"قصف مدنيون عُزَّل ومناطق آمنة" بيان حماس للرد على مجزرة المواصي ب خان يونس    موعد مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس أمم إفريقيا 2025 والقنوات الناقلة    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات اليوم الثلاثاء 8 سبتمبر 2024    ننشر أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر في بداية التعاملات    نمو التجارة الخارجية للصين بنسبة 6% خلال أول 8 شهور من العام    الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة اليوم وحتى الجمعة المقبل    معالج متميِّز وكاميرا ذات جودة.. سعر ومواصفات Xiaomi Poco F6 Pro الجديد    آخر تطورات أسعار النفط بعد اضطراب الإمدادات بسبب العاصفة المدارية "فرنسين"    جامعة الأقصر تحدد قواعد قبول الطلبة والطالبات للسكن الجامعي    اسعار الذهب اليوم وعيار 21 الان ببداية تعاملات الثلاثاء 10 سبتمبر 2024    رسميًا.. رابط تنسيق المرحلة الثالثة 2024 ( الكليات المتاحة علمي وأدبي )    المملكة المتحدة تستضيف بلينكن في مسعى لتعزيز العلاقة الخاصة    «أونروا»: جيش الاحتلال الإسرائيلي اعترض تحت تهديد السلاح قافلة متجهة لشمال غزة    شعبة السيارات: لا استيراد لذوي الهمم إلا بعد بحث اجتماعي.. وتوجه للإفراج عن المعلقة بالجمارك    أخيرا ظهر.. كهربا يكشف أسباب غيابه عن مران الفريق وموقف الأهلي (تفاصيل)    تصفيات أمم إفريقيا - مابولولو يسجل في خسارة السودان أمام أنجولا    رئيس إنبي: الأهلي لو رفع سماعة التليفون وطلب لاعب هوديه بنفسي والجلوس مع الخطيب شرف لأي حد    خبير يكشف توقعاته بعد الاعتراضات المصرية وخطابات مجلس الأمن حول سد النهضة    بعد قراري «الأهلي» و«مصر».. تعرف على حد السحب في البنوك الحكومية    انهيار عقار الزيتون.. «ناصر» قعد للموت و«نادية» فرت برجليها (تفاصيل وصور)    وفاة نجم «Star Wars» جيمس إيرل جونز    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024: فرصة لتجديد العلاقات    إيهاب فهمي يروج لدوره في مسلسل «برغم القانون»: نعدكم بعمل ينال إعجابكم    اللهمَّ اشغل قلوبنا بحبك.. من دعاء الصالحين في نصف الليل الأخير    حكاية «أم محمد» أشهر شواية سمك بسوق الميدان بالإسكندرية| صور    إبراهيم نور الدين: الكاميرا بتحبني ولم أبحث عن الشو ولن أسعى لرئاسة لجنة الحكام    سعاد صالح: نشر العلاقة الزوجية و الأحضان بين الأزواج على مواقع التواصل حرام شرعاً    دنيا سمير غانم تحتفل بعيد ميلاد زوجها رامي رضوان (فيديو)    أطفال ضمن ضحايا مجزرة القصف الإسرائيلى على مخيم المواصى فى خان يونس.. فيديو    حبس وغرامة مليون جنيه.. عقوبة إدارة مركز تجميع بلازما الدم بدون ترخيص وفقًا للقانون    داري خرج من الإحماء مصابًا.. رائعة دياز تقود المغرب لهزيمة ليسوتو (فيديو)    مجلس القضاء الأعلى يقر مشروع الجزء الثاني من الحركة القضائية للعام القضائي 2024/ 2025    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. اليوم 10 سبتمبر 2024    حزب العدل يشيد بتعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية    «من حقك تعرف» .. هل يجوز وضع شرط بعدم التعدد فى وثيقة الزواج؟    تبادل إطلاق نار بين حرس الحدود الاسرائيلي ومهربين في صحراء النقب    مجزرة إسرائيلية فى خيام النازحين بمواصى خان يونس تسفر عن عشرات الشهداء والمفقودين    مستشفى الرياض المركزي.. صرح طبي عملاق في كفر الشيخ| صور    إصابة سيدة في حريق هائل بمخزن كاوتش بمركز اطسا بالفيوم    بالأسماء| ننشر ضحايا حادث تصادم سيارتين بأسوان    البطل الأولمبي محمد السيد: صلاح ورونالدو الأفضل وهاخد شوبير في ماتش خماسي    لافروف يبحث مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي القضية الفلسطينية    «طبيب مزيف» يجري جراحة مستعينا بمقاطع «يوتيوب».. والنهاية مأساوية    "مصر ضد بتسوانا".. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    هنغاريا تعتزم تحويل مساعدات دفاعية إلى تشاد بدلا من أوكرانيا    أوقاف الفيوم تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف من المسجد الكبير بالصعيدي    بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.. ننشر حركة قيادات النيابة العامة    وجبة فاسدة.. العناية الإلهية تنقذ عمال مصنع بأكتوبر من الموت    هل طلبت زوجة عصام صاصا خلوة شرعية معه في السجن؟.. فيديو توضح ما حدث    إخلاء سبيل صاحبة إعلان ميلودي من قسم أكتوبر    سعاد صالح توضح حكم ارتداء الشباب للبناطيل المقطعة -(فيديو)    حدث بالفن| موقف محرج لابنة نجمة وثري يعرض على فنانة مرتب شهري وأول تعليق لبدرية طلبة بعد العملية    سعاد صالح: لا يجوز للزوج أن يأخذ مليمًا واحدًا من زوجته إلا بإذن    سامح قاسم يكتب: سيد درويش.. من ألحان الفقراء إلى صوت الشعب    شارك صحافة من وإلى المواطن    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بأسواق المنشية للأسبوع الثاني    «البياع» رئيساً للمكتب الفني و «أبو زيد» مديراً لإدارة التحفظ    تعرف على فوائد تناول الأسماك يوميًا لمرضى السكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حتى يجد الأسود من يحبه".. بين ملامح الرواية الجديدة وإنسانية الفن
نشر في البوابة يوم 20 - 12 - 2019


رؤية نقدية: أسامة عكاشة
أصبح مفهوم الرواية الجديدة يعكس منزلة مغايرة للرواية، هي مكانة أكسبتها إياها وقائع زمنية وفنية مستجدة، وهذه الرواية "حتى يجد الأسود منْ يُحبه" تمثل واحدًا من أصداء الواقع العالمي الآني بما يخترق سكونه من صراعات، وتفتت أيديولوجي، فقد جاءت الرواية متسقة مع الرؤية التفكيكية التي أصبحت تبحث عن النظام في اللا نظام وهي تعبر بشكل واضح عن أزمة الإنسان، ففيها تفجرت الحبكة، واختفت نبرة الإيهام بالواقعية، وذهب ذلك التناغم الزمني، أي أنه عمل ذو فجوات ومساحات فارغة تحتاج من القارئ إلى جهد كي يملأها، ومن هنا نقول بأنها رواية تزرع الشك، وتزعزع اليقين، ولا تدّعي إعطاء الحقائق، فهي رواية صعبة متسائلة. وهي بمثابة قراءة مغايرة للذات والكون والوجود، فليسَت "الحقيقةُ" التي تحيطُ بنا، هي ما نراهُ بأعينِنا من إنسانِ وكائن حيّ وجماد، بل هي إلى جانبِ ذلك كلّ ما يضيفهُ الخطابُ اللغوي من قيمةِ إخبارية عن هذه الكائنات والأشياء. يقولُ بوتور: " وليس الآخرون، بالنسبة إلينا، ما رأيناه فيهم بأعيننا وحسب، بل هم إلى ذلك ما أخبرونا به عن أنفسهم، أو ما أخبرنا به غيرهم عنهم، وليسوا كذلك أولئك الذين عرفناهم، بل كل الذين ترامت إلينا أخبارهم. وهذا لا ينطبق على الناس وحدهم، بل ينطبق كذلك حتى على الأشياء والأماكن، كالأماكن التي لم أذهب إليها مثلاَ، ولكنها وُصِفتْ لي".
منازل الحب والوحدة من العزلة إلى التوحد أول الطريق.
ازدواجية الدلالة ومراوغة التأويل في كلمة "حتى" هنا إما أن تحمل الغائية وبذلك تحمل الرواية رحلة سعي حثيث لتخليص ذلك الأسود بكل دلالته اللون - الحزن – المنبوذ – العزلة – المختلف – المغترب عن ذاته من سطوة الآخرين أو المشاعر التي دون الحب، وقد تأتي "حتى" بمعنى التعليل فتمسي أحداث الرواية على تشظيها وتداخلها تطرح الأسباب التي تقودنا إلى بلوغ منازل الحب بكل تشكلاته كملاذ وملجأ ضد العزلة والنبذ. وكذلك ضمير الغيبة في أخر العنوان يجعلك في حيرة، هل الرواية رحلة بحث عمن يحب الأسود، أم هي رحلة بحث للأسود عمن تتحقق فيه مواصفات الحبيب الذي تتوحد معه الروح ويخلصها من عذاباتها. "أريد أن أُبعد عن روحي ذلك الإحساس القاتل بالخواء بالوحدة والفقد ومصير الرجل الأسود الذي يكبلني كقيود صماء ولا سبيل إلى الفكاك منها؛ لماذا كتب عليّ أن أكون وحيدا إلى هذه الدرجة التي تشبه السواد وبقاء الليل؟!" وتكاد تكون الرواية هي امتداد رحلة مفردة واحدة بين تأويلين وهي تحول دلالة الوحدة من العزلة والنبذ في مطلع الرواية، وصولا إلى الوحدة بمعنى الاتحاد مع الذات ومن ثم مع المحبوب، وما بينهما صور ومنازل للحب تتفاوت من الحب الجسدي الشهواني من سعدية للفتى وليد وانتهاكها لبراءته، وكذا العلاقة المحرمة بين والد فتحية وابنته أو عشق الأنثى للأنثى كما في تجارب ليلى، ثم الحب بمعنى العطاء والتضحية كما في قصة موسى الذي أفنى حياته لإسعاد أسرته وحين علم بإصابته بذلك المرض القاتل قرر أن يبعدهم عنه حتى لا يرى في وجوههم نظرة الحزن، حتى لو تشوهت صورته في عيونهم بسبب إبعادهم عنه. وحب فتحية للمهندس الذي قتله والدها ليفرق بينهما لكنها تظل على وفائها له، والحب الروحي الذي ربط بين ميرو الفتاة الصغيرة ووليد الكاتب من خلال رواياته حتى من قبل أن تلقاه.
البحر وملامح الرواية الجديدة.
لا تمتعض سيدي فلم تعد الرواية أداة لتفسير العالم وفهمه أو ربما تغييره. بل أصبحت وسيلة تعبير وتصوير، وشاهدة على ما جرى ويجري من تفكك واضطراب واهتزاز للثوابت. فلا عجب إن صدرت لك مراوغة التأويل من العنوان. فالرواية الجديدة ترى أن الكتابة التي تستحق هذا الاسم هي التي تثير التساؤلات لا العواطف، والدهشة لا المتعة، والتأمل لا الانفعال، والصدمة لا الاجترار. ولن يتحقق لها هذا إلا إذا تمردت بصورة دائمة على المألوف والراهن والمنطقي. وزيادة في تصدير الصدمة إلى المتلقي يتجاوز محمد صالح البحر عتبة الإهداء إلى تصدير الرواية بهذه العبارة المشبعة بالحزن "كل الأنقياء الذين أرادوا أن يبيعوا الحلوى للعالم مقابل الحياة العالم قتلهم" ويختار البحر الكتابة عن فعل الكتابة نفسه باختيار أن يكون البطل كاتبًا، فتكنيك الرواية داخل الرواية من الأساليب المستحدثة، حيث تصبح الكتابة حدثًا من أحداث القصة، وتصبح قصة التأليف وأحداثه ومجرياته مؤطرة للقصة المؤلفة. حتى أنك تشعر أن شخوص الرواية هم "وليد" الكاتب، و"ميرو" المتلقي الذي يستشف مكنونات الكاتب من خلال رحلته مع الكتابة، وبقية شخوص الرواية هم شخوص الرواية التي يكتبها وليد داخل رواية محمد صالح البحر، حتى أن البحر جعل بلوغ بطله وليد الانتهاء من كتابة روايته الأخيرة مع تجمع خيوط النهاية لكل هذه الشخوص. وعلى الرغم من تفكيك السرد وتعدد القصص المروية (القرية- فتحية- مريم – ميرو – ليلى- نوارة – موسى) داخل الحكاية الأساسية للرواية (بحث الكاتب وليد عمن يحبه) أخذت الرؤية الروائية تنحو شيئًا فشيئًا إلى الانكفاء إلى الداخل. فانصب اهتمام الرواية الجديدة على الفرد أكثر من اهتمامها بالمجتمع. فنجد محمد صالح البحر مهموما بدواخل الشخصيات واستبطان البُنَى النفسية لها، مما جعله يجري السرد على امتداد الراية على لسان البطل وليد وعلى لسان كل شخصية من شخصيات روايته في كل فصل مما جعل الرواية تقترب من رواية الأصوات. وهذا التفكيك في السرد يعمق فكرة الاغتراب والتشظي التي تنتاب البطل وشخوص الرواية بدرجات متفاوتة. كذلك نجد النص في الرواية محكومًا بوعي مؤلفه فحسب، ولم يعد الموجه له هي الشخصيات أو الأبعاد المخططة مسبقًا، أو أنساق القيم والتعاطف. ويحاول البحر في سرده الروائي الإيهام بالواقعية حين يتماس مع المسكوت عنه من قضايا داخل المجتمعات، مثل زنا المحارم والسحاق وانسحاق المشاعر النبيلة أمام توحش مادية الواقع الذميم، لكنه في الوقت ذاته يمرر إليك الأسطورة في ثنايا السرد، بداية من فكرة اللعنة التي ألصقت بالبطل كمبرر لنبذه في مطلع الرواية، وصولا إلى أسطرة المكان في نهاية الرواية، وتحول العشاق الخمسة إلى تمثال يرمز لقصص حبهم التي تناولتها الرواية. ويرتبط ذلك بظهور السرد على ضفاف التخييل المرجعي ذو البُعد الأسطوري، لتلعب دوراَ في توجيه المكان كفضاء سردي نحو الفعل الحي؛ وكذا ظهور السرد الغرائبي في عدة مواضع من الرواية أبرزها مشهد الانتقام من سعدية، ومشهد موت فتحية، ولكن رغم ذلك احتفظ السرد بإيهامه بالواقعية وهذا ما نُعدّه أدخل في القيم السردية للأدب الجديد وخطابه الذي ارتبط بمتغيرات الواقع المعاش. ولغة محمد صالح البحر تعتمد على ثراء الجانب الوجداني الذي يدنيها من لغة الشعر، وخاصة أن الصورة السردية لعبت دورا بارزا في تعميق بعض الدلالات، وتوجيه المتلقي صوب تأويلات بعينها لأحداث الرواية، وتفكيك الحدث الروائي أتاح لمحمد صالح البحر أن يقفز على التراتبية الزمنية للأحداث مما يُقرب السرد داخل الرواية من السرد الفسيفسائي الذي يتيح للقارئ تحريك بعض الأحداث تقديما وتأخيرا دون أن يؤثر ذلك في عمق تأثيرها في الرواية وعمق الإحساس بحالة التشظي والاغتراب المتلبسة لمعظم شخوص الرواية.
البحر وإنسانية الفن.
يراوغك محمد صالح البحر بالغوص في دواخل الشخصيات بينما يدفعك إلى إنسانية الرؤية عندما تحاول تتبع رحلة الكشف التي يخوضها عبر أحداث الرواية، متجاوزا العديد من التابوهات كالجنس والعقائدي، ولكن هذا التجاوز بوعي ينزع إلى سمو العاطفة الإنسانية لا مادية الفعل. محاولًا كشف كل أوجه هذا الشعور الإنساني. والبحر في نزوعه إلى إنسانية الفن يؤكد على وجود رؤى فلسفية ذات طبيعة إنسانية تتمثل في البحث عن الحب والجمال الحقيقي، فيجعل من البناية التي يقطنها أبطال الرواية الذين اختارتهم فتحية صاحبة البناية وفق شروط تتعلق بميلهم إلى النقاء ونبل المشاعر الصادقة، وكأنها أرادت أن تجعل من تلك البناية مدينة فاضلة. كذلك لا نكاد نجد أعلاما مكانية محددة داخل الرواية تأكيدا على عمومية المكان وإنسانيته، فنجد القرية ثم المدينة الصغيرة على البحر التي توجد بها تلك البناية والتي تدور معظم أحداث الرواية في فلكها، ثم المدينة الكبيرة اللاهية كما وصفها الكاتب وصورها وكأنها تمثل موطنا للخطايا والآثام، أو رمزا للمجهول والخفي من العالم. كذلك رغم ميله للأسطرة إلا أنه لم يجرد شخوصه من سماتها الإنسانية ورصد كثيرا من مفارقات تحولاتها الوجدانية من الحب والبغض والغيرة والبذل أو العطاء الاشتهاء والزهد الصفح والانتقام على امتداد الرواية وذلك على مستوى معظم شخوص الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.