تجارة يكسب من يعملون بها الكثير والكثير، وفى المقابل تخسر النساء الكرامة، والآدمية، إنها تجارة الجنس التى جعلها الكاتب الصحفى مدحت الزاهد موضوعا لدراسته حول تجارة الجنس، وهى الدراسة التى يصدرها للكاتب مؤسسة الشهاب. بنى الزاهد كتابه على شهادات لنساء يعملن بتلك المهنة وينتظرن العثور على مهنة جديدة وحياة آدمية. وفى الحالات التى أجرت معها مؤسسة الشهاب الحقوقية مقابلات، تحكى عاملات الجنس عن مآسيهن، وشملت الحالات نساء وفتيات متزوجات ومطلقات وعازبات من مستويات اجتماعية وتعليمية مختلفة، ووافقت 16 عاملة على الحديث مع المؤسسة، بينهن 6 مطلقات و5 متزوجات و4 غير متزوجات بينهن واحدة حافظت على بكارتها وأرملة واحدة، 11 منهن ينتمين إلى طبقات فقيرة و5 من أسر محدودة الدخل، وتراوحت مستوياتهن التعليمية بين التعليم الابتدائى والتعليم المتوسط. واعترفت 5 منهن بالتعرض لاعتداءات جنسية فى سن الطفولة ممن يقيمون معهن فى المنزل، الأخ وزوج الأخت وغيرهما. ورغم عدم وجود إحصاء دقيق للعاملات فى الجنس فى مصر لكن هناك مؤشرات عامة على تنامى الظاهرة بينها وجود ما يزيد على مليونى طفل من أطفال الشوارع، وهى الفئة الأكثر عرضة للاعتداءات والاستغلال الجنسى. وكذلك تزايد الكثافة السكانية فى العشوائيات وازدحام عدد كبير من أفراد الأسرة من الجنسين فى غرفة واحدة وما يرتبط به من زنى المحارم وتنامى ما يعرف باسم السياحة الجنسية وكلها تشكل رافدا للعمل المأجور فى الجنس. فى كل المقابلات التى أجراها فريق البحث فى مؤسسة الشهاب لم تكن هناك عاملة واحدة راضية عن عملها بالجنس أو عن نفسها وكان هناك إجماع على الشعور بالمهانة والرغبة فى البحث عن مصدر آخر للرزق. وكان تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير عن الاتجار بالبشر قد وصف مصر بأنها دولة ترانزيت ومقصد لعمليات الاتجار بالبشر للنساء والأطفال الذين يتم نقلهم لأغراض العمل القسرى والاستغلال الجنسى وأشار إلى أن «بعضا من أطفال الشوارع فى مصر من الصبية والفتيات يتعرضون على السواء للاستغلال قسرا فى أنشطة الدعارة والتسول» وأضاف أن «الأطفال المصريين يتم تجنيدهم للعمل فى المنازل والزراعة ويواجه بعضهم ظروفا دالة على العبودية مثل القيود على الحركة وعدم دفع الأجور والتهديدات والانتهاكات الجسدية أو الجنسية». وفى جانب آخر أشار التقرير إلى أن «أثرياء الخليج يسافرون إلى مصر لشراء زيجات مؤقتة من مصريات بينهن فتيات دون سن الثامنة عشرة ويتم تسهيل تلك الترتيبات فى الغالب عبر آباء الفتيات والوسطاء من رعاة الزواج» والمناطق الأكثر شيوعا لسياحة جنس الأطفال هى «القاهرة والإسكندرية والأقصر»، كما أن الأطفال العاملين فى المنازل غير محميين بموجب قوانين العمل الحالية. كما أن مصر دولة ترانزيت للنساء من أوزبكستان ومولدوفا وأوكرانيا وروسيا ودول أخرى من أوروبا الشرقية إلى إسرائيل من أجل الاستغلال الجنسى، وتتورط جماعات الجريمة المنظمة فى تلك النشاطات. ووفقا للشهادات التى حصل عليها مركز الشهاب، تسأل الباحثة إحدى العاملات بالجنس، عن رأيها فى تلك المهنة فقالت «تحسى انك بتاجرى بجسمك» وأوضحت أن الاضطرار لمثل تلك المهنة هو السبب الوحيد فهى لم تجد أى بديل آخر لتلجأ إليه قائلة: «مافيش واحدة هاتعملها بمزاجها.. مافيش واحدة ممكن تبيع جسمها لإنها عايزة كده هى بتبقى عايزة الفلوس». وأكدت جميع الحالات عدم رضاهن عن تلك المهنة ورغبتهن فى العمل بأى مهنة أخرى. وتقول إحدى الحالات «صعبان عليا نفسى وماكنتش عايزة امشى فى الطريق ده ومنه لله اللى كان السبب»، وأخرى تؤكد «نفسى يبقى ليا حياة جديدة وانسى كل اللى فات خالص». وتمنت معظم العاملات بالجنس أن تكون حياتهن منذ ارتدن هذا الطريق مجرد «كابوس» يستيقظن بعده على حياة عادية طبيعية لا تشوهها مهانة العمل فى الجنس. حالة أخرى لجأت إلى العمل فى الجنس بعد حادث اغتصاب فى مدينة ريفية، تناوب عليها أكثر من مغتصب وهى فى الرابعة عشرة من عمرها، ودارت حولها مشاجرة بين فرقتين وأمضت ليلتها فريسة عادت فى الصباح منهكة صارحت أمها فأخفت ما حدث عن كل أقاربها، خوفا على شرف البنت لكن الأعمام اعتبروا أن مبيت الفتاة خارج المنزل كان انحرافا عن الأخلاق والشرف ولم يتعاملوا معها كفتاة تعرضت لاعتداء، لكن كبنت فقدت شرفها اعتدى الأعمام والجدة على البنت والأم والأب وانتهى الأمر بهروب البنت وعودتها أكثر من مرة وزوجوها رجلاً حاول بدوره أن يشغلها فى الجنس. وفى واحدة من الحالات كان الأب هو الذى دفع ابنته لذلك الطريق، وحول ما إذا كان يرضى بذلك قالت الفتاة: «هو كان راضى عشان كان بيخلينى اشتغل لاصحابه بفلوس.. يعنى لما ييجى حد من صحابه كان يطلعنى اقعد معاه، ادى الفلوس لأبويا.. وساعات كان بيشغلنى انا واختى». وتضيف الدراسة أن السياحة الجنسية انتشرت فى مصر وعدد من الدول العربية وخصوصا فى فصل الصيف حيث يأتى السائحون من دول الخليج للتمتع بالخدمات الجنسية فى مناطق معينة ببعض المدن العربية عن طريق شبكة واسعة من الوسطاء تجلب لهم العاملات بالجنس. وهذا النوع من العمل بالجنس يتم فى الشقق المفروشة التى يستأجرها السائحون وفى الفنادق عبر شبكة وسطاء تشمل القواد وسائق التاكسى وبواب العمارة وعامل البار وموظف الفندق وأحيانا صاحب الشقة المفروشة. ومن صور السياحة الجنسية «الزواج الموسمى» أو زواج الصفقة الذى يتم غالبا بين فتيات مصريات صغيرات وأثرياء العرب ويتركز فى القاهرة والإسكندرية والأقصر، وتناولت تقارير الخارجية الأمريكية عن التجارة بالبشر ظاهرة الزواج السياحى باعتبارها شكلا من أشكال الاتجار بالبشر.