في محاولة من قبل البنوك المصرية لتجنب مشاكل التعثر التي هزت المراكز المالية للبنوك طوال حقبة التسعينات من العام الماضي، رفعت البنوك مخصصاتها المالية لمواجهة الديون المشكوك في تحصليها، وخاصة في ظل الارتباك السياسي. وكشف البنك المركزي المصري، عن زيادة في المخصصات البنكية بنحو 700 مليون جنيه (الدولار يساوي 6.16 جنيه) في شهر سبتمبر وهو الشهر الثالث في ولاية الرئيس محمد مرسي، ونهاية الربع الثالث من العام الحالي، ليصل إجمالي المخصصات إلي 53.6 مليار جنيه مقابل 25.9 مليار جنيه في شهر أغسطس. وفي خطوة مماثلة لتأمين أموال المودعين في ظل المخاوف المستمرة وعدم وضوح المشهد السياسي، قامت البنوك بزيادة الاحتياطي أيضا بنحو 2.4 مليار جنيه دفعة واحدة في شهر سبتمبر لتصل إلي 27.8 مليار جنيه مقابل 25.3 مليار في الشهر الذي يسبقه. يذكر أن الودائع لدي البنوك العاملة في السوق المحلية، ارتفعت خلال الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 2.32%، لتصل إلي 1050.507 مليار جنيه، مقابل 1026.686 مليارا خلال الربع السابق له، تبعا لتقرير البنك المركزي. ويري المصريون خلال الفترة الحالية أن إيداع أموالهم في البنوك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أرباح علي أموالهم، وذلك في ظل عدم الاستقرار السياسي، وعدم قدرة الكثير من القطاعات الاقتصادية علي تحقيق أرباح، إلي جانب تذبذب البورصة المصرية خلال الربع الأول، وهو ما جعل البنوك الملاذ الآمن لحفظ أموال المصريين. وتوقع عدد من خبراء البنوك تعرض القطاع المصرفي لموجة جديدة من التعثر، بسبب التوترات السياسية الحالية وما يترتب عليها من تباطؤ الاقتصاد المصري، وتراجع معدلات النمو والإيرادات السيادية للدولة. وأشار الخبراء إلي احتمالات ظهور الموجة الجديدة للتعثر، بعد تأخر الشركات والمؤسسات في دفع أقساط المديونية المستحقة عليهم، خاصة في القطاع السياحي، الذي تأثر بشكل بالغ طوال العامين الماضيين، وسط أنباء تشير إلي إلغاء كثير من الحجز الفندقي، سواء في موسم رأس السنة أو فصل الشتاء - موسم الذروة السياحية. من جانبه، توقع الخبير المصرفي طارق حلمي أن تشهد الفترة المقبلة موجة جديدة من التعثر مرتبطة بعدم قدرة أصحاب الأعمال علي استعادة نشاط أعمالهم في صورته المعهودة، وتأخر التحصيل وخفض الإنتاج مع عدم القدرة علي توصيل المنتج أو الكمية. وقال حلمي، نائب رئيس المصرف المتحد السابق، إن جميع القطاعات معرضة للتعثر، وإن كان قطاع السياحة في مرتبة متقدمة، لكن القطاعات الأخري الصناعية والتجارية ليست بمنأي عن التعثر المحتمل، مضيفاً "الغذاء والدواء بحكم الاستهلاك المكثف ربما يكونان في مرتبة أبعد". كانت آخر موجة تعثر تعرض لها الاقتصاد المصري قبل ثورة يناير ترجع إلي نهاية عام 2009، إبان ظهور الأزمة المالية العالمية، واستمرت لمدة عامين أشدها نهاية عام 2011، وقد ترتب عليها حدوث اهتزاز في الموقف المالي لبعض فروع البنوك الأجنبية، وانسحاب بعضها، مع تراجع نسبي في أعمال البنوك بشكل عام وسط تحفظ كبير في مجال الائتمان - الرافد الأساسي للاستثمار. وأضاف حلمي أن الوضع الحالي يحد من القدرة علي جذب أموال جديدة تضخ في السوق، ويبقي الوضع علي المستثمرين الموجودين في السوق في ظل توقعات بتراجع أعمالهم، وهو ما يجعل البنوك تضع خططا لإمكانية حدوث تعثر حتي لو كان مؤقتا. وطالب الخبراء بنوك القطاع العام بضرورة عدم الاندفاع غير المحسوب باتجاه منح قروض جديدة للقطاع الخاص، ومراقبة وفحص محفظة قروضها الحالية، وتوخي الحذر في منح القروض الجديدة، والاتجاه نحو تمويل المشروعات ذات الجدوي الاقتصادية الجيدة والإقراض الحكومي طبقا لقواعد منضبطة.