ربما يكون من المناسب ان اعود فأذكر بالمعادلة الديمقراطية، التي بدأنا بها الحديث علي مدي عدة اسابيع، والتي تقول: الديمقراطية المطلوبة = تعليم + إعلام + مجتمع مدني. وقد أطلنا في الحديث عن المجتمع المدني، باعتباره جديدا علي خطابنا الديمقراطي، ولأهميته في تنمية حس المشاركة الايجابية، الذي هو جوهر ديمقراطية المشاركة، التي يتطلبها مجتمع المعلومات. ويكتسب المجتمع المدني اهمية خاصة في حديثنا وبالنسبة لواقع مصر حاليا لاسباب اخري منها: * غياب حس المشاركة في التعليم القائم في مجمله وتفاصيله علي التلقين، وفي الاعلام القائم علي السعي الي فرض ارادة وفكر وتوجيهات القيادات علي الشعب.. وهذا هو ما جعلني اضيف التعليم والاعلام الي معادلة الديمقراطية التي ننشدها. * في ظل طبيعة النشاط الحزبي الحالي في مصر، والذي قام علي جهد مصطنع من اجل الوصول الي واجهة ديمقراطية، سعيا الي ارضاء امريكا، ولتجميل نظام ما بعد عبد الناصر.. ذلك الجهد الذي بدأ باعلان السادات عن حزب مصر الذي تدافع اليه الطامعون في المكاسب، ثم تلاه المشهد الكوميدي الذي انسلخ فيه السادات عن حزب مصر، معلنا قيام الحزب الوطني الحالي، وما اعقب ذلك من هرولة اصحاب المطامع الي الحزب الجديد!.. وايضا ما اقتضته هذه الواجهة الديمقراطية الشكلية، من ضرورة تشكيل احزاب اخري، جاءت اشبه بتقسيمة نادي الكرة التي يقتضيها التدريب! * وباعتبار أن نشاط المجتمع المدني يبدأ من القاعدة، وبشكل متواضع لا يستفز الحكومة وحزبها المسيطر، رغم الحرب غير المعلنة التي يشنها النظام علي جماعات المجتمع المدني، باخضاعها لبيروقراطية الدولة متمثلة في وزارة الشئون الاجتماعية، وللطابع البوليسي المتمثل في مكتب الامن بالوزارة الذي يعطي لنفسه حق المنح والمنع، دون ابداء الاسباب. عندما تغير الإنسان كانت ديمقراطية التمثيل النيابي فتحا ديمقراطيا منذ حوالي 200 سنة، يعتمد علي امرين أساسيين: - النمطية الممعنة، والتوحيد القياسي لكل شيء، بما في ذلك البشر. - المركزية الشديدة، التي تحكم جميع التنظيمات، التي أتاحت قيام البيروقراطيات الكبري. ومع تفجر ثورة المعلومات والاتصالات، ومع شيوع التكنولوجيات المعلوماتية الجديدة "مثل الكمبيوتر واقمار الاتصال"، ومع وصول الافراد الي التنوع العريض من المعارف، تنوعوا وتباينت مشاربهم، واختلفت مطالبهم من الحياة، فقاد هذا الي اهتزاز النمطية وعملية قولبة البشر التي سادت عصر الصناعة، وقد ساعد هذا علي سقوط مبدأ المركزية، الذي قامت عليه النظم البيروقراطية، السياسية والادارية والاجتماعية في المجتمع الصناعي. لقد تغير الإنسان.. ففقدت ديمقراطية التمثيل النيابي مبرر وجودها. واقع الديمقراطية الأمريكية تحت عنوان "موت ديمقراطية التمثيل النيابي والنظام الحزبي" يقول الكاتب المستقبلي جون ناسبيت "اليوم ومع المعلومات التي يتم اشتراك الجميع فيها آنيا، اصبحت معارفنا عن الذي يجري لا تقل عن معرفة من يمثلوننا، ونحن نصل الي هذه المعارف بنفس السرعة التي تصل بها اليهم.. والحقيقة اننا قد تجاوزنا الفائدة التاريخية لديمقراطية التمثيل النيابي.. وهذا يشير - في نفس الوقت - الي نهاية النظام الحزبي التقليدي". وناسبيت يركز في حديثه علي الواقع المعاصر للديمقراطية الامريكية، وعلي احزابها.. فيقول ان امريكا في سبيلها ان تصبح امة من المستقلين!.. والناس يعبرون عن عدم ثقتهم بالاحزاب السياسية، ويرفضون الارتباط بها، وهو يورد من الارقام ما يفيد الانخفاض المتواصل في عدد المنضمين الي اي من الاحزاب.. كما يقول ان المواطنين قد انصرفوا عن نظام الحزبين، الديمقراطي والجمهوري باعتبار انهما شيء واحد.. ويشير ايضا الي الانخفاض المتواصل في الاقبال علي التصويت في الانتخابات العامة كمؤشر علي فقدان ثقة الناس في جدوي نظام التمثيل النيابي.