لم يجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما يقوله سواء للإعلام المتعطش لمعرفة ما يدور في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، أو في كواليس الأحداث السياسية، ذلك بعد أن غدت التساؤلات أكثر من النتائج التي تحدث علي الأرض، لكن ربما يكون توصيف حالة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أبلغ صورها حينما عبر عنها ياسر عبدربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بقوله: "نعم يوجد تقدم.. ولكن إلي الخلف". ماذا يمكن أن يكون منتظراً بعد ذلك من مفاوضات مآلها إلي فشل أكبر بكثير من فشل سابقاتها من مفاوضات مضنية استمرت لأكثر من عشرين عاماً لذا لم يكن مستغرباً أن يظهر استطلاع جديد للرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أن ثلثي الفلسطينيين 66% يرفضون هذه المفاوضات خاصة في ظل استمرار الاستيطان مقابل 30% يؤيدون ذلك، وفي استطلاع آخر أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بداية الشهر الجاري بين أن ما يزيد قليلاً علي نصف الفلسطينيين يؤيدون عملية حماس المسلحة ضد المستوطنين وهي العملية التي وقعت يوم انطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن علما بأنهم يعتقدون أن هذه العملية هدفت لاجهاض هذه المفاوضات ومن هذه المعطيات فإن الأولويات لدي الجمهور الفلسطيني قد تغيرت وبدا واضحاً أن الأولوية الأولي قد أعطيت لملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس والتي بدأت تحركات حثيثة في هذا الاتجاه لضخ الدماء فيه من جديد وإحيائه مرة أخري، خاصة بعد أن استضافت دمشق أول جلسة للحوار نهاية الشهر الماضي بين فتح وحماس منذ صوغ القاهرة لورقة المصالحة في سبتمبر من العام الماضي، وكان للقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وعزام الأحمد عضو الوفد المفاوض في فتح قد أسفر عن التوصل إلي مخارج للنقاط الخلافية المتعلقة بالانتخابات ولجنتي الانتخابات والقضاء وموعدها وما يخص القيادة المؤقتة المقرر تشكيلها إلي حين إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق اتفاق القاهرة لعام ،2005 كما تضمن تحقيق انجازات تخص إعادة بناء أجهزة الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن لماذا هذه المرونة المفاجأة فيما يخص ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس والإجابة عن هذا السؤال تبدو سهلة وواضحة رغم أن حماس تريد شركة حقيقية في المواضيع السياسية والأمنية والإعداد للانتخابات التي لا يبدو أن فتح وظروف الضفة الغربية تغيرت جوهريا لصالح الاستعداد لقبول هذه الشراكة، غير أن الواضح تماماً أن السنة الأخيرة ارخت بضغوطاتها علي حركتي فتح وحماس، وأن هناك خلافات داخل فتح خصوصاً في الضفة الغربية، وبين رئيس الحكومة سلام فياض والرئيس عباس، وواضح أن هناك إدراكاً من حماس وفتح ومن الأطراف الأخري أن الانقسام يلحق الضرر الخطير بالقضية الفلسطينية، تستفيد منه إسرائيل، وأن الوحدة تخدم القضية وقد تخدم الموقف التفاوضي، إذا يحصن الفلسطينيون بالوحدة الوطنية. لذا فإن إطلاق عملية المصالحة كان يتضمن رسالة مزدوجة قد توحي بمحاولة الضغط علي الجانب الإسرائيلي لوجود خيارات بديلة إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية في التعنت ملفات حيوية ومعطيات عدة بدءاً من الاستيطان وانتهاء بالحدود واللاجئين ومروراً بالأمن الذي تعتبره إسرائيل أهم قضاياها من باب الابتزاز فقط. وفي هذا الإطار لا يمكن إغفال الضغط الأمريكي الواضح في الآونة الأخيرة علي الجانب الفلسطيني بالذات لإنجاز ملف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل رغم التظاهر بنفس الضغط علي إسرائيل غير أن الإدارة الأمريكية تستخدم سياسة الجزرة مع إسرائيل لتشجيعها علي قبول تمديد آخر لتجميد البناء في المستوطنات الذي استمر عدة شهور، وفي الجانب الفلسطيني فإن الرئيس عباس في انتظار اتفاق أمريكي إسرائيلي قبل أن يقرر العودة للمفاوضات، وهو يدرس خياراته بدقة في هذه المرحلة ولن يعود إلي المفاوضات ما لم يجر تمديد لتجميد الاستيطان، وربما يكون الخيار الثاني أمام الرئيس عباس العودة إلي المفاوضات حتي من دون وقف الاستيطان والشروع في إنجاز ملف المصالحة في الوقت نفسه وربما يتجه عباس إلي استخدام تكتيك يقوم علي عدم التفاوض وعدم الانسحاب من المفاوضات خاصة إذا لم يتم التوصل إلي اتفاق في شأن الاستيطان، ويرجح الموقف الأمريكي هذا الخيار ذلك أن الإدارة الأمريكية لا تحتمل مغادرة المشهد وترك الملف الفلسطيني-الإسرائيلي لجهات أخري!!