أكد دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن ليبيا والشعب الليبى الأكثر تضررا من التدخل العسكرى التركى فى ليبيا، والذى يفرض تهديدات واسعة على صناعة النفط فى البلاد، ضمن التداعيات السلبية التى قد ينتجها بشكل عام، وقالت الدراسة من المحتمل أن يزيد من وتيرة الصراع السياسى والعسكرى بشكل غير مسبوق فى البلاد، وبما قد يكرس حالة النزاع على موارد النفط بين مختلف الأطراف الليبية كما حدث فى السنوات الماضية. وتسعى أنقرة لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق الوطنى لوقف تقدم الجيش الوطنى الليبى نحو العاصمة طرابلس، الأمر الذى قد يُعرِّض المنشآت النفطية، ولاسيما فى غرب البلاد، لأعمال تخريبية قد تتزايد إذا اتسع نطاق القتال بين الطرفين فى المستقبل، وهو ما قد يعطل بلا شك إمدادات النفط الليبية. وقالت الدراسة: كانت موارد النفط فى ليبيا فى السنوات الماضية محط نزاع بين حكومتين إحداهما فى الشرق والأخرى فى الغرب، بما تسبب فى تعطل عمليات الإنتاج وتصدير النفط بين الحين والآخر. كما تعرَّضت منشآت النفط للإغلاق بصفة متكررة، إما بسبب هجمات بعض التنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، أو نتيجة إضرابات العمال وحراس المنشآت النفطية للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم الخاصة بتحسين أجورهم وأحوالهم المادية. ولفت إلى أنه ومع سيطرة الجيش الوطنى الليبى منذ أواخر عام 2017 على غالبية البنية التحتية للنفط والغاز فى ليبيا بما فى ذلك حقول النفط فى منطقة الهلال النفطي، استقر إنتاج النفط الخام بشكل ملحوظ، وتجاوز القطاع الصعاب التى واجهته فى السنوات الماضية بسبب الانقسام السياسى القائم فى البلاد منذ عام 2011. وبحسب بيانات منظمة «أوبك»، فقد استقر إنتاج ليبيا من النفط الخام عند أكثر قليلًا من مليون برميل يوميًا فى المتوسط منذ بداية العام الجارى وحتى نوفمبر الفائت، بما يزيد عن مستواه البالغ 951 ألف برميل يوميًا فى عام 2018 ونحو 811 ألف برميل يوميًا فى عام 2017، إلا أنه لم يصل إلى مستواه القياسى البالغ 1.6 مليون برميل يوميًا قبل عام 2011. وتشير دراسة المركز إلى أنه مازالت ملامح الانقسام السياسى تنعكس بشكل واضح على قطاع النفط، إذ إن بعض المنشآت النفطية الأخرى فى البلاد مازالت تخضع، عمليًا، لسيطرة أطراف فى الغرب، بما فى ذلك محطة مليتة للنفط والغاز وحقل الفيل النفطى الذى يبلغ إنتاجه نحو 70 ألف برميل يوميًا. هذا وقد تعرَّضت منشآت النفط فى الفترة الأخيرة لهجمات - محدودة - نتيجة تصاعد حدة المواجهات العسكرية بين أطراف مختلفة بالقرب من العاصمة طرابلس منذ بداية العام الجارى وحتى الآن. وعلى هذا النحو، حذرت المؤسسة الوطنية للنفط، فى 28 ديسمبر الجاري، من احتمال وقف العمليات فى ميناء الزاوية نتيجة تجدد الاشتباكات بالقرب من المنشآت التابعة لها، بما قد يهدد بوقف تصدير ما يوازى 300 ألف برميل يوميًا من حقل الشرارة النفطي. بدأت تركيا منذ عام 2014 فى تقديم الدعم المالى والعسكرى لحكومة الوفاق الوطني، وبما لاقى معارضة دولية واسعة نظرًا لما ترتب على ذلك من تصاعد حدة الصراع الداخلى فى ليبيا. فضلًا عن ذلك، رفعت أنقرة مستوى دعمها العسكرى لحكومة الوفاق مؤخرًا، وأشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا وذلك بعد إرسال مذكرة للبرلمان التركى للموافقة على هذه الخطوة، مدعيًا أن ذلك يأتى بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطنى لوقف تقدم الجيش الوطنى الليبى نحو العاصمة طرابلس. وبالتوازى مع تلك الخطوة، تشير بعض الاتجاهات إلى أن أنقرة ستدفع بإرسال قوات غير نظامية من الميليشيات الموجودة فى سوريا إلى ليبيا، مما قد ينذر بتصاعد وتيرة الصراع العسكرى بين مختلف الأطراف فى ليبيا. وقد نشرت تقارير عديدة عن تسجيلات مرئية تظهر وجود مقاتلين تابعين لتركيا نقلوا من سوريا إلى معسكر تابع لإحدى الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق جنوب العاصمة طرابلس. وإلى جانب ذلك، صادق البرلمان التركي، فى 5 ديسمبر الجاري، على مذكرة التفاهم التى تم إبرامها مع حكومة الوفاق الوطنى حول ترسيم الحدود البحرية فى 27 نوفمبر الفائت، فى خطوة اعتبرتها أطراف عديدة غير شرعية وتهدد بشكل واسع استقرار منطقة حوض شرق المتوسط. من دون شك، سوف يؤدى التدخل العسكرى التركى فى ليبيا إلى تصعيد حدة المواجهات العسكرية، الأمر الذى سيجعل من البنية التحتية للنفط هدفًا للتنظيمات المسلحة، أو ربما تتعرض لأعمال تخريب على أقل تقدير. وسبق أن أعلنت حكومة الوفاق الوطنى فى أكثر من مناسبة عزمها استعادة السيطرة على حقول النفط فى ليبيا من الجيش الوطنى الليبي، وذلك بعد أن نجحت فى السيطرة فى بعض الحقول النفطية فى غرب البلاد خلال الأشهر الماضية. ومن المحتمل أن يؤدى اتساع نطاق المواجهات العسكرية بين مختلف الأطراف بالقرب من طرابلس إلى تعرض البنية التحتية للنفط فى غرب البلاد لمخاطر واسعة، وهى تشمل محطة تصدير الزاوية بطاقة 300 ألف برميل يوميًا، ومصفاة نفط بقدرة 120 ألف برميل يوميًا، إلى جانب محطة مليتة للغاز والمكثفات، وبعض الحقول النفطية الصغيرة، والتى قد تتوقف بسببها عمليات الإنتاج والتصدير، وبما يضر بالاقتصاد الليبى بشدة. كما لا يمكن استبعاد أن تمتد المواجهات العسكرية بين الأطراف المختلفة لتشمل منشآت النفط فى منطقة الهلال النفطية - المُؤمَّنة بشكل جيد إلى الآن من قبل قوات الجيش الوطنى الليبي - والتى قد تتعرض لهجمات خاطفة من قبل قوات حكومة الوفاق الوطنى والميليشيات الموالية لها، بما قد يتسبب فى تعطيل الإنتاج والتصدير منها من فترة لأخرى، لا سيما إذا تصاعدت وتيرة القتال بين هذه الأطراف خلال الأشهر المقبلة. ويبدو أن قطاع النفط الليبى بات على المحك فى ظل التدخل العسكرى التركى فى ليبيا، حيث سيزيد بلا شك من وتيرة الصراع العسكرى فى البلاد، الأمر الذى سوف يؤدى إلى حدوث اضطرابات محتملة فى إمدادات النفط الليبي.