مجتمعات العالم الثالث ونحن في القلب منها قد اختزلت الديمقراطية في صندوق الانتخابات وحسب, واطلقت يد الفوضي والفساد لتقوض هذا النذر اليسيرربما يكون السبب في ذلك غياب ثقافة المجتمع المدني عندهم ولا أقول الدولة المدنية وترجم هذا كله في الدولة الحديثة فيما عرف بأنظمة الحكم الديمقراطية, وتوزعت السلطات الي ثلاث' التنفيذية والتشريعية والقضائية', وفيها تتولي السلطة التنفيذية إعمال وإنفاذ القانون وحماية تحقيق العدالة والمساواة وضبط منظومة الحقوق والواجبات بحسب القانون, وتتولي السلطة التشريعية ضبط المنظومة التشريعية بحسب ايقاع العلاقات السوية داخل المجتمع بما يكفل وجود ضوابط قانونية تحمي المجتمع من شطط فئة منه بالجور علي الآخرين, وتراقب التزام السلطة التفيذية بإعمال القانون, وتتولي السلطة القضائية الفصل في المنازعات التي تقوم بين الناس وبعضهم وبين الناس والسلطات المختلفة, في تكامل وتناغم لا يكتمل إلا تحت مظلة ديمقراطية صحيحة وكاملة وحقيقية. ومن أسف أنه في مجتمعات العالم الثالث ونحن في القلب منها قد اختزلت الديمقراطية في صندوق الانتخابات وحسب, واطلقت يد الفوضي والفساد لتقوض هذا النذر اليسير, بل يروج البعض لمقولة للخصوصية الثقافية المجتمعية أن تفسر الديمقراطية بحسب معطياته, وهو التفاف يفرغ الديمقراطية من فحواها ومضمونها, فالديمقراطية كنسق حياة لا تتبدل أو تتلون من مجتمع لأخر, وهي الضمانة الأساسية لتحقق العقد الإجتماعي بين الحاكم والمحكومين كما هو بل وهي المصححة لأي خلل يعتري تلك العلاقة أو ينحرف بها. وبحسب طرح المفكر المصري الأستاذ طارق حجي فإن لجوهر ديمقراطية لا يتبدل من مكان لآخر وجوهر الديمقراطية ثلاثة أمور: أولا أن يأتي الحكام للحكم بإرادة شعبية حرة, ثانيا أن يحكم الحكام بقواعد دستورية يكونون خاضعين لها كما يكونوا قابلين للمساءلة أثناء وبعد فترة الحكم, ثالثا أن يترك الحكام الحكم بشكل دستوري وألا تكون فترة أو فترات حكمهم مؤبدة), ويستطرد قائلا( جوهر الديمقراطية الحقيقي في تدرج عملية الإختيار من البداية للنهاية فالديمقراطية هي دستور عصري بمجتمع مدني ناضج, ومؤسسات فاعلة بهذا المجتمع المدني وأحزاب متساوية في الحقوق والواجبات والفرص, وقضاء عصري مستقل, ونظم لضمان المساءلة والشفافية, وإعلام ناضج تجاوز طور الصراخ والفضائح, ثم أخيرا عملية الإقتراع). وقد يتساءل البعض عن علاقة هذا كله بأزمة الفتنة المطروحة بينما العلاقة واضحة وجوهرية, فما نراه من معالجات تتكرر علي مدي سنوات وعقود لا يندرج تحت إعمال القانون إنما يخضع في أغلبه لسياسات إطفاء الحريق المؤجلة للإنفجار في أحسن التقديرات في مراهنة خاسرة علي الزمن, وتتدخل فيها المواءمات السياسية لتبقي عينا علي الأزمة وعين علي ردود فعل العامة المختطفين في مربع التيارات الراديكالية الدينية, وتكشف الأحداث أن بعضا من المتصدين لمعالجة تلك الأزمات يفتقرون للحس السياسي والقانوني, إذ غالبا ما يحيلونها إلي الحلول العرفية المهدرة للقانون والمخترقة لمبدأ سيادة القانون ويبقون محصورين في ذهنية الهلع الأمني وغياب الرؤية الأكثر استيعابا لتداعيات الحلول التلفيقية, علي الرغم من تقدم مواقعهم التنفيذية في أقاليمهم المحلية. والأخطر أن هناك من يقفون وراء تلك الأزمات في صراعهم الضيق أو في ارسال رسائل ملغومة لمن يتصورون أنهم يستقوون عليهم, أو ما درجوا علي تسميته' قرصة ودن' لا يصرخ منها الشخص المستهدف بل يتأوه منها البسطاء ممن يكتوون بنارها. وربما يكون السبب في ذلك غياب ثقافة المجتمع المدني عندهم ولا أقول الدولة المدنية أيضا, وبالتالي لا يقوم في حالتنا هذه اعتبار للقانون وسيادته والمساءلة السياسية لهم لغياب الدور الرقابي للمجالس الشعبية علي اختلاف تدرجاتها من الحي الي المدينة الي المحافظة إلي البرلمان بغرفتيه, ويطل علينا بجلاء المد الطائفي الذي اخترق اماكن وشخوصا ومؤسسات ما كان للمرء ان يخال قابليتهم للاختراق, فالقي بظلاله علي المعالجات الفاشلة التي تقف وراء تكرار تلك الأحداث الإجرامية. وهنا نري أن الأزمة تتجاوز مجرد مطالبات بإصلاح التعليم والإعلام والثقافة علي أهميتها وحتميتها إلي التخلي عن انساق الإلتفاف حول المشكلة إلي تفعيل نسق المواجهة الحقيقية داخلنا وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية, والسطر الأول في تذكرة العلاج هو إعادة الإعتبار لسيادة القانون, وإعادة الحياة للدور الرقابي السياسي علي اعمال السلطة التنفيذية من قبل منظومة المجالس الشعبية بدءا من القرية وصولا للبرلمان, وتنقية الإعلام من أصابع المتطرفين واعداء مدنية وعلمانية الدولة. وكيف يتأتي هذا بغير ديمقراطية حقيقية وفق معاييرها الصحيحة؟!. [email protected]