لكل أمة أيام يُسطرها التاريخ بأحرف من نور تملأ صفحاته لتسجل أمجادها ويوم 25 يناير 2011 من تلك الأيام . فقد قام الشعب المصري العظيم بثورته الخالدة متحديا دولة الظلم والطغيان، رافضا استمرار دولة الفساد والإفساد وسقط الآلاف من الضحايا والشهداء، والمصابين بعد مواجهتهم لقوي البغي والعدوان، هذه الثورة التي أبهرت العالم كله حتي أن زعماء العالم طلبوا من شعوبهم التعلم من المصريين. وكانت أهداف الثورة الأربعة العبقرية (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة انسانية ) من أروع المعاني التي نادت بها الشعوب الحرة والمناضلة، ومن الطبيعي أن تراجع الشعوب نفسها بعد كل مرحلة عما حققته من أهدافها؛ والآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة ثلاثة سنوات نري أنه لم يتم تحقيق أي هدف من الأهدافالأربعة، ولا نري حتي في الأفق أي بادرة لتحقيقها ولو حتي جزء بسيط من هدف من الاهداف الأربعة. بل العكس هو الصحيح حيث أن الثورة المضادة تمكنت من إيقاف المد الثوري، ولو إلي حين وتحاول بكل قوة عودة سياسات الماضي القريب بل وحتي الماضي البعيد، وتصدر المشهد السياسي لرموز النظام السابق بعد أن كانوا قد أخذوا استراحة خلال الأعوام الماضية، وأنه يمكنهم إعادة قبضتهم الحديدية علي الأمور بعد أن خارت قبضتهم في الأعوام الماضية؛ونظرًا لأن النظام لم يسقط بل الذي سقط هو رأس النظام فقط فأنه من الواضح لكل ذي عينين،هو استمرار نفس السياسات ونفس الأشخاص حتي أن رجال الأعمال الذين صنعهم النظام، ما زالوا يتربعون علي عروشهم ويسيطرون علي الأموال وعلي الإعلام الذي يشكل وجدانالمجتمع، ولم يتغيروا قيد أنملة بل أنهم لم يستجيبوا لنداء الوطن بالتبرع بالمال للدولة في الأزمة الاقنصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. ولنراجع أهداف الثورة بالترتيب حتي يتمكن القاريءمن معرفة الحقيقة. أول هذه الأهداف وهو(عيش) وليس المعني الحرفي للفظ وإنما جري العرف في مصر المحروسة علي أن من يبحث عن عمل يقول عاوز آكل عيش، وكما يتضح للعيان فالبطالة ضاربة أطنابها في البلاد ولا يوجد رقم حقيقي لنسبة البطالة، والاستثمارات المحلية والأجنبية في تراجع مستمر بخلاف المصانع التي أغلقت بالآلاف، وأما عن العيش أي الخبز فأصبح صعب المنال غالي الثمن علي المواطن البسيط بل وأصبح رقما صعبا في ميزانية أي أسرة مصرية . ثاني هذه الأهداف هو (حرية) وهي تعني الحريات العامة فرغم الدستور المعدل والذي صدر 2014، والذي يعتبر من أعظم الدساتير في الحريات العامة فإنه يتلاحظ للقاصي والداني أن الدستور في وادي والواقع في وادي آخر، فبين حين وآخر يصدر قانون يتعارض مع الدستور، وعلي سبيل المثال قانون التظاهر وقانون تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. علاوة علي المعاملة التي يواجهها المواطن المصري في أقسام الشرطة، وفي الشارع ولا سيما مع رجال المرور وغيرها مما كان قد اتنهي بعد ثورة يناير 2011 أيضا الحبس الاحتياطي بعد أن كان محدد المدة صار لأجل غير مسمي، أيضا القانون الخاص بعدم الطعن علي العقود التي تبرم بين الدولة وأحد المستثمرين فقد قصرها علي طرفي التعاقد فقط،وهذا يعني شبهة التستر علي الفساد ولو كان هذا القانون موجودا من قبل ما انكشفت صفقةبيع عمر أفندي وغيرها من صفقات الفساد . أما عن الهدف الثالث (عدالة اجتماعية) فحدث ولا حرج فلقد اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ فالأغنياء وأولادهم يلعبون بالملايين التي هي غير معروفة المصدر؛ والفقراء وأولادهم يلهثون وراء لقمة العيش ويقفون بالساعات في طوابير العيش المدعم، وينتقلون بوسائل مواصلات متهالكة وبأسعار فوق طاقتهم ومع ذلك تقومالحكومة بزيادة أسعار البنزين والسولار والمازوت هذا الأسبوع، ويصرح مسئول رفيع المستويأن هذه الزيادات لن تضيف إلي أجرة الانتقال سوي خمسة في المائة إلي عشرة في المائة أيإذا كانت تعريفة الركوب جنيه واحد فستزيد خمسة قروش أو عشرة قروش !!! هل هذا المسئول يعيش معنا علي كوكب الأرض أم هو من سكان المريخ ألا يعلم سيادته أنه لا يوجد عملة خمسة أو عشرة قروش متداولة . كفي استهتارا بعقول الشعب المصري فلا تعاملوه معاملة الأطفال بل أن الأطفال الآن يتعاملون مع الشبكة العنقودية، ومع جميع أدوات ثورة المعلومات، وصاروا أكثر وعيا وإدراكا منكم فلقد عفي عليكم الزمن . ولقد سبق للحكومة أن رفعت أسعار الغاز للمنازل عدة أضعاف، كذلك قامت برفع أسعار الكهرباء للمنازل وقامت برفع أسعار البنزين والسولار والمازوت لكي يتم ارتفاع جميع الأسعار وزيادة أعباء المعيشة علي الطبقات الكادحة. هل هذه هي الهدية التي ترسلها الحكومة للشعب المصري بمناسبة قدوم رمضان المعظم، ولماذاالفقراء والطبقات المتوسطة التي تخصهم الحكومة لسداد عجز الميزانية، والتي سببها سوء إدارةالحكومة، وإنفاقها الزائد من سيارات يستخدمونها ومحروقات لها وأنفاق لا حدود له. لقد طرحالكثير من الخبراء ووسائل كثيرة ومتنوعة لحل مشكلة العجز في الميزانية والخلل في الاقتصاد،ولكن الحكومة سلكت الطريق الأسهل؛ ولماذا لا تحمل الأغنياء نصيبهم أم أنها تخشي من زعل الحبايب وحبايب الحبايب ؟؟ نعود إلي الهدف الأخير وهو (كرامة انسانية)، فالجميع يري الصورة واضحة كل الوضوح إذا ذهبت لقضاء مصلحة لك في أي مكان في مصر، إذا لم تكن تحمل واسطة فلن تكون لك كرامة إنسانية، وآه لو كان حظك التعس أن كنت بإحدي الشوارعبالمصادفة، واتلميت مع اللي بيلموهم فسبحان المنجي والأمثلة كثيرة . وأخيرا ليعلم الجميعأن عقارب الساعة لن تعود إلي الوراء، لقد قامت ثورة يناير 2011، ولن تتراجع عن تحقيقأهدافها إن لم يكن اليوم فغدا وأن غدا لناظره قريب، الشعوب لا تموت وإنما الحكام إلي زوال،اللهم إهدنا جميعا إلي سواء السبيل، إنك سميع مجيب الدعاء يارب العالمين.