في يوم الأحد الماضي، تحدث وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، زعيم حزب العمل الشريك في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، في لقاء نظمته دائرة الكيبوتسات في حزبه، قال: »سألني الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن السبب في رفض اسرائيل مواصلة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها الحكومة الاسرائيلية السابقة برئاسة ايهود اولمرت، واضاف باراك انه رد علي محمود عباس قائلا: »نحن لا نعرف ما تركه اولمرت، فقد جلس في غرف مغلقة مع دخان السيجار الفاخر، ولا يوجد أي محضر جلسات، ولا أي تسجيل لمحادثات.. وكل ما نعرفه عن هذا الموضوع هو ما ورد في مقابلة صحفية أجراها اولمرت بعد أن أنهي ولايته وذكر فيها شيئا عن ذلك.. ومن بيان أصدره محمود عباس!! هذه هي نظرة إسرائيل للمفاوضات: مجرد ثرثرة لا تستهدف، بأي حال، التوصل إلي تسوية وإنما تستهدف إهدار الوقت لفرض حقائق جديدة علي الأرض. وكان مسئول فلسطيني قد قال لي ان مفاوضات باراك نفسه مع الجانب الفلسطيني التي اطلق عليها كامب ديفيد »2« وكذلك محادثات طابا بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. كانت بلا محاضر ومجرد كلام في الهواء! ولهذا السبب يخشي الكثير من القادة الفلسطينيين اجراء مفاوضات مع اسرائيل دون أي التزام بالمرجعيات والتفاهمات السابقة، وخاصة ان الموقف الاسرائيلي لم يتغير علي الاطلاق. ويري هؤلاء ان المفاوضات ستكون عبثية إذا لم تستند إلي سقف زمني ومرجعية واضحة ومحددة، وهي ان حدود الدولة الفلسطينية الموعودة هي حدود الرابع من يونيو عام 7691، وخاصة ان برنامج الائتلاف الحاكم في اسرائيل يدعو صراحة لاعتبار القدس »عاصمة أبدية موحدة للدولة العبرية« ويعتبر الاستيطان جزءا من العقيدة الصهيونية.. ولا يستبعد هؤلاء الفلسطينيون ان يكون حماس نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل لاستئناف المفاوضات المباشرة شكلا من أشكال المناورة السياسية أو نوعا من »التنويم المغناطيسي« للفلسطينيين، وغطاء لحروب أمريكية - اسرائيلية في مناطق أخري مثل إيران، ولتمرير انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وهذا الحماس من جانب نتنياهو لا يعني سوي ان الذئب يرتدي.... ثياب الحمل! وإذا صح ما نشر حول رسالة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للرئيس محمود عباس.. فاننا نكون بازاء موقف صعب، ذلك ان اوباما - وفقا لما نشرته مصادر معينة- يحذر عباس من رفض الانتقال إلي المفارضات المباشرة مع اسرائيل لأن هذا الرفض ستكون له آثار سلبية علي العلاقات الأمريكية - الفلسطينية تتمثل في انعدام الثقة في الرئيس الفلسطيني والجانب الفلسطيني بوجه عام!! كما يهدد اوباما بان الرفض الفلسطيني سيدفع الادارة الامريكية إلي الامتناع عن المساعدة في تمديد فترة وقف الاستيطان في الضفة الغربية. وربما كانت العبارة الوحيدة التي تلقفها المدافعون عن استئناف المفاوضات المباشرة- في رسالة اوباما- هي قول الرئيس الأمريكي بان الادارة الأمريكية »تتوقع« ان تتعامل المفاوضات مع الأراضي المحتلة عام 7691، وان المفاوضات ستشمل القدسالشرقية وغور الأردن والبحر الميت وقطاع غزة..« وفي رأي قطاع غير قليل من الفلسطينيين ان رسالة اوباما تعلن الانحياز الأمريكي التام إلي جانب اسرائيل، وان القبول بالمفاوضات المباشرة في ظل هذه الظروف يشكل انتحارا سياسيا أو خضوعا للابتزاز ولوعود فارغة المضمون. وسيجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال أيام لوضع خطة التحرك الفلسطيني في الفترة القادمة. والجانب المثير في قصة المفاوضات المباشرة هو ما أذاعه راديو إسرائيل حول لقاء جري في الثامن من شهر يوليو الماضي في فندق »الأمريكان كولوني« في القدسالمحتلة بين وزير العدل الاسرائيلي السابق »حاييم رامون« ورئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات حاول خلاله رامون اقناع عريقات برفض المفاوضات المباشرة مع الجانب الاسرائيلي، لأن هذه المفاوضات لن تكون سوي اهدار للوقت، وان الفلسطينيين لن يحصلوا علي أي شئ من نتنياهو. وطبقا لراديو اسرائيل، فان حاييم رامون ابلغ عريقات بأنه مبعوث من الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز. وقد تأكد ان رامون التقي بالفعل مع بيريز علي الغداء في اليوم السابق »7 يوليو« وابلغه بانه سيلتقي في اليوم التالي مع عريقات. ولم يصدر نفي سواء من بيريز أو رامون أو عريقات لواقعة اللقاء، ولكن الأول نفي ما اذيع عن موقفه من المفاوضات. وبطبيعة الحال، فان ردود الفعل الصاخبة من جانب اليمين الاسرائيلي المتطرف اتهمت كلا من بيريز ورامون بتقديم المساعدة »للعدو«. وبعيدا عن ذلك كله، فان القضية المهمة هي ما تفعله اسرائيل علي أرض الواقع. فقد أعلنت منظمة »بتساليم« الاسرائيلية للحقوق المدنية، مؤخرا ان اكثر من نصف مليون مستوطن اسرائيلي يقيمون علي أراض تقع في الضفة الغربية الفلسطينية داخل 121 مستوطنة »رسمية« بالاضافة إلي مائة ألف بؤرة استيطانية »غير رسمية«، ويقيم جزء من هؤلاء المستوطنين في 21 من أحياء القدس التي سبق ان تقرر ضمها وإلحاقها ببلدية القدس الاسرائيلية. وتقول منظمة »بتساليم« ان ذلك يعني ان حوالي 34 في المائة من الضفة الغربية يقع تحت سيطرة الاسرائيليين المستوطنين، أي ان اسرائيل استولت بالفعل علي حوالي 2 مليون و993 ألفا و428 دونما من الأراضي »الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع«. والمعروف ان البؤر الاستيطانية »غير الرسمية« تتلقي مساندة ودعم وزارات اسرائيلية متعددة، بالاضافة إلي دعم الجيش والادارة المدنية الاسرائيلية، كما ان الاحياء التي تم ضمها في القدس إلي دولة اسرائيل تشكل جزءا من مخطط يفصل القدس عن الضفة الغربية. وفي نفس الوقت، فإن منطقة الأغوار، علي طول الحدود مع الأردن- والتي تمثل ربع مساحة الضفة الغربية.. اصبح 59 في المائة منها تحت سيطرة المستوطنين والمحتلين المدججين بالسلاح، هناك يوجد آلاف من الجنود وآلاف آخرون من المستوطين.. يحاصرون ويلاحقون الفلسطينيين في الخمسة في المائة المتبقية من الأغوار، وبعد ان نجحت سلطات الاحتلال في تهجير الفلسطينيين من الأغوار، اعلنت أن الأراضي هناك منطقة عسكرية مغلقة و»أراضي دولة« »!« وعزلت المنطقة عن بقية الضفة الغربية. تري.. حول أية أراضي ستدور المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية المباشرة؟!