تفاوتت ردود الفعل الإسرائيلية عقب بث وقائع محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتراوحت بين الشماتة والشفقة والدفاع، وبحث تداعيات الأمر علي مستقبل الشرق الأوسط كله. في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، توقع البروفيسور إيتان جلبوع، الخبير في الشئون الأمريكية والمحاضر في جامعة تل أبيب، ان تؤدي محاكمة مبارك إلي ضعف الولاياتالمتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الاوسط، وشن هجومًا عنيفًا علي الولايات المتحدّة بسبب موقفها المخزي من مبارك، علي حد تعبيره. قال إن صور محاكمة مبارك وهو يرقد علي سرير داخل قفص الاتهام ستكون لها تداعيات سيئة علي علاقات الولاياتالمتحدة مع قادة العالم العربي، الذين باتوا يدركون أن القوة الغربية العظمي لن تتمكن من إنقاذهم من مصير مماثل في حال تصاعدت الاحتجاجات في بلادهم. واضاف: "إذا كنت ترمي صديقًا مثل حسني مبارك للكلاب، فإنّ ذلك يعني أنه لا يمكن الاعتماد عليك". أعرب عن اندهاشه من أن المصريين، علي الرغم من حصولهم علي معونات اقتصادية بقيمة 1.2 مليار دولار، إلا أنهم خرجوا من بيت الطاعة الأمريكية، ويتصرفون خلافًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، ولا يعيرون الولايات المتحدّة أي اهتمام. ربط جلبوع بين محاكمة مبارك وأفول نجم الإمبراطورية الغربية في الشرق الأوسط، وقال انه التقي مع مسؤولين أمريكيين، يقولون إنه لا يوجد لها ما تفعله في الشرق الأوسط، معتبرا ذلك دليل ضعف امريكي، مستدلا ايضا علي ذلك بالأداء الأمريكي تجاه سوريا وليبيا، فيقول ان واشنطن تدعم المتمردين الليبيين بدون أن تعرف من هم، وماذا سيفعلون عندما يصلون إلي سدة الحكم، وهكذا في سورية وفي مصر. انتقد البروفيسور الإسرائيلي ما وصفه بالسياسة الساذجة للرئيس الامريكي باراك أوباما، والتي قال انها فشلت فشلا ذريعا، مشيرا إلي أن أوباما أساء إلي مصر اكثر من مرة، وقال انه اثناء خطابه في القاهرة أصر الرئيس الامريكي علي حضور ممثلي جماعة الإخوان المسلمين، خلافًا لرغبة النظام المصري! أكد جلبوع، الذي كان مستشارا بديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، ان تراجع تأثير وقوة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط سيؤدي إلي تآكل قوة الردع الإسرائيلية، ويهدد اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، التي قال انها باتت في خطر. آخر الفراعنة في صحيفة معاريف الإسرائيلية، لم يجد الكاتب الإسرائيلي ايال ماعيد لقبا يطلقه علي مبارك سوي "آخر الفراعنة"، في مقال كتبه، دون ان يواري شفقته علي الرئيس السابق، فبدأه قائلا: "مأساة يونانية، دراما شكسبيرية، مسرحية اخلاقية من القرون الوسطي، كل واحد يمكنه ان يختار لنفسه التشبيه المناسب له لسقوط النجم المصري من السماء. يبدو أن الانسانية تحتاج إلي الاهانة مثلما تحتاج إلي التمجيد. تحتاج إلي الجحود مثلما تحتاج إلي السجود. فهما وجهان لذات العملة القديمة. هذه المرة، في محاكمة حسني مبارك، أُضيف مظهر أصيل - حمالة، تابوت، كان يرقد عليها الرئيس الذي اقتيد إلي قفصه مباشرة من المستشفي". وصف الكاتب الإسرائيلي المنادين بإعدام مبارك بانهم "رعاع"، يطالبون بالاسراع في استباق مرض السرطان الذي يأكل بجسد المتهم (مبارك) من اجل اعدامه قبل وفاته متأثرا بالمرض. واعرب عن إشفاقه علي مبارك عندما ظهر داخل القفص، فقال: "ماذا لديه ليخسره؟ حياته باتت خلفه. فلم يعد نفسه تهمه، وانما قلق فقط علي نجليه، اللذين وقفا أمامه بملابسهما البيضاء، ولم يبدوا كمتهمين بل كممرضين رحيمين، أو ككاهنين يرافقان الميت إلي مرقده الأخير، وهما يحملان القرآن في أيديهما". في نفس الصحيفة وصف الكاتب الإسرائيلي "عوديد جرانوت" الرئيس السابق بانه "فريسة للجماهير"، منتقدا قراره بعدم الرحيل من مصر فور اندلاع الثورة، كما فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، لكنه يرجع ذلك إلي شجاعة مبارك، الذي وصفه ب"الطيار" و"بطل حرب اكتوبر"، لانه اصر علي البقاء وعدم الهرب. سعد الدين يسامح اما صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية ففضلت التوجه إلي الدكتور سعد الدين ابراهيم، مدير مركز ابن خلدون، لمعرفة رأيه فيما يجري لمبارك، والذي فاجأ الجميع بقوله: "لقد سامحت مبارك". وقال: "ليس من السهل ان تري فرعون مصر راقدا علي سرير المرض داخل قفص حديدي، لا سيما علي من عرفه مثلي لعشرات السنين.. منذ تنحيه وحبسه توقعوا أن أُظهر الفرح، وأن أعلن ان هذا ما يستحقه، لكنني لست فرحا، بل أرحمه". أعرب سعد الدين إبراهيم (72 عاما) عن شعوره بالشفقة علي مبارك، وقال للصحيفة الإسرائيلية: "أشعر بشفقة عليه بسبب العذاب الفظيع، الذي يتعرض له وعذاب المحاكمة الذي ما زال ينتظره". وأضاف: "حصل مبارك علي عقوبته الحقيقية قبل صدور الحكم بكثير، أتمني له أن يثبت للمحاكمة بصورة مشرفة، وأن يحصل علي العقوبة التي يستحقها - وان يمنحه الرئيس القادم العفو، وهكذا يكون واضحا أنه لا احد في مصر فوق القانون". ينفي مدير مركز ابن خلدون ما يشاع عن حب مبارك لإسرائيل، لدرجة اتهامه بانه عميل لإسرائيل، فيقول للصحفية الإسرائيلية سميدار بيري: "ظننتم أن مبارك صديق كبير لإسرائيل، لكن من عرفه من قريب علم أنه لا يحبكم كثيرا، فقد احتاج الأمر مثلا إلي وقت طويل لاقناعه بان يسميكم "إسرائيليين" لا "اليهود" كما أصر". كشف سعد الدين ابراهيم عن واقعة، قال انه يرويها لأول مرة عن ان مبارك عندما تولي السلطة تعرض لضغط من الامريكيين والإسرائيليين ايضا ليزور إسرائيل، لكن مبارك رفض الزيارة واستدعي سعد الدين ابراهيم نفسه، الذي يقول: "دعاني مبارك إلي الحديث وحدنا. وقال لي: كيف أتهرب من الزيارة دون أن اغضب الامريكيين، ودون ان اثير فزع الإسرائيليين، ودون أن اثير عصبية معسكر السلام؟.. طلبت منه بضعة ايام للتفكير في سبب مقنع للرفض، ثم عدت اليه وقلت له: يا سيدي الرئيس، قال انه ما لم يوجد تقدم في الشأن الفلسطيني فانك لا تري سببا لزيارة إسرائيل. وتمسك بهذا الامر كسبب، لانه سيقوي أسهمك في العالم العربي ويلقي الكرة في الملعب الإسرائيلي الذي يجب عليه أن يدفع ثمنا سياسيا عن زيارتك. وسألني: فاذا حدث تقدم مهم في الاتجاه الفلسطيني؟ فقلت له: لا تقلق. اعتمد علي الإسرائيليين، فلا توجد عندهم أي نية للتوصل إلي حل حقيقي مع الفلسطينيين". لجوء سياسي تفاعلت الصحف الإسرائيلية مع تصريحات اخري مرتبطة بمحاكمة الرئيس السابق، حين ادعي عضو الكنيست الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر انه عرض علي مبارك حق اللجوء السياسي إلي إسرائيل كي يعيش في مدينة ايلات، عقب اندلاع الثورة المصرية، لكن مبارك رفض العرض بشدة. تفاوتت آراء الإسرائيليين علي ما كشف عنه بن اليعازر، لكن الأغلبية اتهمته بالغباء والكذب، وقال أحدهم ويسمي "أمازيد": لماذا لا يحتفظ الساسة الإسرائيليون بأفواههم مغلقة؟ ما كل هذا الغباء؟! قال آخر يدعي "كوسكو": إن بن اليعازر العبقري يورط إسرائيل في الأكاذيب! فمنذ اندلاع الثورة المصرية، لم يتمكن أي إسرائيلي من مقابلة مبارك، وبالتالي لن يتمكن من عرض اللجوء السياسي عليه، حتي لا يتورط مع السلطة الحاكمة في مصر الآن، والتي تبحث عن كل الوسائل اللازمة لتهدئة الجماهير الغاضبة. ولا شك ان العلاقات بين مصر وإسرائيل ستكون هي القربان الذي سيتم تقديمه لتهدئة الناس، بما في ذلك امكانية ادخال فرقة عسكرية إلي سيناء!.. يا لك من عبقري يا بن اليعازر! عمد إسرائيلي آخر إلي توبيخ بن اليعازر قائلا: "ماذا دهاك؟ كيف تقول هذا الكلام الفارغ؟ ماذا تتوقع ان يفعل الشعب المصري عندما يسمع ذلك؟ لقد فقدت عقلك! هل تريد ان يعلن المصريون عن الغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ هل تريدهم ان يدخلوا دباباتهم إلي سيناء؟ لماذا لا يوجد رقيب علي فمك؟ انك تفتقد المسئولية وتسبب اضرارا استراتيجية لإسرائيل! بينما لخص إسرائيلي يدعي "ماتان" موقفه قائلا: ان اليعازر كاذب بنسبة 100%". قال شخص يسمي نفسه "صهيوني": من يحتاج لأعداء اذا كان لديه صديق كبن اليعازر؟". قال الدكتور "بيبر": لو كان ذلك قد حدث فعلا، لأعلن المصريون إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل فورا، واتهموا مبارك بالخيانة العظمي، مستدلين علي ذلك بان الإسرائيليين يحمونه الآن!". قال "إريك": يا لها من فرصة رائعة يوفرها بن اليعازر لأعداء السلام بين مصر وإسرائيل!". قال آخر: "يا لك من ساذج! لماذا لا تصمت؟! أبحث لك انت عن ملجأ يحميك يا حاصد العمولات (في إشارة إلي اتهامه بالرشوة)! دراما بينما توجهت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلي الكاتب المسرحي المصري علي سالم لمعرفة انطباعاته عن محاكمة مبارك، فقال سالم (75 سنة): لا شك اننا نتحدث عن دراما مليئة بكثير من المشاعر المتداخلة والمختلطة. فانا اعتقد ان المتظاهرين الذين خرجوا إلي الشوارع، لتأييد او معارضة مبارك، كانوا يمثلون الحالة المزاجية التي تتبلور في مصر هذه الايام. وعلينا ان نفهم ان هناك من يري في مبارك رمزا للسلطة القمعية الفاسدة، وهناك من يرون فيه صورة الأب ورأس الدولة، الذي وجدوه فجأة راقدا علي سرير المرض، لا حول له ولا قوة، والي جواره ولداه. كان المشهد قاسيا، ولا شك ان هذه الصور غرست في الوعي المصري". اعرب علي سالم عن ثقته بان القاضي الذي ينظر قضية مبارك من أعدل وأكبر قضاة مصر، ولن يسمح بتحويل المحاكمة إلي عرض رخيص تكون نتائجه معروفة مسبقا! لكنه سخر من محامي الضحايا الذين ظهروا وهم يتشاجرون علي الميكروفون فيما بينهم. أكد سالم انه كان واثقا من ان تداعيات ميدان التحرير ستؤثر علي كل منطقة الشرق الاوسط، ومن الطبيعي ان تصل إلي إسرائيل!