تبخر أوهام الزعامة السعودية وأتباعها منذ توقيع "كامب ديفيد" تراوح دور حكام مصر من الصداقة الباردة بين الحكام إلى الدفء المتبادل دون إخلال بمبدأ حماية إسرائيل طمعا في رضا أمريكا قد يخيب أمل قادة المؤسسة العسكرية في مصر من غنيمة التدخل البري في اليمن فباكستان تتنافس على مقاولة "عاصفة الحزم" وقد تطلب أثمانا أقل ما لم يفهمه حكام السعودية أن الامريكان لا صديق لهم ولا يحركهم إلا مصالحهم كما يرونها في معمعة السياسية الأمريكية المعقدة اكتشف أن أمريكا لم تتردد مطلقا في طعنها في الظهر وانحازت إلى إيران القوية علي حسابها حال استمر أداء الحكومة الإيرانية على ماكان عليه في السنوات العشرين الماضية فستبسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط أكثر وتصبح الدولة الأهم في مواجهة إسرائيل يكفي إيران فخرا أن أصبحت من القوة حتى أضحت الدول الغربية الكبري تأخذها على محمل الجد والندية وتتفاوض معها بإحترام وهي لم تستكمل بعد قدراتها النووية النصر الإيراني يدعم نموذج التفاوض من موقف بناء القدرة الذاتية.. ويدحض نهائيا نموذج التسول على أبواب الأغنياء من موقف الخيبة والضعف الذي يتبعه الحكام العرب خاصة في مصر الآن يرى خبير عسكري عربي، أحترم رأيه، أنه: "في قرار لا تفسره القواعد العسكرية والاستراتيجية ذهبت السعودية إلى حرب مسدودة الأفق معدومة الأمل بالانتصار، ولكن تقود بشكل حتمي إلى تحقيق تدمير عام وانتحار ذاتي خاص. فالحرب التي أعلنتها السعودية على اليمن وشكلت لها تحالفا عربيا على الطريقة الأميركية هي حرب عقيمة يستحيل انتصار المهاجم فيها". فيما وراء المشهد الراهن، أظن أنه لا يمكن فهم التاريخ المعاصر للمنطقة العربية من دون التمعن في دور أنظمة الحكم الرجعية في البلدان العربية في دعم الحكم التسلطي في المنطقة بالتحالف الوثيق مع الإدارة الأمريكية، ما يعني تلقائيا التعاون مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وحماية أمن الدولة العنصرية الغاصبة إسرائيل. وقد تزعمت المملكة السعودية هذا المعسكر المناوئ للحرية والتقدم في الوطن العربي وحاربت من أجله وكانت اليمن مسرحا للصراع أكثر من مرة. كما كانت الأردن لاعبا فرعيا ولكن نشطا وسريع الحركة، ومبادرا على التعاون الظاهر والفعال مع العدو الإسرائيلي، فالأردن هي البلد العربي الوحيد التي يوجد فيها مقر ظاهر ومعلن للموساد الإسرائيلي. وتذبذب دور مصر الرسمية في ظل نظام الحكم التسلطي الفردي حسب ميول وأهواء الحاكم. ومنذ توقيع معاهدة السلام المشئومة مع إسرائيل تراوح دور حكام مصر من الصداقة الباردة بين الحكام إلى الدفء المتبادل بين الحكام في عهد الطاغية المخلوع من دون إخلال بمبدأ حماية الكيان الغاصب طمعا في رضا نصيره الأكبر، الولاياتالمتحدة. وقد إستمر المكون الأخير طاغيا على السياسة الخارجية لمصر الرسمية حتى بعد إندلاع الثورة الشعبية العظيمة في يناير 2011، ووصل تحت الحكم العسكري الراهن إلى إعتبار قادة إسرائيل أن "التنسيق الأمني مع مصر صار الأقوى منذ إنشاء" الدولة الغاصبة. ومن الملفت تباري حكم اليمين المتأسلم الحكم العسكري كلاهما في طمأنة الولاياتالمتحدة بشان ضمان أمن إسرائيل. وقد تبدى هذا الدور السعودي الهدام في حرب اليمن الأولى التي إندلعت في 1962 مُحاربة ضد مصر عبد الناصر والتي استهدفت فيها السعودية ضرب التحول إلى النظام الجمهوري في اليمن بمعاونة إستخباراتية ولوجيستية (إسقاط اسلحة للقوات الملكية) مهمة من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. إن ما نُشر من أوراق أمريكية رسميّة من عهد إدارة كينيدي يسلط الضوء على الموقف السعودي الحقيقي في المداولات مع واشنطن. وكان فيصل، الذي لم يكن قد أصبح ملكاً بعد، هو الذي قاد حملة إقناع واشنطن بالتدخّل العسكري الفوري في اليمن وبضرورة ضرب مصر جمال عبد الناصر. ولم يكن الملك الأردني حسين يقلّ حماسة عن فيصل، وهو الذي كاد أن يسقط نظامه في عام 1963 قبل أن ينتشله الكيان الصهيوني الغاصب، الذي هدّد النظام المصري حينئذ عبر واشنطن بأنه سيتدخّل عسكريّاً للحفاظ على النظام الهاشمي مهما كانالثمن. كما إستعدَت السعودية الولاياتالمتحدة لضرب مصر، من خلال إسرائيل، في 1967. وبعدها ضغطت السعودية على عبد الناصر لتعيين أنور السادات نائبا له. وهو القرار الذي مازال يدهش كتيرين ويكمن تفسيره في ظني أنه كان في مقابل تمويل السعودية لإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967. وتنجلي الدهشة بمعرفة أن السادات كان معروفا بصلاته الوثيقة مع المخابرات السعودية بقيادة كمال أدهم حينئذ. على ضوء هذا التاريخ، يتبين أن مأزق السعودية، وبالتبعية مصر الرسمية تحت الحكم العسكري الراهن، الذي أسفر عن تبعية كاملة للسعودية، وللإمارات من بعدها، في الوقت الحالي، هو مأزق تاريخي بامتياز. ولن يخرجهم منه التشنج بالضربات الجوية والهتاف من رئيس الحكم العسكري في مصر، وذبح المصريين الغلابة في الحرب البرية في اليمن لصالح السعودية والخليج. ولحسن الحظ، قد يخيب أمل قادة المؤسسة العسكرية في مصر من غنيمة التدخل البري في اليمن، فباكستان تتنافس على مقاولة عاصفة الحزم وقد تطلب أثمانا أقل. فقد نقل عن وزير الدفاع الباكستانى، أمام جلسة فى البرلمان لحسم التدخل العسكرى من عدمه فى اليمن، إن السعودية طلبت من باكستان جنوداً وطائرات وسفناً حربية لعملياتها ضد المتمردين الحوثيين. ولكن سوق الإرتزاق العسكري الدولية شديدة التنافسية، والبلدان العربية الخليجية متمرسة في توظيف المرتزقة حتى في جيوشها، ولذلك أسرع وزير الدفاع المصري بالسفر إلى باكستان، على رأس وفد عسكري. ******** استراتيجيا، ما لم يفهمه حكام السعودية أن الامريكان لا صديق لهم، ولا يحركهم إلا مصالحهم كما يرونها في معمعة السياسية الأمريكية المعقدة، وقد تفاوضوا مع ايران لأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكريا، على الرغم من العقوبات الغربية القاسية لمدة طويلة، واذا هزموها فإن انتصارهم لن يكون حاسما، وكلفته ستكون مرتفعة جدا، وباهظة التكاليف، ماديا وبشريا واستراتيجيا. ولذلك، وعلى مدى الاربعين عاما الماضية، بعد إتفاق محوري بين الراحل فيصل والإدارة الأمريكية، مغزاه دعم سعودي غير مشروط للاقتصاد الأمريكي المديون في مقابل الحماية الأمريكية للأسرة المالكة السعودية، إتبعت السعودية سياسات خرقاء، ونسجت تحالفات خاطئة، حتى مع العدو التاريخي للأمة العربية أي الدولة العنصرية الغاصبة إسرائيل. ولم تترك لنفسها مجالا لحرية الحركة في مواجهة سياسات الهيمنة الامريكية في المنطقة، واعتقدت أنها في تحالف استراتيجي آمن مع الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة لا يمكن ان يهتز مطلقا، ومولت كل الحروب الامريكية سواء في افغانستان أو الكويت او العراق، لتكتشف أن امريكا لم تتردد مطلقا في طعنها في الظهر، وانحازت الى ايران القوية علي حسابها.وقد كرس هذا المأزق توقيع الاتفاق النووى الايرانى المبدئي مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية الكبرى مؤخرا. صحيح أن التنبؤ بالمستقبل دائما محفوف بالمخاطر، وتفاصيل الإتفاق، وملاحقة السرية التي هي ربما أهم، غير معروفة بعد، ما يوجب الحذر. كما أود أن أؤكد مبدئيا على إمتعاضي من الحكم التسلطي داخل إيران، ومعارضتي لدورها في بعض البلدان العربية لاسيما العراق. لكن حكما من خبرة السنوات الأخيرة، أحسب الإتفاق المبدئي الذي وقع أخيرا نصرا لإيران وحكامها, وأظن انه إذا إستمر أداء الحكومة الإيرانية على ماكان عليه في السنوات العشرين الماضية فستبسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط أكثر وربما تصبح الدولة الأهم في المنطقة في مواجهة إسرائيل. يكفي إيران فخرا أن أصبحت من القوة، على الرغم من العقوبات القاسية لسنوات طويلة، حتى أضحت الدول الغربية الكبري تأخذها على محمل الجد والندية وتتفاوض معها بإحترام وهي لم تستكمل بعد قدراتها النووية، بينما تستخف الدول الكبرى نفسها بالعرب جميعا فيما يتصل بالتفاوض على قضية العرب المركزية، فلسطين، كما يدعي الحكام العرب، كذبا وزورا. الأهم فيما يتصل بحال الأمة العربية التعيسة المنكوبة بحكامها أن هذا النصر الإيراني يدعم نموذج التفاوض من موقف بناء القدرة الذانية المتطورة، ويدحض نهائيا نموذج التسول والإستجداء على أبواب الأغنياء والأقوياء من موقف الخيبة والضعف الذي يتبعه الحكام العرب، خاصة في مصر الآن. علينا أن نتفهم مغزى أن اسرائيل الدولة العنصرية الغاصبة هي الاكثر إنزعاجا من تنامي قدرات إيران حتى غامر رئيس وزرائها بإغضاب حليفه الأساس الرئيس الأمريكي بمحاولة التأثير على الكونجرس من وراء ظهر الرئيس لإفشال مفاوضات الغرب مع إيران، ولكنه باء بالفشل في مسعاه. والغرب ما فاوض إيران بجدية إلا لانها أسندت تقدمها العلمي الرائع والسريع بقدرات عسكرية عالية واستعملت مخزونها المعرفي المتعاظم لإنتاج الأسلحة المتطورة محليا، ففاوضت من موقع القوة. لا كمفاوضات الحكام العرب المذلة منذ كامب دايفيد مرورا بمدريد واوسلو حتى اليوم. إيران لديها فعلا ما يشبه القنابل النووية، لكنها قنابل العلم والمعرفة والتقدم الذاتي. فمبروك لايران قنابلها العلمية النووية، وعسى أن نحذو حذوها يوما ما بدل الولولة وترديد الشكوى من تصاعد دورهافي المنطقة العربية. ##