إن ما حدث يوم السبت الدامي من استخدام القوة المفرطة ضد المعتصمين عقب جمعة 18 نوفمبر ما هو إلا حلقة جديدة في سلسلة مستمرة وخطة شيطانية ممنهجة لمعاقبة الثوار والانتقام منهم بسبب ما اقترفوه في حق مبارك المخلوع ورموز نظامه من عرقلة ووقف دائرة المتعة والرفاهية والبذخ والنهب والفساد. فعقب نجاح ثورة 25 يناير استبشر الجميع خيرا بالبيان الذي تلاه المجلس العسكري وأكد فيه أن الفترة الانتقالية لن تستغرق أكثر من ستة شهور وأنه سيسلم السلطة لحكومة ورئيس منتخبين. لم تخالج الثوار أية شكوك في نوايا المجلس بل ترك الثوار مواقعهم في الميدان إيمانا منهم بأنهم سلموا الأمر كله لله ومن بعده المجلس العسكري باعتباره "حامي حما الثورة". ولكن ومع مرور الأيام استشعر الجميع حجم الخديعة التي دبرت بإحكام من قبل المجلس العسكري. فالفترة الانتقالية انقلبت بفعل فاعل إلى ما يسميها البعض "فترة انتقامية" بدأ أول فصولها بالوقيعة بين قوى الثورة المختلفة بهدف تقسيمها وتفتيتها من خلال استفتاء مشبوه. كان هذا الاستفتاء بمثابة الخطوة الأولى المحكمة الممزوجة برائحة الفلول الكريهة نحو إجهاض الثورة الوليدة. وانتقلت الفترة الانتقامية إلى هدف آخر تمثل في محاولة تشويه سمعة الثوار بدعوى تلقيهم تدريبات وتمويلات من الخارج من خلال حملات من جانب بقايا الفلول الإعلامية وذلك للإيحاء بأن الثورة لم تكن بأيدي مصريين شرفاء ذاقوا مرارة الظلم والفساد والتزوير وإنما كانت بفعل مخططات خارجية وأجندات مشبوهة. وفي هذا السياق يتعمد بعض الخبثاء هذه الأيام نشر تقارير عن أسرار التمويلات الخارجية المزعومة لقوى الثوار وذلك بهدف دق أسافين بين الناخبين وبعض الثوار المرشحين في الانتخابات البرلمانية لحرمان شباب الثورة من دخول البرلمان بل ربما إدانتهم ومحاكمتهم. وتتواصل الفترة الانتقالية بالتلكؤ والتباطؤ غير المبرر في محاكمة مبارك ورموز نظامه الفاسد في الوقت الذي ينعم فيه مبارك بحياة الرفاهية في جناح خمس نجوم بالمستشفى مجانا وبأموال دافعي الضرائب المصريين المطحونين. وأكاد أتخيل الطاغية المخلوع مبارك وهو جالس الآن على فراشه الوثير وهو يقهقه ضاحكا بشماتة وخبث على ما آلت إليه أوضاع البلاد بعد خلعه من السلطة. وإمعانا في الانتقام يتم بصورة يومية اعتقال رموز الثوار، وكان آخرهم المناضل علاء عبد الفتاح ليصل عدد المعتقلين في السجون العسكرية منذ بداية الثورة وحتى الآن إلى نحو 12 ألف معتقل، ولم تسلم فتيات الثورة من الحالة الانتقامية العارمة، فقد أرغمن على الخضوع لاختبارات العذرية على أيدي عباقرة المجلس العسكري، وما استتبع ذلك من تشويه لسمعة فتيات كان خطأهن الوحيد المشاركة في الثورة.... ولتهيئة الساحة من أجل تمكين الفلول ومدبري الثورة المضادة من استعادة قبضتهم على مقاليد الأمور والعودة إلى البرلمان من جديد يتم التأجيل المتعمد والمتكرر لقانون الغدر أو الإفساد السياسي بزعم أن هناك معوقات قانونية تحول دون صدور القانون...!!! وتعزيزا لسيناريو الانتقام اهتدى مدبرو الثورة المضادة لحيلة جهنمية وهي إطلاق البلطجية وأصحاب السوابق من السجون بهدف ترويع المواطنين وضرب استقرار البلاد في مقتل وما رافق ذلك من الامتناع المتعمد لجهاز الشرطة عن ممارسة مهامهم الأمنية التي يتلقون عليها رواتب وحوافز وبدلات وذلك عقابا للشعب المصري الذي وقف إلى جانب الثورة. لقد نجح فلول الثورة المضادة في إحداث الفتنة بين المسلمين والأقباط وتحريك الاعتصامات الفئوية في مناطق استيراتيجية وحساسة وداخل مؤسسات ونقابات وشركات بهدف إسقاط البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية للإيحاء بأن الثورة هي السبب في هذا التردي، وتناسى هؤلاء أن ثلاثين عاما من الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي هي السبب فيما نحن فيه الآن. "الفترة الانتقامية" ستمتد وفقا للجدول الزمني للمجلس العسكري إلى عام 2013 أي أننا سنواجه هذا الكابوس اليومي إلى أن يحين هذا الموعد، بل أن حالة عدم الثقة بين الشعب والمجلس العسكري أسهمت في تشكيك البعض في التزام المجلس بوعوده أصلا والاستمرار في مماطلاته والتشبث بالسلطة. إن مسلسل الانتقام وإجهاض الثورة مستمر من جانب قوى معلومة وقوى اللهو الخفي والتي لم تتوان عن تحريك خيوط اللعبة الجهنمية، لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبا واتسع الخرق على الراتق، ولم يعد مقبولا بعد الآن خداع الشعب المصري والانتقام منه لمجرد أنه ثار على فساد يزكم الأنوف، وخطط توريث لم يعد لها وجود في عصرنا الحديث، وأوضاع اقتصادية وسياسية متردية، وفقر مدقع، وأمية متفشية، ومكانة مفقودة بين الأمم. ربماكان هدف هذه "الفترة الانتقامية" هي الوصول إلى الوضع الذي نتلقى فيه العزاء في ثورتنا الوليدة التي لم تكمل بعد عامها الأول، ولكني على يقين بأن قوى الخير في مصرنا الحبيبة ستنتصر في النهاية وتقدم نموذجا لدولة مدنية ديمقراطية قائمة على الحرية والعدل والمساواة، ولنتأمل قول الله تعالي "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "و "إن ربك لبالمرصاد" و "إن الله عزيز ذو انتقام".