إذا كانت القمة الرابعة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد حققت هدفين يتعلقان بمستوي الحسابات الاستراتيجية لكل منهما وأفق عملية السلام، فإنه علي الجانب الآخر من الصورة بدا ذلك مزعجا للفلسطينيين الذين أبدوا عدم ارتياحهم من دعوة الرئيس أوباما للانتقال إلي المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وفي وقت ينتظر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس اشارات إسرائيلية في شأن مسائل الأمن والحدود قبل القبول باستئناف المفاوضات المباشرة. ويجد عباس نفسه أمام خيارين صعبين عقب هذا التطور، فإما أن يرفض قبول الطلب الأمريكي بالانتقال إلي المفاوضات المباشرة الأمر الذي سيؤدي إلي الغاء اسرائيل للتجميد المؤقت والجزئي للبناء الاستيطاني أو أن يقبل الانتقال إلي المفاوضات المباشرة والدخول تاليا في حلقة مفرغة من المفاوضات المتواصلة من دون نتائج الأمر الذي يؤدي مع الوقت إلي تآكل شرعية ومصداقية القيادة الفلسطينية أمام جمهورها. لقد أوصت تصريحات مسئولين إسرائيليين كبار بأن القمة التي جمعت بين أوباما ونتنياهو مهدت الطريق أمام مفاوضات مباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية تنطلق قبل أواخر سبتمبر المقبل موعد انتهاء فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية، والتلميح الذي صدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك بأنه في حال استئناف المفاوضات المباشرة فإن اسرائيل لن تستأنف البناء علي مستوطنات الضفة بعد فترة تعليقة خاصة أن نتنياهو أوضح للرئيس الأمريكي بأن انهاء الصراع ممكن فقط من خلال مفاوضات مباشرة وأنه يجب جمع كل المسائل والبحث فيها كلها وطرح مسألة انهاء الصراع علي الطاولة وليس فقط البحث في القضايا الجوهرية للصراع. ويبدو أن الرئيس الأمريكي متعلق بالكونجرس المؤيد لإسرائيل وبناخبه الذين أدار له بعضهم ظهره بسبب سياسته الباردة ازاء اسرائيل ومن هذا المنطلق رأت الأوساط الإعلامية والسياسية في اسرائيل أن نتنياهو حقق نجاحا كبيرا في مواجهة الضغط الأمريكي، من دون أن يقدم تنازلات جدية، كما أن نتنياهو نجح في حشد تأييد الأحزاب الأمريكية له ولم يعرض ائتلافه اليميني إلي خطر، حينما غادر البيت الأبيض من دون أن يقول كلمة تغضب المتشددين في حكومته وقادة المستوطنين. في إطار تضارب التصريحات، وعدم اتضاح الرؤيا في نتائج القمة بين الزعيمين فقد بررت الإدارة الأمريكية هذه القمة والتعاطي معها من منطلق إعطائها دفعة لعملية السلام، خصوصا كون أوباما نقل لنتنياهو مطلب الرئيس عباس القيام بخطوات تحفز الثقة في الضفة الغربية، واثبات جديته في المفاوضات. بلا شك فإن هناك تقاطعا للمصالح بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية في شأن إطلاق المفاوضات المباشرة، بغض النظر عن الصعوبات والتحديات التي تحيط بفرص الوصول إلي اتفاق علي حل الدولتين وسيكون التركيز في المرحلة المقبلة علي ضخ المزيد من الحياة في المفاوضات غير المباشرة في شكل يعكس جدية الجانب الإسرائيلي بحسب اعتقاد الإدارة الأمريكية بعدما قدم عباس التصور الفلسطيني بالكامل حولها وتمهيدا للانطلاق نحو مرحلة المفاوضات المباشرة وتفادي الوقوع في أي أزمة استيطانية أو أمنية قبل ذلك. ومن هذا المنطلق فإن إسرائيل تكثف ضغوطها هذه الأيام، السياسية والإعلامية علي الفلسطينيين للانتقال إلي المفاوضات المباشرة، رغم أن تصريحات نتنياهو، وتسريبات أوساطه الإعلامية تؤكد أنه يريد من المفاوضات المباشرة البحث في مسألة الحدود أولا، أو المستوطنات كما قال في مقابلات مع محطات تلفزة أمريكية، وبينما تهرب نتنياهو في لقاءاته وتصريحاته من الرد المباشر عن احتمال تحديد فترة تعليق البناء من عدمه، قالت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية إن نتنياهو توصل إلي تفاهم مع الرئيس الأمريكي في اجتماعهما يقضي بألا يعلن نتنياهو علي الملأ استئناف البناء في مستوطنات الضفة الغربية مع انتهاء فترة تعليقه، وذلك لتفادي عرقلة المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية المتوقع أن تكون انطلقت قبل الموعد المذكور، أو أن تكون الاتصالات لاستئنافها في مرحلة متقدمة، كما يقضي التفاهم بألا يقوم نتنياهو بأي اجراء من شأنه مفاجأة الرئيس أوباما واحراجه، ومن هنا جاءت حالة الانتشاء التي اعترت نتنياهو بعد نجاح اجتماعه مع الرئيس أوباما.