أول اتفاق ينظم حصص المياه بين مصر ودول المنبع وقّع في عام 1929 في ظل الاستعمار البريطاني لهذه الدول ، جري تثبيت الاتفاق في عام 1961 بإقرار قانون دولي ينص علي اعتماد الاتفاقات المعقودة بين الدول خلال الحقبة الاستعمارية دون أي تغيير ، هذا يعني عدم المساس بقاعدة توزيع مياه النيل وأنها ملزمة تماماً مثل الالتزام بقاعدة عدم المساس بالحدود السياسية الموروثة عن الاستعمار بين الدول الإفريقية . جاءت بعد ذلك معاهدة فيينا لعام 1978 لتؤكد علي هذا المبدأ بشكل مباشر وصريح ، نظرا لوجود أنهار مشتركة بين أكثر من دولة في أوربا ذاتها . المثير للدهشة حقا هو الاتفاقيات الثنائية بين كل من أثيوبيا وأوغندا ، الأول بين مصر وأوغندا في عام 1991، والثاني بين مصر وإثيوبيا في عام 1992، وكلاهما يؤكدان علي عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل . مع ذلك جاءت أوغندا وأثيوبيا ومعهما تنزانيا وبوروندي من بين الدول الأربع التي وقعت علي اتفاق إعادة تقسيم مياه النيل وإلغاء الحقوق التاريخية والمكتسبة لدولتي المصب "مصر والسودان " ، بينما اعتذرت كينيا ورواندا والكونغو الديمقراطية عن التوقيع وطلبت التأجيل . يشير الانشقاق بين دول الحوض حول الموقف من دول المصب الي حدث تخلخل في تجمع دول المنبع مما يفتح الطريق الي مفاوضات جديدة ، بالاضافة الي أن مخالفة القانون الدولي بتجاهل حقوق مصر والسودان لن يحقق مصالح الدول التي أهدرت قاعدة الاجماع علي أي نحو كان . ويشار في هذا السياق إلي أن قواعد البنك الدولي، تؤكد علي أهمية التشاوربين دول المنبع ودول المصب قبل الشروع في تنفيذ أية مشروعات مائية بالدول المشاطئة للأنهار المشتركة، كما تؤكد علي مبدأ عدم الإضرار بدول المصب، وهي قواعد التزم بها البنك علي مدار تاريخه. نتج تخلخل موقف دول المنبع عن تحرك مصري سريع بدأ منذ أن أطلقت الدول السبع تهديدها في اجتماع شرم الشيخ الأخير، وتوعدت بأنها ستواصل التوقيع علي اتفاق جديد بدون انتظار موافقة مصر أو السودان ، تحركت مصر في اتجاهين الأول نحو الجهات الدولية المانحة لتوضيح الموقف المصري من انفراد دول المنبع بتقرير مصير المياه ، وهذا ما تفهمته تلك الدول ، ودفع الاتحاد الأوروبي إلي إبلاغ دول الحوض الي أن دول الحوض ستخسر فرصة إنشاء علاقات اقتصادية بناءة ، إذا لم تعمل معاً . التحرك الثاني كان في اتجاه دول الحوض ذاتها، حيث كثفت القاهرة اتصالاتها الدبلوماسية مع هذه الدول لإقناعها بالعودة إلي مائدة المفاوضات مرة أخري، وكان من النتائج أن بدأت كينيا في لعب دور الوسيط بين مصر والسودان، ودول المنبع للاتفاق علي العودة إلي طاولة المفاوضات من جديد حول النقطة الخلافية في الاتفاق الإطاري لمبادرة حوض النيل .