فتحت قضية «مصفاة البترول» ملف الفساد فى الأردن من جديد، بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية أحكاماً بالسجن ل3 أعوام بحق وزير سابق و3 شخصيات أخرى، بينهم مستشار اقتصادى سابق فى رئاسة الوزراء، بعد إدانتهم بدفع وقبض رشاوى، وذلك فى الوقت الذى ينتقد فيه بعض الخبراء جهود مكافحة الفساد فى المملكة، قائلين إنه بالرغم من وجود عدة مؤسسات رقابية لهذا الغرض، فإن نتاج هذه المؤسسات كان رقابة خجولة ونتائج محدودة. وقال مصدر قضائى، الأسبوع الماضى، إن محكمة أمن الدولة الأردنية أصدرت أحكاماً بالسجن 3 أعوام بحق وزير المالية السابق، الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة «مصفاة البترول» الأردنية عادل القضاة، والرئيس التنفيذى السابق للشركة أحمد الرفاعى، والمستشار الاقتصادى السابق فى رئاسة الوزراء محمد الرواشدة، ورجل الأعمال الملياردير خالد شاهين. وبحسب لائحة الاتهام، فإن «المتهمين ال3 الأوائل اتفقوا على مساعدة المتهم الرابع شاهين وتزويده بالمعلومات والإجراءات التى تتعلق بعطاء يعود لعام 2009 لتوسعة مصفاة البترول الوحيدة فى الأردن بلغت قيمته التقديرية 1.2 مليار دولار، وذلك لتمكينه من دخول العطاء وإرسائه على شركته منفردة مقابل وعود لهم بمنافع ومزايا مادية ومراكز وظيفية». وتعتبر الحكومة الأردنية الجديدة التى تشكلت فى ديسمبر الماضى برئاسة سمير الرفاعى مكافحة الفساد أولوية لها، إلا أنه من حين لآخر تدور تساؤلات حول فاعلية الإجراءات التى تتخذها الحكومة فى سبيل تحقيق هذا الهدف، وهو ما يمكن استخلاصه من الترتيب الذى جاء عليه الأردن فى سلم الشفافية الدولى عام 2009، حيث تراجع إلى المرتبة ال49 عالميا والسادسة عربياً، بعدما احتل المرتبة ال47 عام 2008، والمرتبة ال38 عام 2007، لكن الحكومة الأردنية رفضت هذا الترتيب، مؤكدة التزامها بملاحقة الفساد والفاسدين. وأثارت قضية «مصفاة البترول» الكثير من الجدل على مدار الأشهر الماضية، حيث إن اعتقال مسؤولين كبار فى الأردن يعد أمراً نادراً نسبياً، كما أن «عادل القضاة» الذى عمل لفترة طويلة كصانع قرار اقتصادى كبير هو أول وزير سابق بارز يخضع لتحقيق فى تهم تتعلق بالفساد، فضلاً عن أن شاهين- وهو من أغنى رجال الأعمال فى الأردن والمقرب من كبار الضباط- كان متعاقداً مع الحكومة بشأن مشروعات أمنية كبرى. وقد استغرب بعض المحللين السياسيين من طريقة تعامل حكومة الرفاعى مع القضية، ففى البداية نظر فيها أمام المحاكم التقليدية ثم أحيلت إلى محكمة أمن الدولة نظراً لصلتها بالأمن الاقتصادى للبلاد، كونها تتعلق بشركة مساهمة عامة تمثل مرفقاً عاماً وحيوياً هو قطاع الطاقة، كما أن إصدار النائب العام قراراً بحظر النشر فيها أثار استياء الكثيرين من المطالبين بالشفافية، ويشير موقع «محيط» الإخبارى إلى أن البعض قارن بين هذه القضية وقضية مدير المخابرات الأسبق، سميح البطيخى، فيما عرفت ب«قضية التسهيلات البنكية»، والتى أصدرت المحكمة الخاصة حكمها بالغرامة بمبلغ 17 مليون دينار أردنى (ما يقارب ال24 مليون دولار أمريكى) وبالحبس لمدة 8 سنوات، إلا أن مدير المخابرات العامة قام بتخفيض المدة إلى النصف بموجب الصلاحيات المخولة له. من ناحيته، قال الكاتب الأمريكى، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة «هارفارد» ،مارك لينش، فى مقال نشرته مجلة «فورين بوليسى» فى مارس الماضى إنه يصعب تجنب الحديث عن الفساد حينما يتحدث المرء مع المواطن الأردنى، مضيفاً أن الفساد يستشرى فى البلاد على نطاق أرفع المستويات. وأضاف أنه عندما حل الملك الأردنى عبدالله الثانى البرلمان، عين رئيسا للوزراء هو الرفاعى الذى وضع محاربة الفساد على قمة أولوياته. واعتبر لينش أن التحقيقات فى قضية مصفاة البترول تعتبر «أمراً نادراً»، إلا أنه تساءل عن سر حظر الحكومة على الصحافة تغطية ما تقوم به من عمل ينال الاستحسان ويرقى إلى مرتبة الوفاء بالوعود التى قطعت؟.. وقال إن الجواب يكمن فى الأسباب الحقيقية وراء الاعتقالات، إذ إنه من الناحية النظرية، فإن القصر ربما أدرك ما يلحقه الفساد من ضرر كبير بشرعية النظام، ولذا فإن الهدف هو استعادة ثقة الشعب- حيث أظهر استطلاع للرأى فى مطلع العام الجارى أن 53% من المواطنين الأردنيين لا يتوقعون نجاح الحكومة الحالية فى مكافحة الفساد-، أما السبب الثانى للحظر فمرده كون الخطوة تمثل إشارة موجهة للنخبة أكثر منها للعامة، ولذا فليس لوسائل الإعلام حق اجتياز حدود معينة. ونقل موقع «الجزيرة» عن الكاتب قوله: إنه تشكلت العديد من الهيئات فى الأردن فى السنوات القليلة الماضية من أجل مكافحة الفساد مثل «صندوق المظالم» الذى تم تأسيسه فى 2008. مضيفا أن تلك المؤسسات لم تحقق أى إنجازات مهمة، وأن عمليات التحقيق اقتصرت على عدد قليل حتى الآن. وفى ظل الخوف من بطش السياسيين، بعد إقصاء مدير مكتب المحاسبة والتدقيق من منصبه، وكذلك بطء عمل هيئة مكافحة الفساد وندرة قيامها بتقديم تقارير، تم حل «المؤسسة الأردنية للاستثمار» المسؤولة عن مراقبة الشركات المملوكة للدولة وإحالة مسؤولياتها إلى لجنة وزارية لا تتسم ممارساتها بالشفافية، على حد قوله. وعلى الرغم من أن الأحكام الصادرة فى قضية مصفاة البترول أعطت للمواطنين الأردنيين بصيصاً من الأمل حول إمكانية احتواء الفساد، يرى خبراء أن ما تفعله الحكومات الأردنية المتعاقبة فى هذا الصدد لايزال «شكلياً»، معللين ذلك بأن آليات مكافحة الفساد فى الأردن مازالت ناقصة، وهو الأمر الذى أدى إلى هروب المستثمرين منها، وأشار هؤلاء إلى ضرورة إقرار «قانون حماية المبلغين»، وهو القانون الذى يمنح حماية للموظف أو المواطن الذى يبلغ عن حالات فساد، فيما اقترح البعض تأسيس محكمة خاصة بقضايا الفساد التى يحيلها ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد لسرعة البت فيها ومعالجة الفساد من جذوره.