في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت الصحف المصرية ووسائل الإعلام القومية تعج بأخبار وتقارير عن قرب حصول سوزان مبارك علي جائزة نوبل للسلام، وعن ترشيح عديد من الهيئات الدولية والجمعيات النسائية 'لسيدة مصر الأولي' لهذه الجائزة الدولية المرموقة، تقديرا لجهودها من أجل المرأة والطفولة في مصر. ولم يكن هناك بالطبع أساس لهذه الأنباء الكاذبة، ولكن جماعة المستفيدات من النساء اللائي أحطن بسوزان مبارك، أوهمنها أن حملات الترويج والدعاية الدولية وشهادات التقدير التي كانت تبذل جهودا مضنية لجمعها والحصول عليها من الجامعات والمؤسسات الدولية، كفيلة بأن تؤهلها للحصول علي نوبل للسلام! وتمر الأيام.. وتسقط الهالة الزائفة التي قيدت حركة المرأة المصرية وجعلتها رهنا بما تقرره أو تريده 'السيدة الأولي'.. وبمن يقع عليه اختيارها في بعض المناصب التي تشغلها المرأة.. متجاهلة لجيل كامل من الفتيات والشابات اللائي يشكلن مستقبل المرأة والمجتمع. ولذلك لم يكن غريبا أن تتفتح ثورة 25 يناير علي طائفة من الفتيات المناضلات اللائي لعبن أدوارا مختلفة في حركتي 6 أبريل وكفاية، ثم في مساندة الثورة حين قامت والمشاركة فيها جنبا إلي جنب مع الشباب. وقد تعرض بعضهن للملاحقة والسجن. ولم ينتقص ذلك من شجاعتهن وإصرارهن علي المضي في الكفاح والتضحية. نذكر ذلك بمناسبة حصول نساء أفريقيات وسيدة عربية علي جائزة نوبل للسلام، مكافأة علي نضالهن السلمي من أجل ضمان حقوق النساء وأمنهن.. من بينهم المناضلة اليمنية توكل كرمان '32 سنة' ورئيسة ليبيريا التي تخوض معركة انتخابات رئاسية للمرة الثانية إلين جونسون، ثم الناشطة الليبيرية ليما جوبي التي رفعت شعارها 'لا وقت للحب' حتي تنتهي الحرب الأهلية في بلادها. لقد رأي البعض في فوز السيدة اليمنية تجاهلا لنضال المرأة في مصر وتونس. ولكن الواقع أن نضال المرأة اليمنية كما تعكسه حياة توكل كرمان بأنشطتها المتعددة، كزوجة وأم ورئيسة لمنظمة 'صحفيات بلا قيود'، في خضم أحداث العنف والثورة ضد النظام المستبد لعلي عبدالله صالح، وما عرف عنها من جرأة في قول الحق ومناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد والمالي والإداري، ومطالباتها الملحة بالإصلاحات السياسية والتجديد الديني قد جعل منها أيقونة لثورة نسائية في محيط من الجهل والفقر والتخلف الذي يضرب بجذوره في اليمن. وقد يكون اختيارها لجائزة نوبل إيذانا بقرب سقوط النظام الفاسد لعلي عبدالله صالح. في أفريقيا وفي عالمنا العربي يصعب علي المرأة أن تخوض معارك الحرية والاستقلال وتشارك في المظاهرات وتتعرض للقمع البوليسي الذي يتعرض له الشباب. ولكننا يجب أن نعترف بأن تطورا جوهريا حدث بالنسبة للمرأة في مصر والعالم العربي ودورها في المجتمع، فلم تعد مطالبها تقتصر علي المساواة بالرجل وهي بعيدة عن خوض معارك الحياة، بل أصبحت تمثل جزءا من البنية السياسية والاجتماعية، وتطالب بحقوقها في التمثيل البرلماني ونصيبها في إدارة الحياة الحديثة. ونظرة إلي ما يجري في سوريا والبحرين واليمن التي تشهد رياح خريف عربي عاصف، سوف نلاحظ الأعداد الهائلة للنساء والفتيات اللاتي يشاركن في التظاهرات اليومية ضد زبانية الفساد وأنصار النظام القديم. وقد تعرض بعضهن للاعتقال والسجن والتشريد والموت! تبقي ملاحظة أخيرة ونحن علي أبواب انتخابات حاسمة في مصر لتقرير مصير الثورة والانتقال إلي حكم ديمقراطي.. فلا نكاد نلاحظ للمرأة دورا بارزا في تحديد الخيارات المطلوبة بين الفردي والقائمة، ولا في حسم الخلاف حول التحالفات والتربيطات والشعارات.. ولا تبرز أسماء لشخصيات نسائية قيادية مرموقة تواجه تحديات المرحلة. البعض يتحدث عن ضرورة تمثيل الأقباط، وهذا حق لا سبيل إلي إنكاره.. ولكن أحدا لا يهتم بوضع المرأة علي القوائم الانتخابية، ولا المرأة نفسها تطالب بذلك! وهو ما قد يسفر عن برلمان ذكوري مشوه، لا يمثل النصف الحقيقي للمجتمع، وليس العمال والفلاحين بالضرورة! الشروق