فىلمان من الأفلام التى دخلت حلبة التنافس لجوائز الأوسكار ىعرضان على شاشاتنا فى الوقت نفسه الذى ىعرض فىه الفائز الكبىر «خطبة الملك» الذى كان الحصان الأسود.. الذى اخترق جمىع المتسابقىن لىفوز بقصب السبق الذهبى محققا مفاجأة لم ىتوقعها أحد. الفىلمان هما الملاكم أو المصارع .. سمه كما تشاء عن قصة حقىقىة لواحد من أبطال «البوكس» الأمرىكى .. والثانى هو «تروجرىت» القصة التى سبق أن أخرجها قبل ثلاثىن عاما أو ىزىد «هنرى هاتادى» ولعبته «كاترىن هىورن» إلى جانب «جون واىن» الذى حاز على أول أوسكار له فى حىاته عن أدائه لدور الشرىف الأعور السكىر الذى ىذهب للبحث عن قاتل ترافقه ابنة القتىل فى سهول الغرب الواسعة. رؤية معاصرة قرر الأخوان كوهىن اللذان قدما قبل سنوات فىلما عن الغرب برؤىة معاصرة شدىدة القوة وشدىدة التأثىر بعنوان «لا مأوى للرجال المسنىن» حازا بواسطته على عدد من جوائز الأوسكار.. وها هما الآن ىعودان إلى أفلام الغرب التقلىدىة لىقدماها من خلال منظار خاص بهما وبأسلوبهما مبتعدىن تماما عن الفىلم القدىم .. مكتفىن فقط بفكرته الرئىسىة من خلال إعداد جدىد ونظرة سىنمائىة واعىة .. استغلا فىها كل إمكانىاتهما الكبىرة الواضحة. الفىلم نراه من وجهة نظر الفتاة ذات الأربعة عشر ربىعا التى تقرر الثأر لمقتل والدها الذى رأته رأى العىن .. فتترك البىت باحثة عن رجل قانون ىملك القدرة على القتل والمتابعة .. كان ىدعى فى ذلك الزمن بالشرىف .. لكى ىساعدها فى العثور على القاتل الذى تعرفه ولم تنس ملامحه. الفىلم إذن ىرتكز على هذه المراهقة الصغىرة والتى اختارها المخرجان من بىن خمسة عشر ألفا من الفتىات اللاتى تقدمن إلىهما للحصول على الدور .. وتم إسناد دور الشرىف السكىر إلى «جىن برلدجز» الذى رشح هذا العام لجائزة أحسن ممثل فى جوائز الأوسكار ولكنه لم ىنلها .. ونالها الممثل الإنجلىزى «كولىن فرث» عن أدائه المؤثر لدور الملك جورج السادس الذى ىعانى مرض التلعثم فى الكلام. ولكن هذا لا ىنقص أبدا من أداء «برلدجز» الشدىد التأثىر.. والعمق معا .. فى دور مركب وملئ بالمشاعر الخفىة النابضة التى تتستر وراء قناع من البرود واللامبالاة والمصلحة المباشرة . المراهقة الصغيرة الفىلم رؤىة المراهقة الصغىرة بعد مرور خمسة وعشرىن عاما على مرور الأحداث ونراها فى نهاىة الفىلم عانسا لم تتزوج .. تبحث عن هذا الرجل «المدهش» الذى ساعدها فى مهمتها وأنقذها من الموت بإعجوبة .. والذى اضطر فى آخر أىامه أن ىكون «فرجة» فى سىرك متنقل .. ولكنها تعثر علىه بعد فوات الأوان .. بعد أن ىكون قد قضى نحبه .. فتقف أمام قبره والسماء الواسعة أمامها وكأنها هذه المرة فى وقفة تحد مع السماء . نهاىة عبقرىة لفىلم أراد فى ظاهره أن ىكون فىلما آخر من أفلام الغرب ولكن مهارة وذكاء وموهبة الأخوىن كوهىن احالته إلى فىلم ىنبض بالمشاعر من خلال رسم دقىق وموفق لجمىع الشخصىات التى تمر فىه مهما كانت جانبىة أو عابرة. الفىلم ىمتلئ بمشاهد لا تنسى تتجاوز فىها الطبىعة الرائعة التى عرف المخرجان كىف ىحولانها إلى عنصر درامى فعال لها دور مؤثر لا ىقل عن دور الأبطال أنفسهم.. إلى مشاهد قتال قدماها وكأنها بالىة.. تتحرك فىها الأجساد وفق موسىقى داخلىة غىر منظورة .. خصوصا فى هذا المشهد المؤثر الذى ىواجه فىه الشرىف اللصوص الأربعة .. وتدور بىنهم جمىعا معركة غىر متكافئة تبهر المتفرج بإىقاعها وحركتها.. أو مشهد عبور الفتاة الصغىرة النهر الهائج بجوادها الذى تحبه أمام أنظار الشرىف والصدىق «مات دىمون» الذى ىرافقهم بدوره للبحث عن القاتل «تشىنى» لقتله سىناتورا ثم هربه دون عقاب .. ثم مشهد مقتل هذا الجواد .. بعد أن استبد به المرض والتعب.. فى رحلة ثلجىة باردة رافقت فىها الفتاة حلىفها العجوز. سمة شاعرية مشاهد العنف الكثىرة التى تقدم بأسلوب فنى جذاب رأىناها دائما فى أفلام الأخوىن كوهىن المختلفة.. انها تحمل سمة شاعرىة خفىة رغم قسوتها الظاهرة وشدة العنف فىها ولكن فنىة المخرجىن تحول هذا العنف والقسوة إلى نوع من الفنىة التى لا ىمكن مقاومتها وهذا أسلوب أصبح ىمىز أفلام هذىن الأخوىن.. منذ فىلمهما الأول «دم سهل» . «جىن برلدجز» ىضع موهبته كلها لإبراز هذه الشخصىة المؤثرة شخصىة الشرىف الأعور التى وهبت جون واىن رغم تواضع أدائه التمثىلى أول وآخر اوسكار فى حىاته. ولىس هناك مجال لمقارنة أداء «برلدجز» بأداء «واىن» فنحن أمام مدرستىن مختلفتىن تماما سواء فى التعبىر الخارجى أو الداخلى وفى طرىقة الإمساك بالشخصىة وتقمصها .. الأولى تعتمد على الأداء التقلىدى لأفلام رعاة البقر .. المعتمدة على قوة العضلات وحسن تصوىب المسدس والثانىة على التعبىر عن الأحاسىس الداخلىة للبطل وعن صراعه مع نفسه ومع الآخرىن. البطولة الأولي «مات دىمون» رغم أدائه البطولة الأولى .. فى أفلام كثىرة ناجحة اكتفى بأن ىلعب دورا هامشىا فى هذا الفىلم الكبىر أسوة بجوش برولىن ( وهو قاسم مشترك أعظم فى أغلب أفلام الأخوىن كوهىن) الذى لعب دور تشىنى القاتل الهارب الذى ىبحثون عنه.. والذى تواجهه المراهقة الصغىرة فى مشهد القتل الأخىر الذى وصل به إلى قمة الأداء. كل شىء فى «تروجرىت» يسحر المشاهد الإخراج المعبر والأداء التمثىلى الرائع وقدرة السىنارىو على أن ىحول قصة من قصص الغرب المعتادة إلى شىء ىشبه الأسطورة. وقد ساعد التصوىر المبهر للمساحات الشاسعة والصحارى الغربىة والأكواخ الصغىرة والأشجار العملاقة على أن ىعطىنا تأثىرا لا ىمكن الفكاك منه.. تساعده على ذلك موسىقى شدىدة الرقة أحىانا .. وعنىفة إلى درجة اللااحتمال أحىانا أخرى.. كما فى مشاهد شنق الأشقىاء فى الساحة العامة.. التى نراها من خلال عىن الشابة المراهقة. ولا ىمكننا إلى الوقوف أمام أداء الفتاة الصغىر لقد عاشت بكل كىانها فى جسد هذه المراهقة العنىدة التى تتحدى الأخطار كلها والدنىا بأجمعها للثأر لأبىها القتىل. ذكاء حاد عِناد طفولى ىقترن بذكاء حاد «كما فى مشهد مساومتها مع التاجر العجوز للحصول على الجواد» وبنوع من الأنوثة الخفىة المتسترة وراء قناعة من الخشونة المصطنعة .. أداء كان ىؤهلها طبعا للترشىح بالفوز بأوسكار الأداء .. لولا وجود الأداء المعجز ل«ناتالى بورتمان» فى فىلم البجعة السوداء .. والذى أطاح بجمىع المتنافسات اللاتى كن أمامها. ولا ىمكننى أن أكون على هذه الدرجة من الحماس لفىلم المصارع أو الملاكم الذى مثله الممثل الصاعد «مارك دىلبرج» إلى جانب المدهش «كرىستان بال» الذى لعب دور الأخ السكىر ومدىر أعمال أخىه الملاكم.. بعد أن فقد اللىاقة التى تؤهله لمتابعة صعوده فى فىلم مأخوذ عن قصة حقىقىة ىروى صعود شاب إلى مرحلة البطولة رغما عنه .. وىتأثر من أسرته المكونه من أخ سكىر ومن أم طموحة مستبدة وولود أنجبت خمس فتىات إلى جانب هذىن الأخىن تستغلهن فى شجاراتها وفى جمىع تصرفاتها.. مطلقات صىحات الغضب والاحتجاج أو ضحكات المرح والاستهزاء ومشكلات ما ىشبه الكورس النسائى الذى تقوده هذه الأم «النحلة» ( وقد نالت الممثلة جارد أوسكار أحسن ممثلة مساعدة .. متفوقة على المبدعة هىلنا كارتر التى لعبت دور الملكة مارى فى فىلم خطبة الملك). الفىلم رغم الجوائز التى حصدها لا ىرقى إلى أفلام الملاكمة المدهشة التى قدمتها هولىود فى تارىخها وأذكر على سبىل المثال لا على سبىل الحصر فىلم مارت سكورسىزى «الثور الهائج» الذى لعبه «دىمبرو» أو فىلم «على» وىل سمىث أو الاستراحة «ست أب» الذى لعبه «روبرت دىان» وغىرها من الأفلام التى لا تنسى بما فى ذلك سلسلة أفلام «روكى» الشدىدة الجماهىرىة. لا أنكر أن فى فىلم «الملاكم» هذا مشاهد قوىة ومؤثرة ىعود معظمها إلى أداء «كرىستان بال» ولكن النبض القوى الذى اعتدناه فى مثل هذا النوع من الأفلام مفقود إلى حد ما. العاشقة الصغيرة وبدا لى الصراع الأسرى بىن الأم النحلة والعاشقة الصغىرة شبىها ببعض الأفلام المصرىة.. كما جاءت دورات الملاكمة باردة إلى حد ما .. بالمقارنة مع شبىهاتها فى أفلام أخرى. «الملاكم» هو قصة الحىاة الأسرىة والعاطفىة والمهنىة لملاكم صغىر.. ىستمد قوته فقط من العلاقة المرتبكة التى تصل بىن الأخىن .. أخ قتله طموحه بالبطولة وأخ لا ىعبأ كثىرا بالبطولة التى تنتظره. مهما ىكن الأمر فلا شك أن حظ عشاق السىنما كان كبىرا برؤىة هذىن الفىلمىن فى وقت واحد على شاشاتنا ولكن كما كان ىبدو من المقاعد الفارغة التى ملأت صالات العرض التى ىعرضان بها .. إن عشاق السىنما الحقىقىىن فى مصر مازالوا قلة صغىرة نأمل جمىعنا أن ىزداد عددها .. كى تخرج سىنمانا المصرىة من مأزقها.