ما الذى تعنيه القصيدة؟ ما هو الشعر؟ تظل الدهشة كامنة داخل الأسئلة الأولى بإجاباتها العديدة، وغموضها، فالشعر /الفن يظل السؤال، ويتردد فى الفضاءات بحثاً عن اكتماله.... أظنني أحاول الحرث فى الماء، أو اصطياد عاصفة من نسمةٍ تفكر فى المرور، الشوارع لا تحمل سوى التيه كعنوان وحيد لها، والإنسان صار شيئاً مجرد آلة فى عالم متشابك شديد التعقيد، يبحث عن إنسانيته لم يعد يسأل عن سر وجوده، أو عن الجوهر، أنه يفتش عن وسيلة لتحققه كآدمي يريد أن يعيش، فالموت ليس قاسياً بل الحياة ومواجهتها، فكيف للعوالم الافتراضية التى تسكن المخيلة كأحلامٍ غير قابلة للتحقق، أن تقدم نصاً يواجه مسوخ حضارة متوحشة تقدم موتًا مؤجلًا فوق أطباقٍ أنيقةٍ تحت ظلال أشجارها العقيمة والمسممة لا توجد وسيلة سوى الشعر للبحث عن ملامح ضائعةٍ بين وسائل المواصلات والمقاهي والميادين التى تكشر عن أنيابها، فالبراويز تخرج الأشباح من أطرها، والتماثيل تتحرك كوحوش أسطورية لتآكل الأقدام والظلال... إذن لا مفر من الشعر كنضالٍ من أجل عالم أكثر جمالاً وإنسانية فى مواجهة سلطات متراكمة ومتشابكة تبرز أنيابها فى مواجهة من يحلم بالفرار من براثنها، لا أقصد بذلك السلطات الثقافية ببشاعتها وانتهازيتها بل السلطات كافة، فكيف تراهن على تحطيمها بالشعر من أجل أن تكون كائنًا بشريًا، ما هو أيديولوجي ومعرفي يسبق رغبتي فى قيمٍ وتشكيلاتٍ جمالية أنني أبحث فى الحقيقة عن وردةٍ ضائعةٍ وطفولةٍ بريئةٍ عن قمرٍ سرقه اللصوص من سماءٍ تخصني وحدي، لذلك سأكتب فى مواجهة كل المرتزقة والفاسدين، أثق أن القصيدة لا تهزم، وقوة الشاعر فى قصيدته، وليست فى شهرة زائفة أو منصب يقيد الروح بالسلاسل فى مقعد صدئ... نعم أكتب لحبيبةٍ غائبةٍ وسحبٍ أريدها أن تظللني فى الصيف القائظ، وأن تحمل رسائلي للجميلة.. أكتب دون معاونة قبيلة، أو ذاكرة راوية...أكتب دون عفاريت عبقر، أكتب لأصنع أسطورة تخصني، سأواصل الرهان مهما توالت الخسائر فالشعر مقامرة مثلما هي الحياة، وحين تدخل اللعبة عليك أن تستمر للنهاية، وأن تحلم بقدرتك على تغيير قواعدها بما يناسب كوابيسك، وما يتفق مع ملامح تكرهك تطفو أمامك على صفحة الماء وتصرخ فى وجهك من داخل المرايا وهى تبرز هوية أسلافك، وقائمة بهزائمك المتكررة وأخطائك الكبيرة، لتفكر فى وجهك أين ذهب وكيف لذاكرتك أن تعود من رحلة هروبها، وتبدأ فى الكتابة من جديد ربما يحمل بحر خرافي رسائلك للعالم، أو تذهب الموجات الكهرومغناطيسية بكلماتك إلى الحالمين بالحرية فى مكان ما من هذا الكون الشاسع.... -------------- النص| قصيدة ضائعة لماذا تهرب الحروف من الصفحات، وتترك القتامة للعيون؟ وأية قصيدة يمكنها استعادة الكلمات من الريح؟ ومنح الوسائد للأحلام الذبيحة...واكتشاف نص غائب عن رأس كاتبه...؟ كنت أحاول أن أقول أي شيء، والأقلام تتقافز بعيدا، والأفكار لم تعد على قارعة الطريق، والقصيدة الحبيسة تذوب في عزلتها، وأنتظرها كل ليلة... أترقب رفرفة جناحيها في المساء، أو صياحها في وجهى لماذا وضعت كل هذه النقاط من الحبر واسميتها قصيدة؟.... على حافة النافذة لم أجد شيئا... في المرآة كنت وحدى، والوسادة نظيفة جدا بلا أحلام انزلقت من رأسي..... فلم تركتها تحمل غضبها بعيدا، وتتبخر في براح متسع دون جملة تقيد المدينة، أو حرف يسحب الشوارع بعيدا؟ وهل أفكر في كتابة نص هارب؟
إذا لم أكن راغبا في إعادته فلماذا أقول كلماتي السابقة، وأشعر بحنين جارف لقصيدة تستحوذ على، وتحرك ساقي باتجاهها المبهم... أعترف أنني كثيرا ما أقف على ناصية شارع أظنها ستعبر منه، أو أفكر في وشوشة القمر بكلمات إليها، وأنتظر سحابة تحملها، والسماء لا تمنحني السطر الأول، ولا الأخير، والقصيدة الهاربة لا تنام على الأرصفة مع أطفال الشوارع، ولا تنتظر الملائكة كل ليلة لدفعها في رأس رجل يترنح... إذن أين سأجدها؟ في الظهيرة تحت لظى القاهرة! أم أصادق الأشجار على شاطئ النيل؟ في الميادين.. في الزحام، بين الباعة الجائلين، وبشر لا يعرفون رؤوسهم؟ هل أنتظر شبحًا في المساء يملي قصيدتي الهاربة؟.. سأحكي لكم بعض ما أتذكره منها.. مثلا: تحدثت عن كهوف ترفرف في الميادين، وتهبط في الشوارع لالتقاط صور تذكارية، وأحيانا تنتظم في صفوف طويلة بلا مبرر لذلك، أو تتصارع مع بعضها البعض... لقد نسيت حادثا يشوبه الغموض حين استضاف برنامج يومي أحد الكهوف الرمادية، واستغرق في سرد تاريخه الشخصي، وبيان العناصر التي تكون منها عبر العصور الجيولوجية، وكيف حاول أن يعمل مطربا شعبيا بفضل علاقاته بأغنيات أسلافه دون أن يفكر في إغلاق فمه الضخم، أو يزيل الوحشة التي طاردت الأطفال طويلا نتيجة قسوة التجاعيد التي تشكل ملامحه، مما دفع الصغار إلى تكوين تصورات غرائبية عن أجنة من الفحم يتسللون من شدقيه، ويتقافزون في البيوت، وهم يمضغون ببطء بعض السيارات التي صادفتهم في الطريق.... كما تحدثت في القصيدة عن قطارات تمضى بلا محطات، وتصنع دوائر من الغبار حولها أثناء مسيرتها الحلزونية، وقد توقفت أمامها حين مشت على مياه النهر، وحاولت منع صعودها سلالم البيوت بلا جدوى... اللعنة على هذه القصيدة الضائعة.... لم تكن خاوية مثل كل ما أكتب، أو مجرد ثرثرة فارغة عن حبيبة نسيت أن أودعها بقبلة أخيرة... ولم تكن مخيلتي شاردة لحظة كتابتها، أو متناقضا مع هذياني، وهلاسي، حتى حين رأيتها تربت رأس قطة يتيمة في المشهد الأخير لفيلم مرعب، أو عندما ناولتني سلسلة المفاتيح، وأرغفة من الخبز، واحتفظت لنفسها بقليلٍ من الكوابيس، وعنوان بيتي... أعرف أنها لم تكن شجرةً تتابعني بظلالها في صيف القاهرة، ولم تمنحني قطوفها كاملةً مثل نسوةٍ عبرن حجرتي، وتركن طراوة نهودهن تتراقص في الليل، وأعقاب سجائر بنكهة الفراولة، بالتأكيد لم تكن شجرةً تخبئ الأحضان المختلسة، أو بعض قبلات تنصهر معها عقارب الساعة...كانت كلمات بعضها مبهم، وبعضها طلاسم... ياللتعاسة.....كيف لا أملك القدرة على الطيران، أو الدخول في مدار نجم يطل على الأرض كل مائة عامٍ.... لم أقل ذلك في القصيدة فقط، بل حلمت بمصاحبة ديناصور في رحلةٍ صحراوية من أجل الصعود إلى الشمس في منتصف الليل تمامًا... اللعنة كيف أستعيد كلمات دونتها – على ما أذكر - فوق ورقةٍ مُتسخةٍ على باب البار بأصابع مرتعشة، وأنا أقهقه بغرابة متذكرا ما رأيته حين صنع رجلٌ من أمعائه حبلاً، وصنع صديقه سنارةً، وذهبا لاصطياد الطيور البرية، وحين انتهيا من الصيد كانت محاولات يائسة ترتكب لإعادة الجهاز الهضمي كما كان تمامًا، ومن الملائم ألا أقص حكايات ساذجة بلا دلالة واضحة على اقتراب الليل من نهايته وعودتي وحيدًا إلى البيت كأي مصاب بالزهايمر يفكر في العودة لمنزله القديم بدون صديقة متناسيا انهياره منذ سنوات، وهناك احتمالات عديدة تؤكد عدم حدوث ذلك، وأن القصيدة لم تكتب إلى الآن.. إذن هي اللعنة تصر على مصاحبتي ككل البسطاء هنا
---------------- أسامة الحداد. شاعر مصري، صدر له: "شرور عادية"، "أن تكون شبحا"، "ألعاب صغيرة". ويصدر قريبا: "ميدان طلعت حرب"، و "العشوائي". وشارك فى العديد من الملتقيات ومؤتمرات قصيدة النثر وله العديد من المقالات والقراءات النقدية فى الصحف والمجلات.
بهية طلب http://almashhad.net/Articles/994541.aspx أحد عشر كوكبا يضيئون المشهد الشعري http://almashhad.net/Articles/994524.aspx أحمد حسن عبد الفضيل http://almashhad.net/Articles/994548.aspx شهادة حداد في المشهد الأسبوعي شهادة حداد في المشهد الأسبوعي