الحب والغضب مشاعر أصيلة في كل منا، ُيفجر كل منهما الظرف والمكان والزمان والانسان، فهناك ُأناس تمنحهم الحياة الكثير من مطايبها، وآخرون يلهثون ليمنحون الحياة مطالبها، ومابين ذاك وتلك منهم من يبحث عن الحب حتي ولو استنفذ ذلك سنوات عمره، ومنهم من يتملكه الغضب ويصبح هدفه في الحياة الحقد علي الآخر والانتقام منه دون مبرر. ومابين مشاعر الحب والغضب تظل أسئلة حائرة، فهل للحب أبناء مختلفين عن أبناء الغضب؟، وهل مشاعر الحب والغضب فطرية أم تكتسب ؟، وهل عرض "أولاد الغضب والحب" الذي ُيعرض علي خشبة مسرح السلام حاليا يستحق فرصة تقديمه للمرة الثانية علي خشبات مسرح الدولة أم أن افتقار الحاضر طرحه دون سبب ؟ انها تسع سنوات منذ العام 2001 حيث كان العرض الأول لمسرحية "أولاد الغضب والحب" ليعود لنا هذا العرض دون تغييرات جوهرية فهل مشكلات الماضي هي نفسها مشكلات الوقت الراهن؟! الزمان الذي يدور فيه العرض هو أي زمن من بعد انتصارات أكتوبر 73 وذلك بالإشارة الي الحوار الذي جاء علي لسان أحد شخصيات العرض وهو "المخرج مصطفي" في الفصل الثاني أثناء التباهي بإنجازات جيله، المكان مسرح، شخصيات العرض هم مجموعة من المتباريين في مسابقة فنية لتكوين فرقة مسرحية في شرم الشيخ. افتقاد الحبكة النص كتبه كرم النجار وهو لا يخرج عن فكرة انتقاد الأوضاع السلبية في الوطن من خلال مجموعة من البشر تباينت شرائحهم المجتمعية والثقافية والعمرية، جمعت بينهم الصدفة أثناء تقدمهم لأحد الاختبارات الفنية لتكوين فرقة مسرحية جديدة، وقد أبرز مؤلف النص الأسباب التي دفعت كل منهم للتقدم لهذه المسابقة، فمنهم من يحتاج المال بأية وسيلة لحل مشاكله الانسانية، ومنهم من يحتاج الشهرة لتأكيد ذاته، ومنهم من يبحث عن مغامرة جديدة تجنبا لملل الحياة، ومنهم من يبحث عن الحب الأبوي الذي فقده في سن مبكرة، ومنهم من يسعي للانتقام من الآخر لأنه عجز علي أن يكون مثل هذا الآخر . بين هذه المشاعر الانسانية المتفاوتة تاهت حبكة النص الدرامي، فالمؤلف تطرق لموضوعات عدة كانت بمثابة عناصر مشتتة للمتفرج أبعدته عن فكرة النص الأصلي، مثل التطرق للحديث عن الحرية، مواصفات عريس المستقبل، الحث علي العمل حتي ولو كان هناك فائض من المال يغني عن أي عمل، وغيرها من الموضوعات الأخري. و لم تتجلي فكرة النص الرئيسية الا في الدقائق الأخيرة من الفصل الثاني . فالمؤلف اعطي القشرة الخارجية للشخصيات دون التعمق في الأسباب التي أدت بهم لهذا الوضع، مما أدي لضياع الاجابة علي تساؤل هل الحب أوالغضب مشاعر فطرية أم مكتسبة، لأن الاجابة علي هذا التساؤل ستفرض تناولاً محدد للنص. ومن ناحية أخري فإن النص طغت عليه الميلودرامية خاصة في الفصل الثاني، الي جانب افتقاد النص لمنطقية بعض الأحداث فعلي سبيل المثال أنه لامجال لتعاطف المخرج مع شخصية "وجدي" الذي أهانه أمام المتقدمين للاختبار خاصة وأنه نصب نفسه قاضيا علي الجميع وهو طريد العدالة، ولا منطق لأن تقع شخصية "نيران" تلك الفتاة الجميلة الحاصلة علي أعلي المؤهلات الدراسية، المثقفة، الجريئة، ابنة أحد أهم الأثرياء، في حب شاب خلال سويعات وهولا يمتلك أدني أدوات الجذب كما صوره النص حيث يرتدي ملابس بسيطة، يبدو عليه الحقد والعدوانية، متخبط --- الي آخره، والمدهش الحوار الذي جاء علي لسان شخصية "نيران" في نهاية المسرحية لتؤكد أنها ستنتظر هذا الفتي طريد العدالة مجهول الهوية حتي يقضي مدة عقوبته ويعود لها. وكان من الأفضل وسط هذا الكم من المشكلات أن يكون الحوار ساخرا بدلا من النبرة الحزينة الآسية التي ظهر بها حوار شخصيات العرض والتي أذكر منها "عيون الفقر عمياء مابتشوفش غير الأحزان"، "القوة تولد العنف والشر يولد الشر" ---- الي آخره، فالحوار الساخر يطرح نفس المضمون مع خلق مساحة للضحك غير المبتذل. سلالم المخرج ناصر عبد المنعم هو مخرج هذا العرض "أبناء الغضب والحب" وهو لم يعتمد الا علي ديكور ثابت لم يتغير بحكم أن الأحداث تقع في مكان واحد، خشبة المسرح مسطحة يترامي علي يمينها ويسارها درجات سلمية كثيرة ومرتفعة، وفي منتصف عمق المسرح يوجد باب، يجاوره علي ارتفاع منه ناحية اليسار نافذة، يجاورها علي ارتفاع أعلي منها مايشبه المنصة الصغيرة تنتهي بسلالم أخري. والسؤال هنا ماعلاقة كل هذه الدرجات السلمية بالعرض ؟ فالأحداث تدور في مسرح وبما أن الديكور ينتمي للمدرسة الواقعية فليس هناك مايدعو لكل هذه السلالم، خاصة وأن توظيفها اقتصر علي رصّ الممثلين والممثلات عليها جلوسا أو وقوفا، فسلالم المخرج كانت عبئاً علي العرض. بدأ العرض بداية موفقة حيث دخل في النص مباشرة دون استعراض أوغناء استهلالي، وبدأ ايقاع العرض في الربع ساعة الأولي سريعا ثم أخذ يتباطأ بعد ذلك. أما علي مستوي الحركة فقد حاول ناصر عبد المنعم الخروج عن ماهو مألوف وكان ذلك في حدود المشهدين التمثيليين الغنائيين "طوابير" و"تك تك" فقط، فهنا وظفت الموسيقي لخدمة التمثيل فشارك طاقم التمثيل بالغناء الحي علي الموسيقي المسجلة الي جانب الآداء التمثيلي المنغم، ومادون ذلك من خطوط الحركة كان مألوفا وتقليديا وسبق مشاهدته في العديد من العروض المسرحية، وقد لفت نظري ثبات أنوشكا جالسة طوال أغنية "نفسي" التي غنتها في الفصل الأول دون أي خط حركي خاصة وأن الأغنية ليست قصيرة ولا تعليل عندي علي ذلك سوي أنه استسهال. رقصات العرض كانت مقحمة منذ الوهلة الأولي فلا مبرر لتواجد صاحبة فرقة راقصة في اختبارات فنية لتكوين فرقة مسرحية وإن وجد ذلك يكون بجزء أو استعراض واحد فقط . مبدعوالعرض مثل في العرض فنانو أجيال عدة في مقدمتهم الفنان أحمد راتب في شخصية "المخرج مصطفي" وتقييم آدائه في هذا العرض ظالم لأن المساحة التمثيلية كانت محدودة للغاية وبالرغم من ذلك لم يخرج عن النص الأساسي للعرض وهو بذلك يعطي درسا لآخرين يشتركون معه في العرض، ولكنه أبدع في مشهد مواجهة المخرج لاتهامات وجدي الذي في الفصل الثاني. أنوشكا في شخصية "نيران" فنانة تتمتع بقبول وُرقي في الآداء وان كان آداؤها يميل للفيديو أكثر من المسرح ولكنها كانت مبهرة ولا أعرف أين السينما والفوازير منها. محمد نجاتي أداء متميز ولكن انتبه لظاهرة الصراخ أثناء التمثيل خاصة في المشاهد الغاضبة. صفاء جلال في شخصية "عبلة" قاصدي "ماجدة" أعجبتني كثيرا خاصة في استخدامها للنظارة كارتباط شرطي للدخول والخروج من وإلي شخصيتي عبلة وماجدة، وأيا كان ذلك بتوجيه من المخرج أو اجتهاد شخصي منها فقد كانت موفقة في آدائها. بسمة ياسر اختيار موفق للمخرج وموهبة لفتت النظر. دعاء رمضان تتمتع بقبول وخفة ظل . الثنائي حسن عبد الفتاح وسيد الرومي صنعا نصا آخر الي جانب النص الأصلي بالافيهات لدرجة تصل للاستظراف وهذا غير لائق بمسرح الدولة، وبالمناسبة التمثيل المسرحي لا يعني الصراخ الدائم . عماد الراهب أداء ينقصه العمق. سارة عادل ويسرا كرم موهبتان جيدتان تبحثان عن فرص أكبر. موسيقي واستعراض موسيقي عرض "أولاد الغضب والحب" لخالد البكري، وجمال رشاد، والأشعار للمتميزة المقلة كوثر مصطفي وكانت موفقة في تجسيد أكثر من حالة انفعالية بالكلمات والأشعار. وبالعودة لألحان العرض نجد أنها تنوعت بين تلحين الكلمة مثل كلمة "الحرية" التي أخذها الملحن وتفاعل بها موسيقيا لتخرج بشكل غنائي . والموسيقي التصويرية والتي كانت جميعها معبرة بدقة عن الحدث التمثيلي. والأغنيات التقليدية للممثلين مثل أغنية "اخلعوا القناع" لأحمد راتب والتي لم أجد مبررا لوجودها في العرض، وأغنية "شوفوا الرقص الغالي" وهي أغنية فارس لخدمة المشهد الدرامي . وهناك دويتو بين شخصيتي "وجدي" و"نيران" مطلعها قرأت في جريدة قديمة وهو أيضا ضمن اقحامات العرض، هذا بخلاف أغنيات "مابحلمش، ونفسي" وصياغة لحنيهما مختلفة وتم خدمتهما في التنفيذ وان كانت جميع الأغنيات التي غنتها أنوشكا في مقام واحد هو النهاوند. هذا الي جانب المشهدين التمثيليين "طوابير" و"تك تك"، وموسيقي الرقصات، فالملحنان قدما ألحانا متنوعة من حيث الشكل والمضمون استخدما فيها الايقاعات الشرقية كالمقسوم، ولم يتجاوزا مقامي العجم والنهاوند، ومنها ماكان مسجلا كليا (لحنا وغناء) وآخريغني غناء حيا من الممثلين علي موسيقي مسجلة (ماينص وان) وجميعها كانت موفقة. استعراضات عاطف عوض تقليدية متكررة، ولكنه صمم رقصات تناسبت كثيرا مع امكانيات أنوشكا الاستعراضية بما يتفق مع عمل مسرحي. ملابس نعيمة عجمي كانت متميزة وصممت بعناية . والجدير بالذكرأن الصوت كان جيدا في المسرح بالمقارنة مع مسارح أخري للبيت الفني للمسرح. وبعد هذا العرض الموجز لمسرحية "أولاد الغضب والحب" نتساءل هل اعادة انتاجه كانت لكفاءته أم أنه افتقار لحاضر الوسط المسرحي؟ وهل الزمن الراهن فقير للدرجة التي تجعل النصوص المسرحية تتشابه وتدور جميعها حول نفس المشكلات باختلاف أسماء المؤلفين واختلاف التقديم ؟ أم أن المسرح المصري أصبح أفقر من الماضي والحاضر.