعلام المصرى بالقارة الأفريقية يتواكب صعوداً وهبوطاً مع اهتمام ومواقف القيادة السياسية الحاكمة - وتفصيلا لذلك نرصد ما يلى: أولاً: لقد تصاعد الاهتمام الإعلامى المصرى فى حقبة الستينيات مصاحباً ومتواكباً مع المد التحررى فى كل أنحاء أفريقيا وعلاقات التضامن الواعى بين زعماء التحرر الوطنى فى هذه المرحلة، والذى تجسد فيما عرف بمجموعة الدارالبيضاء «عبدالناصر - نكروما - سيكوتورى موديبوكيتا» عام 1961 وقد شهدت هذه الحقبة اهتماماً إعلامياً مكثفاً بالشؤون الأفريقية واهتمت الصحف المصرية آنذاك بتكوين كوادر متخصصة فى الشؤون الأفريقية وبدأت فى تلك الفترة الإذاعات الموجهة إلى أفريقيا فى بث برامجها من القاهرة. ثانياً: شهدت حقبة السبعينيات انحساراً تزايد حتى بلغ ذروته فى الثمانينيات والتسعينيات حتى بتنا لا نجد متخصصين إعلاميين فى الشؤون الأفريقية فى معظم الصحف المصرية، كما انحصر الاهتمام فى الإعلام المسموع والمرئى بالقضايا الأفريقية فى التغطية الإخبارية لأحداث القارة، خصوصاً ما يتعلق بالكوارث والمجاعات ومشاكل الحدود والانقلابات العسكرية، وتراجعت الكتابات الجادة والتحليلات العميقة عن قضايا التنمية وسائر القضايا الثقافية والإنسانية فى القارة الأفريقية. ثالثاً: اقتصر تراث الاهتمام الإعلامى بأفريقيا خلال حقبتى الثمانينيات والتسعينيات على تغطية العلاقات الرسمية، مثل زيارات الرؤساء والحكام الأفارقة والاتفاقيات الحكومية واجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية، وتوارت المجالات الأخرى سواء الثقافة والفن أو الإبداعات الأفريقية وقضايا البيئة وحقوق الإنسان الأفريقى عن أنظار الإعلاميين المصريين. ومما يجدر ذكره أن الأحداث الخطيرة التى شهدتها القارة خلال التسعينيات مثل انهيار الصومال ومذابح رواندا وبوروندى لم تلق العناية الإعلامية الواجبة، فلم نسمع أو نقرأ عن وجود صحفيين أو إعلاميين مصريين بمواقع الأحداث التى تدخل ضمن الدائرة الإقليمية الأولى للأمن القومى المصرى. رابعاً: يفتقد الإعلام المصرى وجود كتاب وإعلاميين مهتمين بالثقافات والحضارات الأفريقية، ولذلك نادراً ما نجد أى تغطية إعلامية للأنشطة الثقافية والبيئية بالقارة رغم تنوعها وتعددها فقد جاء الاهتمام الإعلامى بالجوانب السياسية على حساب الجوانب الثقافية تماماً. خامساً: تشير نتائج الدراسات العديدة التى أجريت عن صورة أفريقيا فى الإعلام المصرى إلى تراجع موقع القارة وقضاياها السياسية والاقتصادية على أجندة وأولويات الإعلام المصرى. سادساً: كما لوحظ أن بعض الكتابات الصحفية تتسم بروح التعالى، وذلك بالحديث عن ريادة الإعلام والثقافة المصرية فى القارة، فضلا عن استخدام بعض النقاد الرياضيين صفات غير لائقة تنم عن الجهل وسوء التقدير وعدم الإلمام بالتاريخ الحضارى والثقافى للقارة الأفريقية مما يثير ردود أفعال عدائية وسلبية لدى الأفارقة، وفى السينما والمسلسلات التليفزيونية وفى بعض الأعمال الدرامية القليلة التى اعتمدت على الخلفية الأفريقية لوحظ غلبة الجهل وسوء الفهم والاستخفاف والتركيز على الفقر والأمية لدى الشعوب الأفريقية وتجاهل التراث الثقافى والحضارى الثرى الذى تتميز به المجتمعات الأفريقية. ولعل أخطر ما يهدد مصداقية وموضوعية الصورة التى يروجها الإعلام المصرى عن أفريقيا يكمن فى اعتماد وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمرئية والمسموعة على وكالات الأنباء الغربية وشركات التليفزيون العالمية، ويعزى ذلك إلى عدم وجود مراسلين سواء للصحف أو الفضائيات المصرية باستثناء جريدة الأهرام التى ظلت محتفظة بمكتبها فى جنوب أفريقيا، ثم قررت إغلاقه فى الفترة الأخيرة دون أسباب معلنة. سابعاً: رغم عضوية مصر فى بعض مؤسسات العمل الإعلامى الجماعى على مستوى القارة، مثل مجلس الإعلام الأفريقى واتحاد الإذاعات الأفريقية، لوحظ ضآلة المردود الثقافى والإعلامى لنشاط المكاتب الإعلامية التى تمثل الهيئة العامة للاستعلامات، إذ نادراً ما كنا نجنى ثمار الجهد المفترض أن تقوم به لتصحيح صورة أفريقيا لدى المواطن المصرى. ومما يجدر ذكره أن الحزب الحاكم شدد فى ورقة (مصر والعالم 2003)، على ضرورة أن تحتل أفريقيا أولوية متقدمة فى السياسة المصرية لأنها تمثل العمق الأمنى والاستراتيجى، خصوصاً ما يتعلق بدول حوض النيل والقرن الأفريقى. وإذا كان هذا الاهتمام من جانب الحزب الحاكم قد رفع إيقاع التفاؤل لدى المهتمين بالشؤون الأفريقية، فإن الفيصل النهائى فى هذه القضية المحورية كان ولايزال يرتهن بضرورة اقتران القول بالفعل، وأعنى بهذا ضرورة حشد كل الجهود على المستويين السياسى والثقافى لتحقيق التواصل بين مصر وقارتها بصورة جادة. ولكن من المثير للدهشة أنه وفى الوقت الذى أبدت فيه القيادة السياسية للحزب الحاكم هذا الاهتمام بقضية العلاقات المصرية الأفريقية، فوجئنا بأن الرئيس السابق للهيئة العامة للاستعلامات قد قرر إغلاق المكاتب الإعلامية فى كل من كينيا والسنغال وتخفيض مكتب السودان، وبذلك لم يبق لمصر سوى ثلاثة مكاتب إعلامية فى أفريقيا تشمل جنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا، علاوة على دول الشمال الأفريقى (تونس - الجزائر - المغرب)، والتى تدخل ضمن الدائرة العربية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أصدر وزير الإعلام قراره التاريخى بإلغاء الإذاعات الموجهة إلى أفريقيا. وقد كشفت الدراسات عن الصورة السلبية السائدة لدى الرأى العام المصرى عن أفريقيا، ويرجع ذلك إلى أن معظم قطاعات الرأى العام المصرى يستقون آراءهم وانطباعاتهم عن أفريقيا من خلال وسائل الإعلام، والتى تعتمد على المصادر الغربية المعروفة بتحيزها ضد أفريقيا، أما النخب المثقفة التى تتيح لها ظروفها ومواقعها الوظيفية إمكانية التعرف على الصورة الحقيقية لأفريقيا، فهى أيضاً لا تهتم، وهنا أود أن أشير إلى أن صورة مصر والمواطن المصرى فى الإعلام الأفريقى أفضل كثيراً من صورة أفريقيا فى الإعلام المصرى.