لا أعرف إن كانت "سوزان مبارك " هى التى أصرت بالفعل على اختيار " فريدة " اسماً لحفيدتها؟ ، أم أن أفراد قصر مبارك وحاشيته قد شاركوا جميعا فى الاختيار؟! ، فالاسم يحمل الكثير من الدلالات والقصص التى ارتبطت فى أذهان المصريين ب " صافيناز ذو الفقار " تلك الفتاة المصرية الطيبة التى تزوجها الملك فاروق فى حفل أسطورى تم تسجيله على العملات النقدية للبلاد قبل أن يتحول إلى طوابع بريد مزخرفة تسجل الحدث وتستعيد روائحه حتى اليوم ، كانت " صافنياز " وجهاً للثقافة المصرية الخالصة ،صحيح أن والدها يحمل لقب باشا، وأن والدتها وصيفة الملكة الأم نازلى والدة الملك فاروق، وأنها تلقت تعليمها فى مدرسة نوتردام دى سيمون بالإسكندرية،إلا أنها تمسكت بما يجرى فى عروق المصريات من عزة وكرامة وكبرياء وحرص وصيانة لنفسها من الإهانة ،وكان اختيار فاروق لها سبباً رئيسيا فى تفاؤل المصريين بعهد جديد مع الملك الشاب وزوجته الصغيرة . هل كانت سوزان تريد تخفيف وطأة التوريث باضافة اسم "فريدة" ليكون بردا وسلاما ؟!، ربما ، لكن المؤكد الآن ، أن طفلة اسمها " فريدة " فتحت عينيها على مأساة لتنتظر مستقبلا مكللا بقصص مثيرة عن والدها وجدها وعمها وميراثاً ستحمله على ظهرها مدى الحياة ، بينما بقيت الملكة فريدة سيرة طيبة حتى اليوم الذى يوافق ذكرى رحيلها (15 أكتوبر 1988). 2 فى آواخرالثلاثينات وأوائل الأربعينات أطلق الفقراء والفلاحون اسم "فريدة" على بناتهم حباً فى الملكة التى كانت الشىء الجميل فى قصر ارتبط لديهم بالقهر والخيانة والمؤامرات والغموض أيضاً ،ويوم طلاقها (17 نوفمبر 1948 ) من الملك فاروق خرجت المظاهرات الشعبية تهتف أمام قصر عابدين :" فريدة .. من قصر الدعارة للطهارة " و"فريدة من قصر الرذيلة إلى الفضيلة "،لكن تلك الملكة الاستثنائية فى تاريخ مصر ،عاشت حياة حزينة ومؤلمة ، فالملكة التى داست على التاج وعلى الجاه والسلطان والذهب والفضة والياقوت والمرجان ،وجدت نفسها بلا مأوى أوأصدقاء ،وبقيت وحيدة مع ذكريات ورصيد وافر من الكرامة وعزة النفس ،وفى 11 فبراير 2011 كان المصريون يرفضون اللعبة اصلا ويهدمون قواعد" التوريث " ، وقبل ان تُكمل الحفيدة "فريدة " شهرها الثامن كان الجد يسقط سقوطاً مدوياً لتنهار أحلام العائلة وتبقى فريدة لأجيال قادمة قصة طازجة تلاحقها اللعنات . 3 "فريدة" نفسها ستبكى عندما تعلم أنها لم تكن سوى جزء من " لعبة " سخيفة ، اختاروا لها "الأم" وفق مواصفاتهم وفرضوا عليها الاسم والتاريخ المخجل أيضاً، فكما فى حواديت الصغار وُلدت وفى فمها " ملعقة من ذهب وياقوت ومرجان "، منذ ميلادها وهى محط اهتمام العالم ، بل وحديث الصحف المصرية والعربية منذ الأسبوع لها فى بطن والدتها " خديجة الجمال " ، فقد كانت " لعبة " التوريث تجرى على قدم وساق ، والإعلام يكرس للفكرة و يسلط الأضواء ليل نهار على "جمال مبارك" ، وعقب زواجه عام 2007 من " خديجة الجمال" بدأ الحديث عن وريث الوريث القادم ، فقد تزوج "جمال" فى الأربعين لإكمال الشكل الاجتماعى استعدادا لوراثة الحكم ، وتم اختيار خديجة لتكون سيدة مصر القادمة ، وأشرفت سوزان مبارك بنفسها على عملية اختيار العروس أو السيدة الاولى القادمة ، ووقع الاختيار على "خديجة " وتم الزواج الأسطورى فى شرم الشيخ ، وترقب العالم كله الأخبار الجديدة عن "الحمل" حتى ظهرت خديجة بصحبة زوجها وهى فى شهرها الخامس تقريبا ، وبدأ الاستعداد لاستقبال أغلى طفلة فى تاريخ مصر ، واقترحت سوزان مبارك انجلترا بدلاً من فرنسا التى كان جمال مبارك ميالا إلى انجاب طفلته فى عاصمتها باريس ومنحها الجنسية الفرنسية ، لكن الأم انحازت إلى جنسية والدتها البريطانية . استعدت العائلة بينما كانت أجواء من الحزن تخيم على القصر عقب الرحيل المباغت للحفيد "محمد علاء مبارك " ، وبدأ اسم "فريدة" يتردد فى الاجتماع الاسبوعى للعائلة ،وقبل موعد الولادة بشهر واحد بدأ الرئيس المخلوع يعانى من آلام فى البطن ثم انتقل الألم إلى الظهر وأصبح عاجزاً عن الحركة تماماً ، وخيمت الكآبة على أرجاء القصر خوفا على مبارك الذى كان قد بلغ عامه الثانى والثمانين ، وعلى الفور انتقل مبارك للعلاج فى مستشفى "هايدلبرج "بألمانيا لاجراء جراحة لاستئصال المرارة وبعض زوائد اللحمية الحميدة من الاثنى عشر، فى حين سافرت خديجة الجمال بصحبة جمال وسوزان إلى إنجلترا لاجراء الفحوصات النهائية قبل عملية الولادة التى تقرر أن تكون بمستشفى "بورتلاند هوسبيتال" ،ونصحهم الأطباء بعدم العودة الى القاهرة رغم أن موعد الولادة كان متبقيا عليه اكثر من عشرين يوما ، وفى 23 مارس 2010 وُلدت "فريدة جمال مبارك أول حفيدة للرئيس فى العاصمة البريطانية لندن، وقدر البعض تكاليف عملية ولادتها وإقامتها مع والديها وجدتها ب 13 مليون دولار!،والحقيقة أن اختيار لندن لميلاد الحفيدة ومنحها الجنسية البريطانية كان أمراً محيراً ، فمن المفترض أن رؤساء البلاد ومن يفكرون فى وراثة البلاد هم الأكثر حرصاً على قيمة جنسية البلاد التى يتبادلون ثرواتها ! 4 لحظات قليلة فى حياة البشر تلك التى يتخذون فيها قرارا حاسماً رافضين المفاضلة أو المساومة مهما كانت الإغراءات ، لكن ترى هل يمكن لسيدة صغيرة وجميلة أن ترفض إغراء تاج الملكة ؟! . فعلتها " صافيناز ذو الفقار " التى حملت اسم " فريدة " منذ دخولها القصر حسب تقاليد العائلة الملكية فى اختيار اسماء تبدأ بحرف الفاء، داست "فريدة " على التاج والقصور والخدم والحشم وما يمكن أن يخطر على قلب بشر من مجوهرات وثروات ونفوذ ،فعلتها حفاظاً على كرامتها وكبريائها .. وعلى قلبها الذى أحب رجلاً ضاق بها وتأفف منها ، بل وخانها مع وصيفتها !! ،هل هناك مهانة لإمرأة أعظم من تلك ؟!، أدركت فريدة أن تلك هى النهاية ولم يعد من الممكن احتمال إهانات ربما تكون أكثر قسوة . عاشت فريدة قصة حب حقيقية مع فاروق الذى أحبها وفضلها على أميرات العائلة وبرنسيسات أوربا ،لكن ماذا حدث؟، تروى فريدة على لسان الكاتبة "لوتس عبد الكريم" ملخصاً كافياً يكشف كيف انتهى هذا الحب الكبير نهاية مؤلمة ،فكل الجروح والاهانات والآلام بدأت معها فى أول شبابها ومنذ بدأت تتناول المهدئات ، فحائط كبير قد بدأ يفصل فاروق عنها بعد أول يوم انجبت فيه ابنتها الأولى "فريال" فقد خاب أمل الملك ،وطال انتظار "ولى العهد " ،وفى مرات الحمل الثلاثة كانت تتعرض لضغوط وتلميحات رهيبة أفقدتها أعصابها ،بل وانحدرت إلى تنفيذ "الوصفات البلدى" ربما تنجب الولد !،هكذا كان يقتلها القلق والتوتر ،ثم تأتى الولادة بفتاة أخرى ، ويشتاط الملك غيظاً ، ومنذ ذلك الحين وهى تعانى نوبات الاكتئاب الحادة،ثم بدأت الجفوة تتسع بعد ذلك إلى أن أصبح الجرح غائراً ،فها هو الملك يتقرب إلى إحدى وصيفاتها بالقصر،بل ويستدعيها إلى جناحه كل ليلة ! فريدة إذن لون لا يتكرر من النساء ،فنادراً ما توجد (امرأة) تخلع بيديها التاج ، تهجر العرش والمجد والثراء فى سبيل الكبرياء. لا توجد بسهولة من تقول "لا" للترف والجاه وبذخ الحياة، ولا توجد بسهولة من تشترى كرامتها بتلك التضحية وذلك الثمن الباهظ الفادح الكبير، لكن المصريات يفعلن أكثر ، وقد انتبهت الدكتورة "نعمات احمد فؤاد" إلى ذلك وهى تقول عن فريدة :" "كان الناس الطيبون فى بلدنا لايزالون يحبون "فاروق وفريدة "حبا يرى أو يريد أن يرى الجانب المشرق فى كل شىء يتعلق بهما ، لكن فاروق بدأ يقلق على وريث العرش ،وقلق الملوك يجد من يؤججه ،وأطلت رءوس تستغل هذا القلق فتتظاهر بالرغبة فى امتصاصه بإغراق الملك فى الملذات ،وهنا بدأ طريق النهاية وتمادى فاروق فى أخطائه .. واعتزلته الملكة الغاضبة ". 5 بينما كانت "خديجة الجمال " تحمل طفلتها عائدة بها إلى القاهرة على متن الطائرة الخاصة ، كان وزراء حكومة نظيف يستعدون للأفراح والليالى الملاح ، وهمسوا لزوجاتهم بالخبر السعيد كى يتم اختيار الهدية المناسبة سواء من الألماظ أو الياقوت أو المرجان ، وتبارى رجال نظيف فى الاختيارات ، وتبرع زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية ببعض الفلوس لتوزيعها على الموظفين والعاملين بالقصر ابتهاجا بالحدث وتنوعت اشكال وانواع النفاق لمجاملة عائلة مبارك ، ووصل التدليس بمجلس وزراء أحمد نظيف إلى أن يصدر تقريرا أحداث 2010 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ليقول أن :"مولد فريدة جمال مبارك أهم أحداث عام 2010 "، وذلك فى الجزء الخاص بالأحداث الاجتماعية ببند الطفل، وقام التقرير بوضعها تحت عنوان " فريدة جمال مبارك أول حفيدة للرئيس " وقال فيه أن السيد جمال مبارك رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطنى رزق بأول أبنائه والتى أطلق عليها اسم فريدة !،وقبل أن تكمل " أغلى طفل فى مصر " شهرها الثامن كانت ثورة مصر تهيل التراب على تقرير مجلس الوزراء ومجلس الوزراء نفسه . 6 حمل فاروق حقيبته وسافر مع بناته الثلاثة إلى روما ، وبقيت فريدة فى بلدها ، لكن الثورة لم تنصفها وتعامل رجال عبد الناصر معها باعتبارها جارية وقعت فى الأسر !، ولعل محاولة السيد "جمال سالم" أبرز قادة حركة يوليو الزواج بالقوة من الملكة الشابة أكبر دليل على ذلك ، وقد كان ردها العنيف على هذا العرض وراء حالة الترصد بها لدرجة أنها خافت السفر إلى روما لرؤية بناتها خوفاً من بطش رجال الثورة الذين هددوها بسحب الجنسية المصرية !،وفى عهد السادات كما تروى صديقتها الوحيدة لوتس عبد الكريم لم تجد "فريدة" سوى وعود براقة من الرئيس المؤمن ،فى حين رفضت السيدة جيهان السادات استقبالها بالشكل اللائق وتوفير معيشة كريمة لها !!. على أن مرارة فريدة امتدت حتى الثمانينات ،فالملكة التى تركت كل هذا الجاه ،لم تعش سوى حياة الألم والحزن والوحدة والعوز ، لدرجة ان لوتس عبد الكريم ذهبت إلى الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق قائلة له بغضب ومحتجة: هل يعقل أن ملكة مصرية تحصل على معاش فى نهاية القرن العشرين ( حقبة الثمانينات حتى وفاتها) قدره(200 جنيه مصرى - 35 دولارا امريكيا ) فأجابها : إنه أكبر معاش يمكن أن تحصل عليه ، فردته : هل تحصل زوجات الرؤساء على معاش مماثل ، فأجابها : إن لهن مخصصات فقالت : ألم تكن آخر ملكة لمصر ويحق لها مخصصات مالية مثل غيرها( تحية عبد الناصر ، جيهان السادات) تعصمها من العوز والفقر والحاجة. وانقطع الحوار لأن د. لوتس رأت أنه لا طائل من حوار كهذا مع رئيس وزراء مصر . وهنا قررت الملكة السفر إلى باريس حيث عاشت فى شقة اشتراها لها شاه إيران السابق محمد رضا بهلوى في شارع "الشانزليزيه" وكان ينفق عليها، فقد سبق له الزواج من الأميرة فوزية شقيقة طليقها الملك فاروق والتى أصبحت أمبراطورة لعرش الطاووس فى ايران بفعل هذا الزواج، قبل أن يطلقها وتعود إلى مصر. وعندما انتهى حكم آل بهلوى على يد الخمينى انقطع المورد الذى كانت تعيش منه، حسبما تقول د. لوتس عبدالكريم، فاضطرت لبيع ملابسها وشقتها، ثم عادت إلى وطنها فى منتصف التسعينات . كان بإمكان فريدة أن تبيع مذكراتها بملايين الدولارات ،كان بإمكانها احتلال الصفحات الأولى لأكبر وأشهر مجلات العالم ،وتلقت عروضاً بالفعل ،لكنها كانت ترفض بإصرار وعناد كبيرين وتقول : اذا تكلمت فسوف أجرح الكثيرين. ستمضى السنوات ، وستعيش "فريدة" فى إحدى دول العالم ، وربما تتزوج من أمير موناكو ، أو من لاعب كرة شهير ، لكن ميراثاً من الفضائح سيلاحقها وإن قُدر لها أن تبقى فسيكون ذلك مؤلماً ومخجلاً .