العجز في موازنة أي دولة يمكن النظر إليه مع بعض الاختلافات في التعبير عن الفترة الزمنية وكأنه الخسارة المحققة بقائمة الدخل أو ما يطلق عليها حساب الأرباح والخسائر لأي منشأة اقتصادية. وهذا مؤشر تحذيري للوضع المالي لهذه الدولة أو تلك المؤسسة. وبالنسبة للدولة فهو يعطي الكثير من المحاذير، من ذلك: أنها من الطبيعي سوف تلجأ إلي القروض لسد هذا العجز أو تلك الفجوة الحادثة ما بين انفاقاتها الكثيرة وايراداتها القليلة، فتصبح بالتالي دولة محملة بالقروض الثقيلة، مما يستدعي تحميل ايراداتها رغم محدوديتها بعبء سداد فوائد هذه القروض وأقساط سدادها، كما أنها بحصولها علي تلك القروض من الداخل إنما تحتجز جزءا كبيرا من الموارد المالية المتاحة لها، والتي كان يفترض توجيهها في الأساس لصالح الاستثمارات ذات الجدوي الاقتصادية حتي تؤتي مفعولها، فتتيح عندئذ فرصا كبيرة للعمل، ومن ثم تزداد دخول الأفراد فينشط الطلب في السوق ويحدث رواجا من شأنه تهيئة فرص جديدة للدخول في سوق العمل، وهكذا تتوالي الموجات بقوة الدفع الذاتي بفعل عامل مضاعف الاستثمار، وفي النهاية تزداد معدلات النمو في الاقتصاد القومي بكل مردوداته الايجابية علي مستويات المعيشة. ولكن ربما يكون لهذا السد المانع لتدفق هذه الأموال في مسارها الطبيعي ما يؤثر سلبا علي خطط التنمية المأمولة، كما أن العجز المزمن من شأنه تعطيل أو حتي ارجاء الكثير من المشروعات ذات الطبيعة الاجتماعية التي كان ينبغي علي الدولة أن تقوم بها نتيجة لذلك، فيحدث اختلال واضح في مشروعات الصحة والتعليم والثقافة وإنشاء الطرق والمرافق وجميع الأمور التفصيلية الكثيرة المتعلقة بسبل معيشة المواطنين. وعلي المستوي المحلي، وبمطالعة أرقام وبنود موازنة 2010 2011 سنجد أنها تدعو بالضرورة إلي التفكير العميق في كيفية مواجهة تلك الحالة التي تبدو مقلقة ولا ينبغي السكوت عليها فقد وصل العجز الاجمالي ما بين حجم الاستخدامات في صور انفاق مختلفة وبين حجم الايرادات والمتحصلات من القروض ومبيعات الأصول مبلغ 188 مليار جنيه وهو رقم قابل للزيادة بشكل مؤكد حتي نهاية السنة المالية، وعليه سيلزم اقتراض هذا المبلغ لسداد ما قيمته 82،3 مليار جنيه قيمة الأقساط المستحقة من القروض المحلية والأجنبية علي مدار هذا العام، وبذلك يصل العجز الكلي إلي نحو 105،7 مليار جنيه بنسبة 7،7% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغت قيمة هذا العجز الكلي في موازنة العام السابق مبلغ 98،7 مليار جنيه وبالتالي تكون هناك زيادة قدرها 7 مليارات جنيه، والملاحظ هنا أن قيمة هذا العجز في تصاعد مستمر ولم يتم وقفه أوحتي ترويضه بعد ويؤكد ذلك من زاوية أخري هذا التطور الزاحف الذي أمكن رصده للدين العام المحلي والخارجي خلال السنوات العشر الأخيرة منذ عام 2000 حيث بلغ وقتها حجم الدين المحلي نحو 245،5 مليار جنيه والخارجي 27،8 مليار دولار ليصل في عام 2009 إلي نحو 761،6 مليار جنيه للمحلي بزيادة قدرها ثلاثة أضعاف و31،5 مليار دولار للخارجي، وتمثل نسبة الدين المحلي وحده نحو 81% من الناتج المحلي الاجمالي، بينما النسبة المعيارية لا ينبغي لها أن تزيد علي 60%، بل الأكثر سوءا أن يصل مجموع صافي الدين العام المحلي والخارجي في نهاية يونية 2010 إلي نحو 1080 مليار جنيه بنسبة 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ولب الأزمة هنا يكمن أساسا في القروض وبالتالي خدمتها، فليس من المعقول أن تلتهم الفوائد المستحقة والأقساط الواجب سدادها في موازنة 2010/2011 ما نسبته 59% من حجم الايرادات المتاحة بالموازنة، فماذا تبقي من ايرادات لتغطية مخصصات الدعم أو للاستثمار أو لدفع أجور العاملين البالغة التدني في الأساس؟ ** ولعله من ذلك كله يتضح أن أصلا لداء إنما يكمن في الديون وخدمة أعبائها، وهو ما يتوجب التركيز علي مواجهتها إنقاذا لهذا الموقف. وفي مثل هذه الحالات من العجز الذي تواجهه موازنة أي دولة فإن بطاقة العلاج التي يقدمها صندوق النقد الدولي عند اللجوء إلي نصيحته أو أمواله أو الاثنين معا لا تتغير دائما، وأصبحت محفوظة ومكررة، ففي السطر الأول منها تبرز حتمية اللجوء إلي فرض ضرائب جديدة وزيادة المعدلات الحالية منها، وذلك بغية زيادة حصيلة الايرادات، وفي السطر التالي يتم إعادة النظر بشكل حازم في بنود الدعم ومخصصاته توفيرا للنفقات وهنا فغالبا ما يدفع فاتورة هذا الإصلاح القاسي فئة محدودي الدخل من المجتمع في المقام الأول حيث ترتفع الأسعار من ناحية ويعم الكساد من ناحية أخري، فيضطرب السوق وتزيد معدلات البطالة.