كنت أتمني كمواطن مصري، أن تكتمل للإعلامية بثينة كامل الأعداد المطلوبة من التوكيلات التي بها كان يمكننا القول أن لدينا أخيراً امرأة ثائرة شاركت في كل مراحل العمل الميداني منذ اليوم الأول للثورة، فكان لها أن تنافس علي مقعد الرئيس ولايهم وصولها في هذه المرحلة لمراكز تنافسية متقدمة، لكن لتفتح الباب لمشاركة المرأة الجادة ودخولها غمار المعارك السياسية للظفر بكراسي أو مناصب عليا، لقد تصورت أن تلاقي حالة دعم مجتمعية، وهي التي واجهت مع الكثيرات من حرائر الميدان حالة تصاعد وتيرة الممارسات التمييزية ضد المرأة بشكل عام، وفي ميادين التحرير بشكل خاص، وبعد ثورة شاركت فيها الفتاة والسيدة والأم، بل والجدة المصرية فيها بكل قوة وإيجابية، وبعد أن أعلنت المرأة المصرية غضبها وثورتها علي كل القوي الرجعية والسلطوية، إثر تكرار أحداث قمع الثائرات، بعد أن وصل الأمر حد انتهاك الأعراض واستخدام العنف، وحتي السحل والجذب من الشعر في الميدان، فضلا عن تعريض بعضهن لما أطلق عليه كشف العذرية، وكانت مليونيتها التاريخية الرائعة "مليونية رد الشرف لحرائر مصر" الجمعة، 23 ديسمبر 2011، والتي استطاعت فيها الثائرات الرد بقوة علي رذيلات الكتابة من بنات جنسها، وجليسات الفضائيات زعيمات شجب الثورة واللي عاملينها، بادعاء أنهن النخبة المُنتظر التعرف علي عظيم مواقفهن، وبعد أن انضم إليهن للأسف البعض القليل من زعيمات دكاكين حقوق المرأة. غادة كمال في تعليقه علي تلك المليونية بتاريخ 27 ديسمبر كتب محرر جريدة الشروق " في نسخة علي الإنترنت من الكليب الشهير للصيدلانية غادة كمال التي تعرضت للضرب أمام مجلس الوزراء دارت مئات التعليقات التي تستنكر المشهد وتلوم المعتدين، لكن من بين أكثر من مليون مشاهد للفيديو كان هناك من ترك تعليقا مسيئا للفتيات اللائي يشاركن في الاحتجاجات، وتم توجيه تعليقات مسيئة إلي غادة كمال بنفس الدعاية التي رددتها إعلاميات علي شاشة الفضائيات. وطرح هذا الجدل سؤالا حول : هل كانت الفتاة تواجه الأزمة نفسها مع المجتمع طوال الوقت في مشاركتها داخل المظاهرات أم أنه أمر طرأ مؤخرا؟..". وتذكر الكاتبة الصحفية مني أنيس، إحدي المشاركات بفاعلية في الحركة الطلابية في أوائل السبعينات، تقول : لقد شهدت عددا من المظاهرات والاعتصامات داخل الجامعة وخارجها علي خلفية هزيمة يونية 67 وتداعياتها، وكان لطالبات الجامعة مشاركة فيها وتعرضت بعضهن للاعتقال. هذه الصورة لمشاركة المرأة في المظاهرات، كانت تحدث دون إدانة اجتماعية مما دفع بعض الشباب اليوم إلي الاستعانة بالتاريخ في دعم وجهة نظرهم حول حق الفتيات في المشاركة في الاحتجاجات دون التقليل من قيمتها، إذ انتشرت علي الإنترنت مؤخرا صورة فتيات كن ضمن المقاومة الشعبية في بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي علي مصر، وكتب أسفل الصورة: مصريات متطوعات في بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي.. إيه اللي نزلهم؟ واتساقاً سلبياً، بل ونتيجة طبيعية لذلك المناخ الرديء، لم يفز بمقاعد في برلمان ما بعد الثورة سوي عدد محدود من النائبات بنسبة قد لاتصل 2% من عدد الأعضاء (تم تصعيد أو تعيين معظمهن من أحزاب كانت تضع ورداً بدلا من صورهن للدعاية الانتخابية أو باختيارات كنسية من المعينات، أما حرائر الميدان فلم يكن لهن وجوداً إلا علي شاشات الفضائيات) حتي أن التظاهرة الأخيرة لنساء مصر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، كان من أبرز هتافاتها الغاضبة " كنا معاكم في الميدان، وما دخلناش البرلمان" .. نعم، لقد كانت مشاركة المرأة المصرية تاريخياً، وفي كل مراحل الغضب والانتفاضات المصرية قبل وأثناء وبعد الثورة مشاركة إيجابية هائلة، وبرغم تجاهل وجودها عند تشكيل لجنة تعديل الدستور، خرجت ملايين السيدات والفتيات للتصويت في عمليات الاستفتاء عليه، واصطفت في طوابير بأعداد هائلة وغيرمسبوقة .. ملحوظة : وصلت المرأة في برلمان قبل الثورة إلي حد توليها رئاسة لجنة التشريع بالبرلمان المصري، فكيف بعد ثورة بقدر وروعة ثورة 25 يناير لانري المرأة إلا في مقاعد الفرجة والمتابعة لأعمال اللجان ودوائر الحوارالفاعلة في مجال اتخاذ القرار والعمل الجاد والتخطيط لإحداث التغيير المنشود؟!.. وحتي الأحزاب القديمة والجديدة لم تبادر بوضع رموزها النسائية علي قمة قوائمها إلا في أضيق الحدود .. يحدث هذا رغم المساهمة الحزبية والسياسية والاجتماعية الفاعلة والمهمة للمرأة في كل الحركات والجماعات المعارضة والرافضة للنظام السابق، وأيضًا تواجدها المميز في كل الائتلافات الثورية، وانخراطها في كل إنجازات المستشفيات الميدانية، والتغطيات الإعلامية، وغيرها كثير من المشاركات الوطنية الرائعة. إنها المرأة المصرية وتاريخها المشرف الماثل في ذاكرة تاريخ الأمة، قبل اندلاع ثورة 1919 .. لقد وجه الزعيم محمد فريد الدعوة إلي عشر من القيادات النسائية لحضور مؤتمر دولي عُقد في بروكسل عام 1910، ورأست الوفد النسائي السيدة انشراح شوقي حيث ألقت خطبة بالفرنسية عبَّرت فيها عن دورالمرأة المصرية نحو وطنها واهتمامها بشئون بلادها وطموحها لتربية الجيل الجديد تربية وطنية صحيحة. المرأة والبرلمان يذكر الباحث محمد الطويل في كتابه "المرأة والبرلمان" الصادر في يوليو 2000، أن من بين ما كتبته مؤخرًا السيدة انشراح في سلسلة مقالات "عندما اندلعت ثورة 1919 وفي تطور إيجابي وفعال لدور المرأة المصرية النضالي ضد الإنجليز، فقد خرجت في المظاهرات تهتف ضد الاحتلال وخروجه من مصر، ووقعت منهن العشرات قتلي وجرحي وكانت أول شهيدة في هذه الثورة شفيقة بنت محمد والتي أحدثت جنازتها تأثيرًا حزينًا قويا في نفوس الرأي العام، وكذلك استشهدت السيدة عائشة بنت عمر وفهيمة رياض وحميدة بنت خليل ونجيبة السيد إسماعيل، بالإضافة إلي العشرات من المصابات بجراح.. وكانت المرأة المصرية ترفع الحجاب وتصيح من أجل مصر واستقلالها سواء كانت طالبات أم ربات بيوت أو سيدات المجتمع الراقي أو الارستقراطي، وانصهر نوع الجنس وطبقاته ليتجانس في نسيج واحد من أجل الأم العظيمة... مصر." وإزاء تجاهل الدستور لحق المرأة في المشاركة السياسية في البرلمان فإن السيدة هدي شعراوي لم ترد إثارة مواجهة كبيرة مع السياسيين وخاصة أن الانتخابات الأولي والتي جرت في ظل الدستور الجديد (1923) قد نجح فيها حزب الوفد بالأغلبية البرلمانية، ولجنتها إحدي لجانه فرأت مشاركة الأمة وحزبها الأغلبية في مراسم افتتاح البرلمان في جلسته الأولي كنوع من التأييد والتفاؤل للحياة البرلمانية الجديدة ولذلك عندما أعلن عن انعقاد أول جلسة لمجلس النواب المنتخب في 26 مارس 1924، طالبت علي رأس لجنة الوفد المركزية للسيدات بحضور جلسة الافتتاح، ولا سيما أن البرلمان قد دعا بعض السيدات الأجنبيات لحضورها، إلا أنها فوجئت برفض أو تجاهل هذا الطلب، وإزاء ذلك اجتمعت اللجنة مرة أخري برئاستها وأصدرت بيان احتجاج جاء فيه "إن لجنة الوفد المركزية للسيدات تحتج بشدة بصفتها هيئة تمثل الأمة التي اشتركت في الجهاد والتضحية، علي رفض طلبها لحضور حفلة افتتاح البرلمان، وتري في إغفال وزارة الشعب برئاسة سعد زغلول دعوتها في وقت دعت فيه سيدات أجنبيات عملاً لا يليق بالكرامة". ..وعندما تم النقاش، تباينت الاتجاهات بوضوح بين ثلاثة: أولها أن تعطي الحقوق السياسية للمرأة علي الإطلاق، وثانيها منح هذه الحقوق بالتدريج وتحت تحفظات، وثالثها يمنع عن المرأة هذه الحقوق السياسية.. وكان أول المتحدثين الكاتب والصحفي فكري أباظة ورئيس تحرير "المصور" وقد بدأ شديد الحماس لإطلاق الحقوق السياسية للمرأة حيث قال: أريد أن أبدأ كلامي بالأديان، أعرف من دراساتي أن الشريعة الإسلامية قد منحت المرأة المسلمة حقوقًا عظيمة كانت محل إعجاب الأجانب الذين لم يعرفوا حقيقة الشريعة الإسلامية، فهي تؤدي الشهادة في المحاكم وتباشر إدارة أموالها وتصلح أن تكون وكيلة عن رجل وتصلح أن تكون وصية علي رجل وتصلح أن تكون قيمة علي رجل كما تشترك في الحروب وتشترك في الإفتاء، لذلك أري أنه يجب أن نبدأ به معتمدين علينا في بحثنا. أخيراً، وبعد أكثر من قرن من الزمان، إن ما ىُمارس من استبداد ضد كفالة حقوق المرأة ليس استبداداً ذكورياً فقط، فمن يتابع كتابات أقلام نسائية كنا نحترم توجهاتها الفكرية يرَ ما يمارسن من توجهات ضد حرية تعبير المرأة الثائرة، فيتأكد لنا أننا أمام استبداد مجتمعي يمارس بتباتة وغباوة! وفي هذا الصدد أذكر ودون تعقيب الخبر التالي " طالبت كاميليا حلمي رئيس لجنة المرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، في مذكرة ارسلتها إلي المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بضرورة غلق المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة، وإنهاء أعمالها بشكل فوري، واصفة إياهما بالأورام السرطانية التي وضعها النظام البائد في قلب مجتمعنا، ليتولي تدمير الأسرة وإفساد المنظومة الأخلاقية والقيمية في المجتمع!