تحتفل مصر بمرور 43 عاما على انتصار السادس من أكتوبر، وفى هذه الذكرى المجيدة نعود لمن حققوا النصر، وكبدوا إسرائيل هزيمة ساحقة، واستطاعوا بعزيمتهم أن يستعيدوا سيناء الحبيبة من احتلال غاشم دام 6 سنوات. وتحاور «البوابة» اللواء الدكتور طلعت موسى، أحد الأبطال الذين شاركوا فى الحرب، ورئيس كورس الاستراتيجية والأمن القومى بأكاديمية ناصر العسكرية، وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية. ومازال موسى يتذكر تفاصيل الحرب والمشاهد البطولية التى عايشها. ■ كيف تم إعلام القوات المسلحة ببدء حرب أكتوبر عام 1973؟ - كانت هناك خطة محكمة على المستويين السياسى والعسكرى فى البلاد بشأن السرية والخداع فى إبداء أى معلومات عن موعد الحرب، ولم نكن نعلم بموعد الحرب إلا فى نفس اليوم. كنت رئيس عمليات كتيبة مشاة ميكانيكى خلال هذه الفترة، وفى 6 أكتوبر جاءت إلينا الأوامر العسكرية التى استقبلناها بفرحة غامرة، وهو خوض الحرب مع العدو الإسرائيلى لاسترجاع أراضى سيناءالمحتلة، حيث طالب قائد الكتيبة فى الساعة التاسعة من صباح اليوم بجمع الضباط للقاء قائد اللواء الذى بشرنا بالخبر الذى انتظرناه كثيرًا قائلًا: «مبروك يا رجالة.. الساعة اللى اتمنتوها جت.. هنحرر سيناء النهارده». وطالب قائد اللواء بضبط ساعتنا على ساعة جامعة القاهرة. وأوضح قائد اللواء أن الطائرات ستمر فوق الكتيبة فى الثانية إلا خمس دقائق، وبالفعل مرت الطائرات لتكبد العدو خسائر فادحة، حيث تم تدمير 3 مطارات عسكرية و10 مواقع صواريخ، و3 مناطق شئون إدارية ، إضافة الى محطات الرادار، مما تسبب فى إعاقة إلكترونية لقوات العدو. وأعقب الهجوم الجوى قذائف المدفعية المصرية بنيران 2000 مدفع على طول القناة، واستمرت قواتنا فى القصف لمدة 53 دقيقة مستمرة، وفى الثانية وثلث تمكنت قواتنا البرية من العبور حيث وصل 8 آلاف مقاتل إلى الضفة الشرقية، وكان هناك تنسيق كبير من الوحدات العسكرية ببعضها البعض ففى نفس هذا التوقيت الذى نجحت فيه القوات برفع علم مصر على نقطة العدو كانت قوات المهندسين تقوم بعمل ثغرات فى الساتر الترابى وإنشاء الكبارى لعبور الدبابات و المدرعات، مع تحرك الطائرات الهليكوبتر لنقل قوات الصاعقة إلى مسافات تبعد 30 و40 كيلو مترا لتنفيذ مهمات خاصة تستهدف تعطيل العدو و إلحاق الخسائر فيه وإقامة الكمائن لاقتناص دبابات العدو التى تحاول الاقتراب من الساتر الترابى الذى كانت تحاول اسرائيل من خلاله إفشال عملية العبور. وعززت القوات تواجدها العسكرى فى المناطق التى تم تحريرها بشرق القناة فجر اليوم الثانى الذى استطاعت القوات فيه تعميق رءوس الكبارى حتى 8 كم شرقًا، وتحرير مدينة القنطرة شرق. وفى يوم 10 أكتوبر.. وقفت القوات المصرية على الخط الذى استولت عليه بعد أن تكبدت اسرائيل خسائر كبيرة، حيث اتصلت جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل بالرئيس الأمريكى يوم 8 أكتوبر، وهى تصرخ أنقذوا إسرائيل، حتى بدأ الإمداد الأمريكى بالدبابات، والمعدات التى تم تدميرها عن طريق الجسر الجوي، واستطاعت القوات أسر عدد كبير من الجنود والمعدات الخاصة بإسرائيل. وفى 14 أكتوبر استطاعت القوات المسلحة التوغل لمسافة «12- 15 كم» فى قلب سيناء وكانت مواجهة قوية بعد تعزيز إسرائيل بستائر الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت لهم من أمريكا. ■ كيف كانت فترة الإعداد للقوات المسلحة لخوض الحرب؟ - فترة الإعداد للجيش المصرى بدأت مباشرة بعد هزيمة 1967، ومن 12 يونيو من هذا العام صدر قرار بتعين الفريق أول عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة تحت مظلة محمد فوزى وزير الحربية. الإعداد تم على محورين أساسيين «السياسى والعسكري»، من ناحية الإعداد السياسى كانت هناك جهود سياسية كبيرة ومستمرة لإقناع إسرائيل بتنفيذ القرار الأممى «242» الذى يقضى بانسحابها من الأراضى العربية المحتلة. أما المحور الثانى والخاص بالإعداد العسكرى والتدريب على أعلى مستوى والتسليح لطرد العدو من أرض سيناء بالقوة، بعد أن وصلت جميع الجهود السياسية إلى طريق مسدود، وكانت جهود متعددة فى الأممالمتحدة والمنظمات الدولية مثل الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية فكل المنظمات الدولية كانت تدعو إسرائيل للانسحاب، لكنها رفضت تمامًا. ■ لكن كيف كان شكل الإعداد العسكرى للقوات؟ - يمكن تقسيم الإعداد العسكرى للقوات المسلحة على 4 مراحل رئيسية. المرحلة الأولى: الصمود والتحدى وإعادة بناء المواقع غرب القناة واستعادة الكفاءة، ثم مرحلة الدفاع النشط لتأهيل القناصة، ومرحلة مهمات العبور ثم مرحلة عمليات القصف التراشق بين المدفعية. ثم أتت حرب الاستنزاف حتى استشهد الفريق أول عبدالمنعم رياض عام 1970، وكنا استكملنا فيها الدفاعات وإعادة بنائها، وفى شهر أغسطس وحده استطاعت قواتنا إسقاط 24 طائرة للعدو. ثم بدأت مرحلة جديدة داخل قواتنا المسلحة، وهى مرحلة التجهيز والإعداد لحرب أكتوبر التى بدأت بالفعل فى أغسطس 1970 حتى وقت إعلان الحرب. ■ وكيف تم خداع العدو الإسرائيلي؟ - كان يوجد خطة المفاجأة التى تم إعدادها على أعلى مستوي، من حيث مفاجأة العدو فى الزمان والمكان، وأسلوب الاستخدام الخاصة بالحرب المصرية، وهذا ما حدث فى حرب أكتوبر بالفعل. فى نقطة مفاجأة العدو فى الزمان، أى «موعد الحرب» كان هناك العديد من الأعمال التى ساهمت فى خداع العدو بشكل كبير، أم «المكان»، فتم على جبهة تبعد بمسافة 162 كيلومترا من بورسعيد إلى السويس، لتغفيل العدو ولتوجيه الضربة الرئيسية. أما المفاجأة الحقيقة فكانت فى الجندى المصري، وبراعته وتفننه فى استخدام الأسلحة الدفاعية التى حقق بها النصر. وكذلك اعتمدت خطة المفاجأة على عنصرين رئيسيين: «السرية والخداع». السرية كانت من خلال إخفاء التوقيت الحقيقى لموعد الحرب، حيث تم إعلام القادة على مختلف المستويات قبل الحرب بفترة محددة، بمعنى أدق أن قادة الفرق لم يكونوا يعرفون موعد الحرب الحقيقي، إلا قبل الحرب ب48 ساعة، أما قادة اللواءات فتم إعلامهم قبل الحرب ب24 ساعة، وقادة الكتائب تعرفوا على موعد الحرب قبلها ب6 ساعات فقط. أما النقطة الثانية كانت فى سرية استراتيجية التحضير للعملية حيث اشترك مجموعة صغيرة من ضباط العمليات مع القادة، كان هناك عدد قليل من الأفراد التى كانت على علم بهذه الاستراتيجية. ■ ما أبرز التحركات التى قام بها الرئيس أنور السادات؟ - شارك بشكل رئيسى فى إعداد خطة خداع على مستوى الدولة، على كل مستوياتها السياسية والعسكرية والمستوى التعبوى والتكتيكي، حتى وصل الأمر للأفراد. وفى عام 1971 الذى يعد عام الحسم بعدما تولى أنور السادات الحكم، ثم تلتها سنة الضباب فى 1972، كانت الدولة تبحث عن كل الوسائل والإمكانيات التى تتيح استرداد أرض سيناء بعد احتلالها. وكان الجيش الإسرائيل يرفع درجة استعداده خلال ال3 سنوات التى سبقت إعلان الحرب، ويعود للتعبئة العامة تجهزًا لأى تحرك قد ينفذه الجيش المصرى ضد إسرائيل. وقبل الحرب ببضعة أيام، تم الإعلان عن أن الرئيس السادات يزور عددا من الدول العربية فى توقيت الحرب، ومجموعة من الوزراء ستذهب إلى الدول الأوروبية، وإعلان توقيت العمرة للضباط. وقبل الحرب ب48 ساعة يوم 4 أكتوبر كان هناك مشروع حرب استراتيجية يتم عقده سنويًا يتم رفع درجة الاستعداد على أثره.. وكان فى المقابل إسرائيل تقوم برفع درجة التعبئة العامة و تتأهب على أثر هذا المشروع فى السنوات الماضية فى 1970 حتى 1972 فى 1973 وقبل مشروع الحرب صدر قرار بتسريح 20 ألف جندى احتياطى من الجيش، وأعلنت القيادة السياسية عن فشل مشروع الحرب، بعدها استهانت إسرائيل بهذا المشروع، وقالوا إن قدرة الجيش ضعيفة. وتم إصدار تعليمات للضباط الصغار بالكليات العسكرية بمواصلة الدراسة يوم 9 أكتوبر، والضباط سمح لهم بالحج إلى مكة، وفى صباح يوم 6 أكتوبر تم نشر فرق خاصة على طول قناة السويس، وكانت مهمتهم أن يتحركوا دون خوذ أو أسلحة أو ملابس وأن يستحموا ويصطادوا وينشروا أغطية النوم فى الشمس كمظهر من مظاهر الخداع. وكانت القوات فى حالة استرخاء وإهمال فى المهمات العسكرية، كانت كل الدلائل تنفى الهجوم العسكرى على إسرائيل، وهذا ما يعد الإعجاز البشرى الذى نفذه المصريين فى الحرب. ■ لكن كيف ترى اتفاقية كامب ديفيد 1979؟ - فى ظل النقاط المكتسبة من حرب أكتوبر من 10 – 15 كيلومترا شرق القناة، والنجاح فى تعميق رءوس الكباري.. كانت الدولة المصرية تسعى لتحقيق أهدافها من خلال تناغم بين القيادة العسكرية والسياسية. وعندما وصل السادات إلى طريق مغلق فى الجهود الدبلوماسية لجأ إلى الحرب بسبب عجز الجهود السياسية، لكنه اختار الحرب بعد استنفاد كل الجهود السياسية، وهذا من الدروس العظيمة فى حرب أكتوبر. وخرج السادات معلنا الحرب رغم أن الإمكانيات لم تكن تسمح لنا باسترداد الأراضى العربية المحتلة بالكفاءة المطلوبة، كذلك كان الروس يبخلون علينا فى توريد الأسلحة اللازمة. وفى 16 أكتوبر 1973 قال السادات من مقر مجلس الشعب إنه على استعداد لوقف أعمال القتال فى مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة، لكن إسرائيل رفضت، وكانت القوات نجحت فى تحرير جزء من سيناء وليس الأراضى كاملة وفى 28 أكتوبر انسحبت إسرائيل مضطرة بسبب وجود الثغرة لأنها كانت ستدمر كليًا. ونجحت الدبلوماسية المصرية بعد الحرب من استرداد الجزء المتبقى المحتل من إسرائيل من خلال جهود السلام والإعداد البشرى للرئيس السادات فى معاهدة السلام كامب ديفيد، والتى تحتوى على وثيقتين، وثيقة تخص مصر، والأخرى تخص باقية الدول العربية المحتلة لعمل اتفاقية مماثلة لاتفاقية مصر. وعقد مؤتمرا فى فندق مينا هاوس ورفع العلم الفلسطيني، إلا أن سوريا والفلسطينيين رفضوا هذا الحل، واستكمال المسيرة بشكل فردى فى المعاهدة، وتم توقيعها فى 1979 وبموجبها تم إنشاء خطوط «ا، ب، ج، د» للحدود المصرية، وتحرير أراضينا، وشابت الاتفاقية العديد من الشائعات بأن لها بنوداً مخفية أو أن مصر ليس لها سيادة عليها. لكن الحدود متواجدة، واللى عاوز يتفسح فى رفح أو فى أى مكان يتفضل، وقوات حفظ السلام تنسق بالكامل مع مصر. ■ ما الدول العربية التى ساعدت مصر فى الحرب؟ - هناك 9 دول عربية قدمت الدعم العربى لمصر، الجزائر قدمت لواء مدرع وكتيبة مشاه، و22 طائرة حربية، حيث قام رئيسهم فى نوفمبر 73 بزيارة موسكو وترك لهم شيكا على بياض لتسليح مصر، كذلك قدمت السودان كتيبة مشاه، والكويت قدمت كتيبة مشاه، وليبيا قدمت لواء مدرع، و21 طائرة ميج لم تشارك فى الحرب بسبب استياء معمر القذافى من عدم إعلامه بموعد الهجوم، وسحب القوات على أثر هذا، والعراق وتونس قدما دعما إلى مصر. فى الجانب الآخر حصلت سوريا أيضًا على الدعم خلال حربها من الأردن والمغرب والسعودية والسودان والكويت والعراق، لكن هذه الإمدادات لم تبدأ بها مصر الحرب، بل جاءت بعد بدء الحرب بأيام.