للبطل الدرامي مواصفات معروفة لخصتها الدراما اليونانية وجسدها شكسبير علي أفضل ما يكون، فالبطل يتسم غالبا بصفات أسطورية يرتفع في نبل.. ويسقط أيضا في نبل.. حتي ابتعد في شكله وجوهره عن النماذج العادية من سائر البشر.. ودارت الأيام والدول والأحوال والمفاهيم لنجد البطل الحقيقي هو الشخص الذي تتجلي فيه سمات السواد الأعظم من الناس.. وتضاربت الأقوال والمفاهيم.. هل نرسم البطل بمواصفات غير عادية تحفز الرجل العادي علي الاقتداء به.. والارتفاع معه إلي مستوي قدراته.. أم نجعل القيم الأخلاقية الرفيعة هي الأساس وبذلك يصبح الشارع كله من الأبطال. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد نسبت إلي الشباب الذين تصدروا مشهدها التاريخي.. فإنها أصبحت ثورة الشعب كله علي اختلاف ميوله ومستوياته وأعماره.. وكان البحث عن بطل فرد تنسب إليه الثورة كما جري في معظم الثورات من قبل أمرا عسيرا وكانت هذه واحدة من تجليات وخصوصيات الثورة المصرية التي اتسمت بروح الجماعة ومن هنا استمدت قيمتها العالمية والتاريخية.. وأصبح من الصعب اختزال الثورة في شخص أو حتي في حدث واحد.. حيث تشابك فيها ما هو شخصي وبين ما هو عام.. والمعلن بالمخفي.. وهذا هو سر الثورة وجلالها.. القيم النبيلة غطت علي الفردية.. وباتت سمة جماعية جسدتها تلك المشاهد البديعة بين المسلم والقبطي واليساري والإخواني.. والغني والفقير واختلط فيها الغضب بالحلم والقوة بالرحمة، لهذا نجد أنفسنا أمام ذلك السؤال الدرامي الاستراتيجي. وماذا عن صورة البطل الدرامي بعد ثورة 25 يناير؟ بالتأكيد لم يعد هو السوبرمان الخارق للعادة القاهر لكل المصاعب والقوي.. وانظر إلي ميدان التحرير أو قل الميدان الأعظم لدراما الثورة وسنجد شخصياته فيها الشاب المثقف ابن الطبقة فوق المتوسطة، وفيها المسن الفقير الذي لا يجد قوت يومه ويكاد يقرأ الصحيفة بصعوبة.. وفيها الفتاة المتحررة وإلي جوارها المنتقبة وأيضا الموظف المسئول والعاطل عن العمل. بطل درامي جديد في وسط هذا التنوع كيف يمكن العثور علي بطل درامي يليق بهذه الثورة ويكون لسان حالها في رواياتنا الأدبية والتليفزيونية والسينمائية والمسرحية قد يري البعض أن الميدان نفسه هو «البطل» وأن الثورة بكل ما فيها تحتوي أبطالها حيث كانت الجماعية هي الراية التي التف حولها الثوار.. واستمدوا منها قوتهم الفاعلة لكن اختزال الثورة في ميدان التحرير وحده يغفل حقوق الميادين الأخري والشوارع التي كانت من جمر وبركان في السويس والإسكندرية والفيوم وبورسعيد والمنصورة ومعظم محافظات الصعيد.. بل كل المحافظات المصرية باستثناء شرم الشيخ. الواقعية الجديدة الأمر الذي يجعل من البطل صورة لأغلب المصريين والمصريات ومن الميدان رمزا لكل شارع وحارة.. ويجب أن نعترف بأن الدراما المصرية في السينما والتليفزيون بشكل خاص قد سقطت باسم الواقعية في مصيدة الرسم الأحادي للشخصيات التي اتسم أغلبها بالفساد النمطي.. رجل أعمال يمسك السيجار ولا تدري فيما هي تجارته وتدخل إليه «الكاميرا» في مكتبه الفخم وأمامه عدة تليفونات وهو يؤكد علي سرعة وصول الطلبية.. ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد.. وتجد المرأة إما منحرفة أو مستعدة للانحراف.. والشاب يبحث عن المتعة والمال ويشطب كلمة حرام ليكتب بدلا منها حلال.. حلال.. كانوا يقدمون هذه النماذج بدون توازن أي تري في الجانب الآخر النموذج العكسي، لأن المجتمع لا يقوم علي فئة منحرفة وإن كانت هي الغالبة علي حساب طائفة من الشرفاء وإن كانوا قلة نادرة مثل الجواهر النادرة وسط طوفان التلوث والمهملات والنفايات. كان هناك من يتباهي بأنه يقدم الواقع بما فيه من انحرافات ومفاسد ومحرمات.. والحقيقة أنهم كانوا يؤكدون ويرسخون هذه المفاهيم أكثر، خاصة إذا ما تم رسم هذه الشخصيات بعناية وفيها الكثير من الجاذبية وعندها دائما وأبدا مبرراتها فيما تفعل وتحاول إقناع نفسها ومن حولها بذلك وبمنتهي النعومة والإقناع، بينما كانت الشخصيات التي يفترض فيها الإيجابية خشنة وجافة فهذا الذي تبدو زبيبة الصلاة علي جبينه يقتنص أوقات العمل في العبادة بشكل كاريكاتيري ساذج لا يمجد قيمة العمل.. ولا يعطي للعبادة وقارها وقدسيتها، لأن الرسم غالبا يجيء مسطحا وهشا لا عمق فيه ولا روح.. مع أن القاعدة الدرامية تقول إن أجمل الشخصيات التي تعيش في وجدان المتفرج هي المنحوتة باقتدار بقوتها وضعفها وحلوها ومرها بارتفاعها وسقوطها. الحدث العظيم ربما لهذا السبب فإن أغلب الأعمال التي بدأت التصوير قبل الثورة ثم توقفت أثناءها.. وجدت نفسها في مأزق حقيقي.. فلا هي تشبه ما جري وما تعيشه البلاد ولا هي وإن حاولت التمسح بالثورة بمشاهد منها قادرة علي الإقناع بأنها ثورية تواكب الحدث العظيم، وكما قلت سابقا فقد سقط نظام النجم الأوحد.. مع سقوط نظام الحاكم الأوحد.. وكما دخلنا عصر الدولة المؤسسة ليس أمام الدراما إلا أن يكون بطلها هو أيضا مؤسسة يعبر عن روح الجماعة أو قل إنه الفرد الذي يستمد قيمته وقواه وفاعليته من الجماعة.. كما أن الجماعة في المقابل تستلهم شرعيتها ونبلها منه. وفي وقت تسعي فيه الأمة نحو النهضة.. يصبح جديرا بالبطل الدرامي أن يكون فاعلا وليس مفعولا به ويصبح قائدا وليس منقادا له خصوصيته وتميزه، لكنه مثل الآلة في أوركسترا كبير وعظيم لا يستقيم اللحن وينسجم بدونه في حضرة الآلات الأخري عصا المايسترو ترشدهم إلي الانسجام لا ترهبهم ولا تطاردهم والقائد ليس وصيا علي العازفين فقط هو همزة الوصل والتواصل والاتصال. من هنا ينجح اللحن وينسب إلي الفرقة بأكملها القائد منها وهي منه. البطل الذي نريده يشبهنا له نفس الطموح والأحلام وعنده نفس المخاوف.. وبذلك تصبح الدراما قاطرة متقدمة في موكب النهضة.