تتعرض السينما المصرية خلال الأعوام الأخيرة لأزمات متتالية ومتصاعدة تكاد تعصف بوجودها بعد تاريخ حافل بالإنجازات ودور كبير ساهم في إثراء الوجدان العربي سنوات طويلة. ودور ثقافي ساهم في نشر الثقافة واللهجة المصرية في شتي أنحاء الوطن العربي ورغم عودة وزارة الثقافة لدعم الإنتاج السينمائي إلا أنه دور محدود ومحدد بميزانية بالكاد يمكن أن تسهم في دعم إنتاج أفلام قليلة العدد كل عام. ورغم أن المشروع له سنوات إلا أن الأفلام التي استفادت وخرجت للنور مازالت قليلة العدد وإن كان الكم الضئيل أفرز أفلامًا، مثل: رسائل البحر، عصافير النيل، بالألوان الطبيعية. دور آخر والحقيقة أن وزارة الثقافة لم تعد معنية وحدها بشئون السينما. وإذا كانت الفضائيات العربية قد ساهمت بدور ما خلال السنوات الماضية في دعم الإنتاج السينمائي المصري من خلال إنتاج بعض الأفلام، خاصة أن هذه القنوات تمتلك تقريبًا 70% من تاريخ السينما المصرية، فإن التليفزيون المصري يجب أن يكون له دور هو الآخر في دعم هذه الصناعة الرائدة خاصة مع تعدد جهات الإنتاج السينمائي في إطار منظومة اتحاد الإذاعة والتليفزيون وشركاته سواء التي يمتلكها كلية مثل صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات أو تلك التي يساهم بالنصيب الأكبر مثل المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي. أما بقية الجهات الإنتاجية فمثلاً قطاع الإنتاج يضم إدارة للإنتاج السينمائي وقطاع القنوات المتخصصة يضم إدارة للإنتاج المتميز بالإضافة إلي صاحب الحظوة والنصيب الأكبر جهاز السينما التابع للمصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي الذي يملك كل مقومات الصناعة من استوديوهات ومعامل خبرة إنتاجية كبيرة يقودها السيناريست ممدوح الليثي الذي قدم عشرة أفلام خلال السنوات الماضية بل إن آخر أفلامه «واحد- صفر» حصد 20 جائزة في المهرجانات المحلية والدولية وكانت مدينة الإنتاج الإعلامي قبل إنشاء جهاز السينما تمتلك إدارة للإنتاج السينمائي قدمت 28 فيلمًا سينمائيا. قطاع الإنتاج الغريب أن إدارة الإنتاج السينمائي في قطاع الإنتاج تم إنشاؤها بعد إلغاء أفلام التليفزيون التي قدمت عشرات الأفلام التي تم تسويقها للتليفزيونات العربية وأثرت الشاشة الصغيرة سنوات طويلة خاصة أن المشرف عليها كان الكاتب والمنتج ممدوح الليثي ولم تكن تهدف إلي تحقيق إيرادات في دور العرض لذلك لم تكن تعتمد علي نجوم الشباك السينمائي فتم إنتاجها بنجوم الصف الثاني ونجوم التليفزيون. وإن كان الليثي عند ضمها إلي قطاع الإنتاج قد أنتج مجموعة من الأفلام قام ببطولتها يحيي الفخراني وآثار الحكيم ومحمود قابيل وسعيد صالح وهالة صدقي، وتم عرضها تجاريًا في دور العرض مثل «لصوص خمس نجوم» بطولة دلال عبدالعزيز ومصطفي فهمي، وفيلم «مبروك وبلبل» بطولة يحيي الفخراني ودلال عبدالعزيز وغيرها من الأفلام التي خاصمتها الإيرادات حتي عرض الفيلم الأسطورة «ناصر 56» الذي حقق إيرادات خيالية وصلت إلي 12 مليون جنيه وهو رقم غير مسبوق وقتها، كما قدم أيضًا فيلم «الطريق إلي إيلات» الذي حقق معدل تسويق كبير لدي المحطات التليفزيونية وعرض في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. يوم الكرامة وبعد خروج الليثي من قطاع الإنتاج توقف الإنتاج السينمائي تقريبًا اللهم إلا قيامه بإنتاج فيلم «يوم الكرامة» عن بطولات القوات البحرية فيما عدا ذلك لم يقدم القطاع شيئًا رغم أنه كان مؤهلاً لتقديم الأفلام الوطنية التي يقف أمامها الإنتاج السينمائي الخاص عاجزًا. في لمح البصر وقفت صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات سنوات طويلة بعيدًا عن الإنتاج السينمائي لم تفكر فيه أو تقترب منه واكتفت بنجاحها في سوق الكاسيت أو تقديم المسلسلات التليفزيونية للأطفال ثم دخلت عالم المسلسلات التليفزيونية. ورغم تعثرها في البداية إلا أنها عرفت طريق النجاح بعد ذلك في عهد كل من حسين فهمي وإبراهيم العقباوي. إلا أن الشركة في عهد العقباوي داعبها سحر السينما فقررت في البداية تقديم فيلم سينمائي عن مؤسس الشركة المطرب الكبير محمد فوزي في الاحتفال بالعيد الماسي لإنشائها. وإن كانت مجرد تصريحات إلا أن الوسط السينمائي فوجئ بإنشاء قطاع للإنتاج السينمائي بالشركة بدأ العمل بالإنتاج المشترك مع المخرج والمنتج إسماعيل مراد في فيلم «يوم ما اتقابلنا» بطولة لبلبة ومحمود حميدة وغادة إبراهيم كان ذلك عام 2001 وتعثر الفيلم إلي أن خرج إلي النور عام 2009 بعد ثلاث سنوات من إنتاجه وفي العام الماضي عرض مهرجان الإسكندرية من إنتاج الشركة فيلم «لمح البصر» بطولة حسين فهمي ومجموعة من الوجوه الجديدة ولكنه لم يحقق شيئًا في عالم الإيرادات. أفلام والسلام شهدت مدينة الإنتاج الإعلامي فور إنشائها تكوين قطاع للإنتاج السينمائي أشرف عليه وقتها المدير المالي «صلاح شلبي» ورغم انعدام خبرته ودرايته بالعملية الإنتاجية فنيًا. إلا أنه قدم 28 فيلمًا عرض منها في دور العرض خمسة أفلام فقط حققت فشلاً ذريعًا في دور العرض خاصة أنها اعتمدت علي بعض النجوم الذين كانت نجوميتهم في شباك التذاكر قد تراجعت حيث عرضت هذه الأفلام بعد الانقلاب الذي قاده محمد فؤاد ومحمد هنيدي بفيلم «إسماعيلية رايح جاي» والذي أدي إلي سيطرة الأفلام الكوميدية علي الساحة السينمائية خلال السنوات من 1998 وحتي العام الماضي حيث ظهرت أفلام، مثل: كباريه، الفرح، عمارة يعقوبيان، رسائل البحر، احكي يا شهرزاد. أما بقية الأفلام التي أشرف علي إنتاجها صلاح شلبي لحساب المدينة فقد رفضت شركات التوزيع عرضها في دور العرض وعرضت في هدوء شديد علي شاشات التليفزيون بل إن بعضها لم يعرض حتي الآن. جهاز السينما وبداية من عام 2001 ظهر جهاز السينما فتوقف الإنتاج السينمائي في كل هذه القطاعات والإدارات اللهم إلا إدارة الإنتاج المتميز التي تقدم الأفلام الوثائقية والتسجيلية وكان هذا التوقف من أجل دعم الجهاز الوليد الذي وجه عنايته- في البداية- إلي تحديث الاستديوهات والمعامل من أجل استثمارها ثم إنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية. ومع إيماني الكامل بضرورة أن يتحول الجهاز إلي شركة للإنتاج السينمائي تتولي إدارة الاستديوهات والمعامل وإنتاج الأفلام السينمائية فإنني أطالب وزير الإعلام أنس الفقي ورئيس الاتحاد أسامة الشيخ بضرورة دمج هذه القطاعات والإدارات في كيان واحد. ولتكن الشركة التي أعلن عنها ممدوح الليثي منذ عدة أعوام وقدر لها رأس مال بمبلغ 300 مليون جنيه. وإن تعذر إنشاؤها- لسبب ما- فيمكن أن تنضم هذه الإدارات إلي جهاز السينما. أولاً: لأنهم يعتبرون عمالة زائدة علي قطاعاتهم ولا يقدمون شيئًا. وثانيًا: لأنه يمكن أن يستفيد جهاز السينما من خبراتهم فلا يعقل أن تتعدد جهات الإنتاج المتشابهة في الكيان الواحد (اتحاد الإذاعة والتليفزيون) دون أن تقدم إنتاجًا حقيقيًا ملموسًا.