كان مفهوم «الثورة».. عبر التاريخ واضحا ومتفقا عليه علميا وعقلانيا ومنطقيا.. ليصبح الهدف الأساسى للثورات هو الصالح العام الذى يتحقق من خلال المعرفة والعلم حتى تحدث المصالحة بين أفراد المجتمع الواحد. إن كلمة «الثورة» التى وردت فى موسوعات وقواميس العالم تعنى الاندفاع الغاضب أو العنيف نحو تغيير جذرى للأوضاع السياسية والاجتماعية، تغييرا أساسيا بهدف تحقيق ما يسمى بالصالح العام. لذا قال المفكر الفرنسى الكبير «مونتسكيو» فى القرن السابع عشر: «إن الطغيان هو النظام الذى تقوم بسببه الثورات» كما عرفت «الثورة» أنها التغيير المفاجئ فى النظام السياسى والاجتماعى والمؤسسى القائم، أى ذلك التغيير الذى يعتمد على السرعة ليشمل أيضا النظام الأخلاقى. لهذا يمكن للثورة أن تصنع فى يومين ما كان يمكن أن يتطلب مائة عام، إلا أنها يمكن أن تخسر فى عامين إذا لم تتكاتف الجهود من أجل العبور بها إلى الأمان الاجتماعى فى مواجهة المحاولات المضادة. إذ يقول «شاتوبريان» الكاتب الفرنسى المعروف: إن الثورة هى الخط الذى يشطر الزمان إلى قسمين، ومعه الأفكار، والأخلاق، والقوانين، واللغة نفسها، نصف ما بعد ونصف ما قبل، متضادين لا يمكن التوفيق بينهما. حول تاريخ الثورات امتلأت الأسواق الفرنسية بالكتب التى تتحدث عن «الثورة فى عالمنا المعاصر»، دارت كلها حول كيفية كشف الثورة لطبيعة العلاقات الظالمة والعمل على هدمها، وبناء علاقات جديدة بهدف إبدال القيم. فالثورة هى الحدث الذى يغير مسار التاريخ، فما كان قبل الثورة لابد أن يختلف تماما عما هو بعد الثورة. وعلى سبيل المثال، عندما قامت الثورة الفرنسية فى عام 1789 بعد أن أعد لأفكارها سلسلة طويلة من الكتاب والفلاسفة والمفكرين مثل «جان جاك روسو»، و«فولتير»، و«ديدروه» لم تتفجر شرارة الثورة إلا بسبب «الخبز»، ثم تطورت لتجىء بالنظام الجمهورى بعد نظام ملكى فاسد، ليتغير وجه أوروبا كلها. وقد ثبت علميا أنه عندما تحدث ثورة فهى تكون فى مجتمع تسوده علاقات ظالمة، يعم فيه الفساد بحيث إن حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصونة وضائعة، أو أن تكون الحرية مجرد شعار يرفعه من يقوم بقمع الحريات، والمقصود بالظلم هنا أن تكون هناك طبقة مميزة عن باقى طبقات المجتمع. ولكن بعد أن يدرك الإنسان مكانته يسعى إلى تصور جديد يحكم على أساسه أو بناء عليه، فيعى أسلوب التمثيل أو الإنابة الذى يجعله يشارك فى تقرير مصيره بعد رفضه الديمقراطية التمثيلية ليعتنق الديمقراطية المباشرة، ألا وهى سلطة الشعب. ولأن مجمل هذه العلاقات من صنع الإنسان، يصبح ذلك الإنسان صانعا للتاريخ بهدف إحلال العلاقات السليمة والصحيحة. الشر الذى يحول الإنسان فيه الواقع الردئ والظالم إلى واقع أفضل وعادل. لأن رفض الإنسان للظلم والاستغلال وقمع الحرية هو فى حد ذاته ثورة تتطلب المعرفة والعلم. هذا لأن الثورة تبدأ بفكرة، الآن الذى اتضح جليا خلال فلسفة القرن الثامن عشر، وما قبله من فلسفة التنوير التى طرحت مبادئ مناقضة للوضع السائد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فى فرنسا، فكانت أهم العوامل التى أدت إلى قيام الثورة الفرنسية التى أسست لأيديولوجية المساواة والحرية. دور وعى الجماهير يتركز مدى نجاح الثورة على مدى وعى الجماهير، أى تلك الجماهير التى لم تصل إلى درجة من الإدراك بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لذا لابد أن تقوم القيادة الثورية المثقفة أولا: بإقناع الجماهير لتوضيح وتفهم الوضع بهدف الاستيعاب. لأن الثورة ليست هدفا فى حد ذاته، إنما هى وسيلة لتحقيق الأهداف بفعل واع وإرادة حرة تسعى لحرية الإنسان وسعادته واحترامه، وإقامة مشروع حضارى وسياسى واجتماعى. ثانيا: طرح البديل الذى يعبر عن الجماهير الثورية، الأمر الذى يعنى إبدال القيم التى بنيت على العلاقات الظالمة فى المجتمع لتتحول إلى مفاهيم الحق بحيث لا تكون الانتخابات الرئاسية حكرا، وكذلك وجود برلمان ينوب عن الشعب، ومن ثم الحيلولة دون استغلال رب العمل للعمل، ليحل نظام المشاركة. بحيث تتم عملية الإبدال بطريقة واعية تؤدى إلى وعى وتثقيف كل أفراد المجتمع بمفاهيم القيم الجديدة التى قامت الثورة من أجلها. وبقدر ما تكون تلك القيم إيجابية بقدر ما تكون سرعة الإنجاز، الأمر الذى يتطلب إزالى الموانع التى تحول دون عملية التقدم الإيجابى، هذا فى ظل المحافظة على المؤسسات الحامية ذات الشرعية. ولأن الثورة بمفهومها الواسع تعنى الجماهيرية فعلى هؤلاء التيقظ والحرص على عدم المساس بمؤسسات الدولة، بل العمل على تثقيفها وتدعيمها والبناء عليها. ما بعد التغيير يكون البديل وهو بناء مجتمع جديد يستند على النظرية الثورية التى ترسخ لمبادئ الحرية والمساواة والعدالة. فإن الثورة تختلف حسب البنية التى يعيش فيها أفراد المجتمع من مستوى ومعيشة والحريات السياسية والحالة الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية. وكذلك حسب البيئة الخارجية المحيطة بالمجتمع والمتمثلة فى العلاقات الخارجية مع مكونات المجتمع الدولى. ولذلك يلجأ الثوار لمؤسسة قائمة شرعية حامية ومؤثرة فى عملية تغيير النظام السياسى، وهى مؤسسة الجيش التى تسعى لبناء مجتمع إنسانى خال من الظلم.