الأمر المؤكد أن د. ليلي تكلا حقيقة مصرية هادئة وعميقة التأثير، ومن يقرأ لها يعرف قيمة ما أقول. ومنذ ان استمعت لها من مناقشات في سلسلة مؤتمرات حقوق الإنسان العربي التي انعقدت بسيراكوزا بإيطاليا منذ عام 1985 وأنا أتابع كل حرف تكتبه، فالتجرد والإخلاص والنقاء هي الجوهر المحرك لكل جملة تأتي علي طرف قلمها لتصل الي القاريء. وهي فوق كل ذلك زوجة المؤسس لمعني الأمن العلمي بمصر المحروسة وهو الدكتور عبدالكريم درويش الذي استطاع ان إقناع جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين وشعراوي جمعة بأهمية العلم في تحقيق الأمن، وتأسست أكاديمية الشرطة علي يديه، وتأسست أيضا الدراسات العليا في علوم الشرطة علي يدي الرجل الجليل. أكتب ذلك لأني أقدم إعتذارا متعدد الأوجه لليلي تكلا المفكرة التي ترأس الجمعية المركزية للحفاظ علي البيئة عن العشاء الذي دعتني إليه ومعها صفوت النحاس رئيس إتحاد جمعيات التنمية الإدارية، وهو العشاء الذي يتحدث فيه واحد من سادة الفهم لمعني صيانة الجذور الأساسية للحضارة المصرية، وهو د. سمير فرج محافظ الأقصر، حيث سيتحدث الرجل عن رحلة الحفاظ علي التراث والموارد. وهي رحلة كان من المممكن ان تكون قاسية علي أي شخص آخر غير سمير فرج، فمن يعرفه عن قرب في أسلوبه الإداري يمكن له ان يعرف انه لا توجد عند سمير فرج أي مشكلة عويصة، لأن رحلته مع العلم المعاصر تأكدت من خلال دراساته العسكرية والتي تفوق فيها بشكل أخاذ، فضلا عن خوضه معارك مصر القتالية بشكل فعال، وفوق كل ذلك أدار أصعب مؤسسة مصرية يمكن لأي إنسان ان يغوص في مشكلاتها دون ان يصل إلي حل، فقد أدار الأوبر المصرية، وما أدراكم ما الأوبرا المصرية بكل ما فيها من اتجاهات ومشارب وطفولة نفسية للفنانين، وألاعيب يمكن ان تدخل علي "أجدعها" مدير، ولكنه كعادة القادة العظام استطاع ان يدرس مسرح العمليات واستطاع ان يرسم حدودا لكل فرقة، ولا أظن ان الأوبرا منذ تأسيسها قد نجحت مثلما نجحت أثناء إدارة سمير فرج لها، وعندما انتقل الي الأقصر أيقنت انه سيزيل عنها روث العقول والقلوب الصدئة ليهبها حقيقتها التي يمكن ان تفخر بها بعد ان يستمع الي مواطنيها. أما صفوت النحاس فهو الفاهم بعمق لدهاليز البيروقراطية المصرية عبر دراساته العميقة لمشكلات إنتاج الإنسان المصري في اي موقع، ولو كان تحت تصرفه أموال لتدريب البشر علي جودة الإنتاج لاختلف الحال في حكومة مصر المحروسة وهكذا، ومن خلال شرح مكانة الثلاثة الكبار في حياتي، لكم ان تتصوروا الخسارة التي يمكن ان يفقدها الإنسان حين يعتذر عن عشاء مع هؤلاء الثلاثة، ولكن ماذا افعل في ظروف عائلية فرضت علي التواجد بالاسكندرية لرعاية مريضة قريبة جدا من قلبي، تعاني شللا رباعيا، وأريد ان أرسم مع معالجيها أسلوبا لحياتها الصعبة خصوصا وهي في الثامنة والأربعين من عمرها.. هل تقبلون الاعتذار أيها الأحباء؟