أصبحت أرقام الدين العام وأعباء خدمته السنوية تدعو إلي القلق الشديد علي الحالة الراهنة للاقتصاد المصري بل ومستقبله أيضا . فحينما يصل صافي الدين المحلي إلي نحو 962 مليار جنيه في 31/12/2010 والدين الخارجي إلي نحو 5 .32 مليار دولار واجمالي الدين العام إلي نحو 1157 مليار جنيه بما يمثل نسبة أكثر من 92% من الناتج المحلي الاجمالي، فإن هذا ولابد ان يثير في نفوسنا شيئا من الرهبة، أما اذا تطرقنا إلي عبء خدمة هذا الدين الثقيل بما يتضمنه من فوائد مستحقة وأقساط واجبة السداد خلال هذه السنة فسنجد انه طبقا لمشروع موازنة 2011/2012 سوف تصل تلك الالتزامات إلي 8 .110 مليار جنيه، وهذا المبلغ يمثل وحده نسبة من اجمالي بنود نفقات الموازنة تصل إلي 5 .21% بينما تصل نسبة الدعم إلي 32% ونسبة المنفق علي الاستثمار 9 .10% والمنفق علي التعليم 5 .14% والمنفق علي الصحة 3 .14% وفي المقابل وتجسيدا لتلك الصورة المؤلمة سنجد أن هذا البند يلتهم بمفرده نسبة 6 .31% من اجمالي متحصلات الايرادات العامة للدولة . ومما يزيد من سوء هذا الوضع ما قامت به مؤسسات التصنيف الدولية من تخفيض التصنيف الائتماني للوضع المالي، مما كان من نتائجه - مع تضافر عوامل أخري - تراجع الاستثمارات الاجنبية بشكل حاد وارتفاع تكلفة الإقراض الخارجي، وقد انعكس ذلك بشكل واضح علي تكلفة تمويل العجز الحالي لموازنة الدولة، حيث اضطرت الإدارة الحكومية إلي رفع سقف الفائدة المطلوبة بواقع 65 نقطة لاذون الخزانة "أجل سنة" ليصبح سعر الفائدة المقبولة 6 .13% سنويا، ومن المتوقع أن يصل في جلسات أخري إلي 14% وامتدت الزيادة لتشمل جميع الآجال الأخري للأذون بنسب متفاوتة، ولعل ما يلفت النظر لتلك الصورة أن سعر الودائع المحلية "استحقاق سنة" لدي الجهاز المصرفي لا يزيد متوسطها بأي حال من الأحوال في معظم البنوك علي 6%، أي أن هامش المكسب للبنوك وصل إلي 8 .3% أخذا في الاعتبار ضريبة العائد علي الأذون والتكلفة الحقيقية للأموال والعائدة انه لا يزيد في المتوسط علي 2% علي اعتباره استثمارا خاليا من أية مخاطر وقد أدي هذا الوضع المقلوب إلي ان تفكر وزارة المالية في دراسة إلغاء الضرائب علي أذون الخزانة والتي تصل نسبتها إلي 20% من قيمة العائد عليها وذلك في سبيل تقليل سعر الفائدة المرهق للغاية للموازنة العامة وكأنه لا ينقصنا إلا تقليل الإيرادات المتحصلة - علي شحها - في ظل عجز مزمن بين الإيرادات المتاحة وبين نفقات حتمية لموازنة الدولة يبلغ 134 مليار جنيه بنسبة تقترب من 11% من الناتج المحلي الاجمالي للدولة . ماذا تعني أرقام ومؤشرات هذا الدين؟ هذه الأرقام والمؤشرات تعطي بعضا من الدلالات التي يمكنها أن تحد كثيرا من القدرات الاقتصادية ومن ذلك: 1- علي مستوي الموازنة العامة للدولة، فإنها تتحمل بعبء تكلفة خدمة هذا الدين من فوائد وأقساط سنوية، مما لا يساعد علي تهيئة الفرصة لتوزيع الإيرادات المتحصلة علي بنود الإنفاق الاخري مثل الدعم والتعليم والصحة واستثمارات البنية الأساسية والأجور والمرتبات الخاصة بموظفي الدولة وذلك بشكل عادل يسهم في تحقيق حد أدني من المستوي الاجتماعي اللائق لأفراد المجتمع . وإزاء أن هناك بنودا حتمية من الإنفاق لا يمكن تجاهلها بما تمثله من توازن اجتماعي يصبح لا مفر من ظهور عجز ما بين الإنفاق الكبير وبين الإيرادات المحدودة والتي لا يمكنها أن تغطيه . وما إن يظهر العجز بين جانبي الموازنة حتي تبرز الحاجة إلي سداده - وهنا يأتي الحل السهل متمثلا في الاقتراض علي هيئة طرح أذون وسندات مسحوبة علي خزانة الدولة، والذي يأخذ طريقه في التراكم ومن ثم التوحش مع مرور السنين، ومع العجز عن ملاحقه تلك الحلقات الخبيثة، فإننا نفاجأ في النهاية بهذا الدين الثقيل . وعند هذا المنحني الخطر فإنه لا يجوز للحكومة الامتناع عن سداد فوائد القروض أو أقساطها، فهذا يعني إشهار إفلاسها بموجب السندات التي قام وزير المالية بتوقيعها باسم الدولة وطرحها في السوق، وفي ظل إيرادات محدودة تعبر عن حالة اقتصادية تعاني الكثير، وإدارة تنفيذية تقاسي من ضغوط مرحلية وبين حتمية البعد عن شبح الإفلاس، فسوف يتم الخناق علي كثير من بنود الإنفاق ذات الطبيعية الاجتماعية الملحة ومثل التعليم والصحة والأجور لتصبح في مستويات غير مقبولة . 2- علي مستوي الادخار والاستثمار والتنمية فسوف نجد أن جزءا كبيرا جدا ومؤثرا من حجم المدخرات القومية سوف توجه نحو إقراض الحكومة تمويل العجز القائم بموازناتها بدلا من توجهها الطبيعي نحو الاستثمار في المشروعات الاقتصادية، التي من شأنها ايجاد فرص عمل جديدة، وبالتالي ارتفاع الدخول الذي ينعكس علي انتعاش القوة الشرائية،