عندما يجاوز الظالمون المدي، تنفجر ثورات الشعوب الحية مستهدفة التغيير الفوري والجذري لاسقاط الطغاة ولاسقاط النظم الحاكمة المستبدة الفاسدة فإذا ما سقطوا يتابع المد الثوري مسيرته مستهدفا التغيير الاقتصادي والاجتماعي وذلك من خلال إعادة بناء مؤسسات المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وأخلاقيا. ويرتكز نجاح هذا التغيير الشامل علي التحرك السريع والمتواصل لتأمين الثورات أمنيا واقتصاديا في مواجهة الثورات المضادة والتدخلات الخارجية وأيضا يتوقف نجاح التغيير الشامل علي سرعة تحرك حكومات الثورات في مسارات متوازية لاختيار قيادات ثورية شابة وفق معايير موضوعية لكي تتولي مسئولية إعادة بناء تلك المؤسسات لاسيما الحكومية منها وما لم تبادر تلك القيادات الثورية الجديدة بتطهير تلك المؤسسات من بطانات الرئاسات المخلوعة، فإن نفس تلك البطانات تستمر قابضة علي مقاليد الأمور مع استمرار المناخ الفاسد الذي كان سائدا في تلك المؤسسات قبل اندلاع الثورات وهكذا تنتكس البلاد لتتقهقر إلي الربع الأول، بل إن لم يكن إلي ما هو اسوأ منه.. وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. ومثال ذلك في مصر ما يحدث في دواوين بعض الوزارات التي لم تفهم بعد ثورة يناير.. وربما لن ولا تريد أن تفهمها وإلي القارئ المثال التالي عن بيروقراطية وزارة النقل: 1 المفترض بعد الثورة أن يهتم كل وزير بوضع البرامج التي تتواءم مع الأهداف والسياسات العامة والمعايير التي من المفترض أن تضعها حكومة الثورة والمفترض أن يبدأ كل وزير بإعادة تنظيم القطاعات التابعة له والتأكد من أمانة وكفاءة شاغلي الوظائف الحاكمة في ديوان وزارته. وإذا ما استمر ما شاب بعض المشروعات القومية الكبري من فساد قبل الثورة فإن أقل ما يوصف به الحال أنها رخاوة وتمييع لا يتفقان مع مبادئ الثورة، بل سيشدها إلي الوراء. 2 ومن أهم المشروعات القومية الكبري قبل الثورة "مشروع شرق التفريعة" في بورسعيد الذي فتح ملفه منذ أكثر من ستة عشر عاما ويرتكز هذا المشروع علي جناحين: الأول تشييد ميناء محوري عالمي علي مساحة نحو 22 مليون متر مربع يخصص بأكمله لتداول حاويات بضائع الترانزيت والثاني منطقة حرة صناعية اقتصادية خصص لها نحو 87 مليون متر مربع في ظهير الميناء المحوري الممتد في غرب سيناء. 3 أهملت حكومات الجنزوري وعبيد ونظيف جناح المنطقة الصناعية ربما لأنه أكبر من قدرات ورؤي تلك الحكومات واهتمت بجناح تشييد الميناء المحوري وقد تحملت مصر بمفردها تكاليف تشييد الميناء وتم تأسيس "شركة قناة السويس للحاويات" لإدارة محطة الحاويات تشغيلا وتسويقا وفي الوقت الحاضر أصبح رأس مال الشركة المدفوع خمسة وخمسين مليون دولار موزعا كما يلي: خمسة وخمسون في المائة لمجموعة "أ. ب. موللر" الدنمركية وعشرون في المائة لشركة "كوسكو باسيفيك" الصينية وعشرة في المائة لهيئة قناة السويس وخمسة في المائة للبنك الأهلي وعشرة في المائة للقطاع الخاص المصري أصبح معظمها في حوزة محمد منصور وأحمد المغربي الوزيرين السابقين أما كارثة مد امتياز الشركة من 30 إلي 49 سنة فهي أمرغير مسبوق في عقود إدارة الموانئ المحورية علي مستوي العالم وقد حققت شركة "قناة السويس للحاويات" المصرية الجنسية التي يملكها الأجانب بنسبة 75 في المائة حققت صافي أرباح قدرها خمسة وخمسين مليون دولار بميزانية 2010 فاستعاد المساهمون ما دفعوه من رأس المال في سنة واحدة!! 4 في مايو 2010 كتبت مقالا بعنوان "ميناء شرق بورسعيد.. أين المصريون؟!" تضمن وقائع مد الامتياز إلي 49 سنة وفي 13/5/2010 أرفقته بخطاب أرسلته إلي رئيس الوزراء نظيف منبها إلي خطورة مد الامتياز حتي عام 2053 كما أرسلت نفس المقال إلي كل من رئيس الجمهورية ووزير النقل.. وكالعادة لم يتحرك أحد أرسلت المقال إلي الجرائد اليومية فلم تنشره ولو حتي كخبر عن كارثة مد الامتياز إلي 49 سنة وهو الأمر الذي يهم كل المصريين وبتاريخ 6/6/2010 انفردت صحيفة "العالم اليوم" بنشر معظم المقال بعددها 5915 وأيضا لم يتحرك أحد. 5 فجأة اندلعت ثورة 25 يناير ثم نشرت الصحف خبرا باحالة عقد ميناء السخنة إلي النائب العام نفي وزير النقل الخبر فيما بعد فأرسلت في 9/3/2011 برقية إلي كل من رئيس الوزراء ووزير النقل بأنه كان من الأولي إحالة عقد "شركة قناة السويس للحاويات" إلي النائب العام لاحتكار الشركة إدارة محطة حاويات شرق بورسعيد لمدة 49 سنة ولم يتحرك أحد. 6 بعد مرور 42 يوما علي ارسال البرقية بعاليه تلقيت ردا برقم 445 من إدارة خدمة المواطنين بالهيئة العام لموانئ بورسعيد تحيطني علما بأن: موضوع البرقية بشأن احتكار الشركة لإدارة محطة الحاويات لمدة 49 سنة هو قيد الدراسة بمكتب المهندس وزير النقل. 7 بتاريخ 17 ابريل أرسلت إلي كل من رئيس الوزراء ووزير النقل مظروفا بالبريد يحوي صورة البرقية بعاليه مرفقا