فيلم الشوق يذكرنا بجيل السبعينات، جيل مخرجي السينما الأهم في تاريخ السينما المصرية، الجيل الذي تأخر كثيرا في إظهار إبداعاته والذي متعنا بأفضل أعمال السينما المصرية، علي الإطلاق، خلال الثمانينات وأوائل التسعينات (من القرن الماضي)، الجيل الذي مازال بعضه يبدع أفلاما مهمة حتي الآن، والذي بمخرجيه المهمين كرضوان الكاشف وعاطف الطيب وأسماء بكري ويسري نصر الله وداوود عبد السيد وغيرهم مثلوا أهم أجيال السينما العربية. خالد الحجر في فيلمه الشوق ومنذ اللحظات الأولي يقدم للمشاهد فيلما يدلل أنه فيلم لخالد الحجر الذي ربما لا ينتمي سنا لجيل رضوان الكاشف لكنه ينتمي فنا لسينما هذا الجيل، ففي فيلمه نشاهد كل سمات هذه السينما، حيث تدور أحداث فيلمه في منطقة شعبية ساحرة، وفيها يتجلي سحر سينمائي من صنع المخرج وما أبدعه من ديكوباج (اختيار لزوايا الكاميرا ولقطاتها) في هذا الفيلم همَّ المخرج هو حبك سحر سينمائي يأسر المشاهد به ويربطه بالحارة الفقيرة حيث تدور الأحداث، حيث في المكان (البلاتوه) تمتزج جماليات عمارة غريبة وديكور شعبي بقصص تختلط فيها الرغبة والحب بظروف الحياة التي تقيد الإنسان بضغوط بيئة متخلفة وفقيرة، وحيث يسير الأبطال لقدرهم، ليتحولوا لضحايا، ضحايا صنعت قدرها بتخلفها وجهلها، فالبطل - هنا - يجتهد دائما ودون مقاومة ليصل لنهاية مشئومة يدفع نفسه ويدفعه لها مجتمعه. حميمية المكان وسحر هذه السينما يتجلي في حميمية المكان الذي تدور فيه الأحداث، وفي الابتعاد عن الوقوع فريسة للميلودراما الكئيبة التي كان من الممكن أن يساق لها السيناريست وهو يطرح قصة تدور في بيئة فقيرة، مع الحفاظ علي حس قدري تتسم بها الحياة في المجتمعات المتخلفة وإلي جوار كل ذلك ترك المجال للكاميرا لتتمكن من أسر المشاهدين بجماليات الرؤية حيث الاهتمام بمكونات الكادر وزواياها التصوير والإضاءة وحركة الكاميرا. في فيلم الشوق أيضا نجد هذا التركيز علي الرغبات الأساسية للمحرومين من لقمة العيش، المحرومين من قوت اليوم من الخبز ومن الحب، وكما هو الحال في هذه النوعية من السيناريوهات يكمن التهديد الذي يؤرق الأبطال في الناس، في المحيطين بهم، في ما يمثله كلامهم، وما يلوكونه من سيرة غيرهم من سلطة، في الخوف من تدخلهم، انه الواقع المصري الذي يحول الحياة في إحيائنا الشعبية وريفنا لعبء ثقيل، الواقع الذي كان حلم جيل السبعينات من السينمائيين أن يساهموا في تطويره - ربما - ، إلي هذه الخلطة يضيف السيناريست سيد رجب سحراً جديداً لفيلمه متمثلا في الفكرة الغريبة الجديدة سينمائيا، حيث يدور الفيلم حول (الشحاتة/ الممسوسة من الجن) وتؤدي دورها سوسن بدر قارئة الفنجان الممسوسة بالعفاريت، والتي يموت ابنها المريض دون أن تتمكن من توفير العلاج له فتذهب للقاهرة للشحاته، وفي رحلاتها المتكررة ما بين القاهرة والإسكندرية، تترك عبء بناتها لأب لا شخصية له، تتركهم تحت عبء رغبات المراهقة، والفقر، وعلاقات الحب الفاشلة، وطموحاتها التي بلا حد، تتركهم بلا أمل في حياة أفضل، وعندما تتمكن أخيرا من تكوين ثروة من الشحاتة تغنيها وبناتها، وبعدما تعتقد أنها قد استطاعت تحقيق الأمان تفاجأ بكل ما تمنته وهو ينهار أمامها. ارتباك السيناريو الفكرة جديدة، وربما لأنها جديدة أدت لبعض الإرباك لدي السيناريست أثناء معالجته، حيث لم يضئ له سيناريست سابق الطريق لكيفية تجسيد شخصية الممسوس (ربما غير مشاهدات عابرة له)، لذا ففي تصوري فان هذا الفيلم المتميز لا ينقصه سوي بعض هنات في السيناريو حيث جاءت الشخصية الرئيسية مرة مستغرقة في معرفتها وتصرفاتها كممسوسة، ومرة طبيعية لا معرفة لها بالغيب، وكأن لا مس فيها، حتي أننا نسينا في منتصف الفيلم أنها ممسوسة، نتيجة عدم تذكير السيناريو لنا، حيث بدا كأن السيناريست يوحي لنا في نهاية الفيلم بأن بطلته تدعي مسألة المس وقراءة الطالع برمتها ثم فاجأنا في المشهد الأخير بعكس ذلك، هذا بالإضافة لميل السيناريست للتورط في الميلودراما والذي يرجع لخبرة هامشية ربما بحياة الحواري حيث يحتمي البشر فيها من عبء الفضيحة بقدرتهم علي كشفها، أضف لذلك ميل ضئيل للشرح - التفلسف - في فيلم ليس هذا أسلوبه وهو ما جاء مرارا علي لسان الطالب الجامعي، والذي بدا كأنه إحدي شخصيات أفلام عاطف الطيب مقحمة في فيلم لرضوان الكاشف جائزة التمثيل بالإضافة لتلك الهنات بالسيناريو والتي كانت لتكون مقبولة وغير واضحة في فيلم أقل مستوي من هذا الفيلم، فان أقل عناصر الفيلم جودة كانت موسيقاه التصويرية، أما أهم وأفضل حسناته بالإضافة لتميز عمل المخرج فقد كانت إظهار مواهب فريق متميز من الممثلين حيث قدم العديد من الممثلين أداء مناسباً جدا بل ومتميزاً ولن أتكلم كثيرا عن احمد عزمي فقد أكد موهبته في الكثير من الأفلام ولا عن أداء سوسن بدر التي اجتهدت كثيرا واستحقت جائزتها التي نالتها في مهرجان القاهرة السينمائي كأفضل ممثلة، فضلا عن الجائزة التي نالها الفيلم كأفضل فيلم في المسابقة الكبري، ولو كان قد تم تقديم سيناريو أكثر حبكة لسوسن بدر لخرج أداؤها ها يماثل الكمال حيث تشتهر بأنها ممثلة لا خامة لها فهي تتقبل خامة الدور ونصائح المخرج وتظهر دائما كأنها من خامة الشخصية التي تؤديها، كذلك لن أتكلم كثيرا عن أداء سلوي محمد علي ذات الأداء البسيط المريح والمتمرس، لكني أرغب في الإشادة بمجموعة الممثلين المساعدين جميعا، والذين لا أعرف أسماء العديد منهم، كل من قاموا بأدوار الجيران وأبناء الحارة قدموا أداء جيدا، وكذلك سيد رجب الذي تميز تماما في دور الزوج والذي بدي طبيعيا جدا كأنه مولود في هذه الحارة، أرغب أيضا في الإشادة بالممثلة الشابة ميرهان والتي قامت بدور الابنة الصغري، والتي كان اختيار المخرج لها مناسبا جدا، حيث قدمت أداء طازجا وعميقا لدورها وكذلك روبي التي ربما لم يتوقع الكثيرون منها هذا الأداء المتميز.