ب 143 مليون جنيه.. دخول ثلاث مدارس جديدة الخدمة وتجديد 16 بقنا    منتدى شباب العالم.. نموذج لتمكين الشباب المصري    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    مبادرات منتدى شباب العالم.. دعم شامل لتمكين الشباب وريادة الأعمال    لمواجهة السرقات.. "الكهرباء" ومجموعة "الصين الجنوبية" تبحثان التعاون في خفض الفقد وسيارات الطوارئ    قرار جديد من محافظ القاهرة بشأن البناء على أراض الفيلات والقصور التي تم هدمها    حان وقت الصناعة مستثمرون: مبادرات الرئاسة «طوق النجاة».. وننتظر التسهيلات    برلمانى: مبادرة بداية جديدة تعكس رؤية شاملة لتعزيز التنمية الاجتماعية    انتهاء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ والمجالس الإقليمية في التشيك    من اتفاق أوسلو حتى العدوان الأخير على غزة    انطلاق مباراة ليفربول وبورنموث بالدوري الإنجليزي    الشباب والرياضة بالجيزة تطلق مبادرة لتزيين أسوار المراكز    جهود صندوق مكافحة الإدمان في العلاج والتوعية×أسبوع (فيديو)    صور| إحباط ترويج 88 كيلو مخدرات وضبط 30 عنصرًا إجراميًا بالمحافظات    ضبط 6.3 طن لحوم ودواجن غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالجيزة (صور)    حلة محشي السبب.. خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية بالفيوم    تعرف على لجنة تحكيم مسابقة شباب مصر بالإسكندرية السينمائي    قصور الثقافة تختتم أسبوع «أهل مصر» لأطفال المحافظات الحدودية في مطروح    برلماني: توطين صناعة الدواء يوفر احتياجات السوق المحلي ويٌقلل الفاتورة الاستيرادية    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    وزيرة التنمية المحلية: المحافظات مستمرة في تنظيم معارض «أهلًا مدارس» لتخفيف المعاناة عن كاهل الأسرة    الهلال الأحمر العراقي يرسل شحنة من المساعدات الطبية والأدوية إلى لبنان جوًا    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    اليوم ...المركز القومي للسينما يقيم نادي سينما مكتبة مصر العامة بالغردقة    هاني فرحات عن أنغام بحفل البحرين: كانت في قمة العطاء الفني    بعد إعلان مشاركته في "الجونة السينمائي".. فيلم "رفعت عيني للسما" ينافس بمهرجان شيكاغو    مع قرب انتهاء فصل الصيف.. فنادق الغردقة ومرسى علم تستقبل آلاف السياح على متن 100 رحلة طيران    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    في اليوم العالمي للسلام.. جوتيريش: مسلسل البؤس الإنساني يجب أن يتوقف    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    ميدو يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود الورداني يكتب عن‏:‏ ليلي تكلا‏..‏ كاتبة كبيرة تعرف قيمة الوطن

‏..‏ كل هذا لا ينفي أنه وجدت فترات وقعت خلالها أحداث شغب وصدام بين المسلمين والمسيحيين أو غيرهم‏,‏ لكنها لم تستمر طويلا‏,‏ والملاحظ أنها ارتبطت بفترات التخلف والكساد والتسلط من الحكام أو السلطة الدينية‏,‏ أما حالات الازدهار
أو خلال تعرض الوطن لما يضيره من هجمات او استعمار أو كوارث‏,‏ فإن المصري دائما يرتبط بوطنه ومواطنيه قبل كل شيء‏,‏ فهو يذهب للحرب والدفاع ويموت ليس لأنه مسلم أومسيحي‏..‏ ولكن لأنه مصري‏.‏
السطور السابقة اجتزأتها من الصفحات الأخيرة من كتاب‏..‏ التراث المسيحي الإسلامي للدكتورة ليلي تكلا الصادر أخيرا عن دار الشروق‏,‏ وهو كتاب جاء في وقته تماما‏,‏ ليس فقط بسبب استمرار المناخ المعادي لتقاليد الوحدة الراسخة بين أقباط مصر ومسلميها‏,‏ بل أيضا لأن المؤلفة وضعت في اعتبارها عدة قضايا رئيسية بدونها سيكون الحوار حوار طرشان كما يقول الشوام‏.‏ وفي مقدمة هذه القضايا ان الحوار المشترك ليس من شأنه اقناع أحد الطرفين بمعتقدات الطرف الآخر‏,‏ بل تقبل واحترام تلك المعتقدات‏,‏ وقبول التنوع‏,‏ لأن الإيمان قضية خاصة جدا بين الإنسان وخالقه‏.‏ وتنقل د‏.‏ تكلا‏,‏ وهي القبطية المصرية عن د‏.‏ احمد الطيب شيخ الأزهر دعوته الي ضرورة اقصاء العقائد الدينية اقصاء كليا من مجال الحوار أو المصالحة أو الإصلاح‏,‏ ويحدد العقائد الدينية بأنها تلك التي يختلف بها هذا الدين عن ذاك‏,‏ وتجعل من المؤمنين بها إما يهودا أو مسيحيين أو مسلمين‏.‏ هذه العقائد دوائر مغلقة علي أصحابها المؤمنين بها‏,‏ ويجب أن تكون محل احترام متبادل بين الجميع‏,‏ وهي لن تكون أبدا محل إيمان أو اعتراف متبادل بين أتباع الأديان‏,‏ أو تعديل لمصالحة طرف آخر ويضيف‏:‏ الأمر الوحيد المقبول في الحوار هو وجوب أن يحترم كل طرف عقيدة الآخر‏,‏ ويسلمها له‏,‏ وإن لم يؤمن بها الطرف المقابل‏.‏
والحال أن الجهد المخلص الذي قدمته د‏.‏ تكلا في كتابها كما أكدت مرارا وتكرارا ليس مناظرة بين جانبين‏,‏ إنه ببساطة دعوة للفهم المشترك والاحترام المتبادل‏,‏ ولكل الحق في التمسك بما يؤمن به مع احترام إيمان الآخر وحقه في الاختلاف‏.‏
وقبل أن أواصل عرض القضايا التي أولتها د‏.‏ تكلا عنايتها‏,‏ أود أن أشير الي أنه من بين مآثر هذا الكتاب انه مكتوب للقاريء العام لا المتخصص‏,‏ وهو ما نحتاجه بشدة‏,‏ ولن أضيف جديدا عندما أقول إن قسما لا يستهان به من الرأي العام قد تم الاستيلاء عليه من المتطرفين من الجانبين‏,‏ وما نحتاجه حقا هو استعادة القاريء العام‏.‏
ومن بين مآثره أيضا إدراك الكاتبة ان القضية سياسية وليست دينية‏,‏ وهو ما أكدت عليه طوال صفحات الكتاب تقريبا‏,‏ ليس هناك خلاف ديني‏,‏ ولم يعرف التاريخ حروبا دينية الا في عصور الهمجية والتوحش‏,‏ وحتي الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد القاعدة واحتلت بسببها افغانستان ليست حربا دينية‏,‏ بل حرب سياسية‏,‏ وهي حقيقة لا تحتاج لإثبات‏.‏ فالصليبيون علي سبيل المثال‏,‏ الذين حاربوا تحت راية الصليب‏,‏ كانوا يحاربون لأهداف سياسية مهما ادعوا بغير ذلك‏,‏ ويمكن باطمئنان شديد تأكيد هذه الحقيقة من خلال عشرات الأمثلة والحروب القديمة والجديدة علي السواء‏.‏
اختارت د‏.‏ تكلا أن تناقش قضاياها من خلال جزءين رئيسيين‏,‏ الأول في مسألة السلام والصدام‏.‏ والثاني التراث المسيحي الإسلامي المشترك فضلا عن ستة ملاحق في آخر الكتاب‏.‏ وفيما يتعلق بالجزء الأول تؤكد الكاتبة أنه في أعقاب انفراد الولايات المتحدة بالسيادة العسكرية علي العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي‏,‏ اندلعت القلاقل والحروب والفوضي‏,‏ وخرجت نظريات جديدة تبشر بالصراع الديني وتحديدا بين الإسلام والمسيحيين‏.‏
وفي هذا السياق تناقش ما يثار حول الثقافة اليهودية والمسيحية مشيرة بوضوح لا لبس فيه إلي أن ذلك التعاطف الذي يبديه بعض المسيحيين في الغرب للصهيونية جاء وانتشر من أجل قيام واستمرار دولة اسرائيل‏,‏ أي لأسباب سياسية واستراتيجية واستغل ما تعرض له بعض اليهود مع غيرهم علي يد النازية وتضيف إنه اتجاه سياسي بحت يستخدم لدعم ومساندة اسرائيل‏.‏
وتضيف أيضا أن هذا الاتجاه يتصل في المقام الأول بمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والانتخابية‏,‏ وهذه المصالح قد يدور حولها صراع بل صراعات‏,‏ أما المعتقدات الدينية فهي في جوهرها دعوة للسلام وللتعايش واحترام التعدد‏.‏ وعندما تتعرض لنظرية هنتنجتون التي تقوم علي ثنائية الصراع بين حضارات الشرق والغرب‏,‏ وبين المسيحية والاسلام‏,‏ تؤكد ان الحضارات لا ديانة لها‏,‏ وحضارة الغرب ليست مسيحية كما يحاول البعض الترويج دون سند من الحقيقة‏,‏ بل هي حضارة مادية قامت علي أسس الرأسمالية‏,‏ والمسيحية ليست غربية فقط‏,‏ وهناك مسيحيون عرب يعتزون بالهوية العربية‏,‏ وكان لهم دور في اثراء الحضارة العربية حتي قبل الإسلام مثل حاتم الطائي وامرؤ القيس وقيس بن ثعلبة وزهير بن أبي سلمي والمهلهل بن ربيعة وطرفة بن العبد‏,‏ كما أن الأخطل ويحيي بن عدي العباسي كانا شاعرين مسيحيين‏.‏
وفي هذا السياق تنقل عن البابا شنودة قوله إن الغرب له مصالح في العالم الإسلامي‏..‏ أرض البترول الذي تعتمد عليه الحضارة الغربية‏..‏ هي السوق الواسعة للمنتجات الغربية التي تنقل ثروات العالم الاسلامي الي الغرب والتاريخ القديم والحديث حلقات من تاريخ الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي‏,‏ ليس صراع عقائد وليس صراع ديانات وليس صراع حضارات ولا ثقافات ولكنه صراع مصالح‏..‏ مصالح الغرب مرتبطة ببقاء العالم الإسلامي منقسما وجاهلا ومنشغلا بصراعاته الداخلية ومرفوضا‏..‏ وعندما تأتي الكلمات السابقة من رجل دين‏,‏ ومن البابا شنودة تحديدا‏,‏ فهذا يعني أن الحوار بين الأقباط والمسلمين‏,‏ وبين الغرب والعالم الإسلامي‏,‏ يجب أن ينتقل الي مستوي جديد‏,‏ يتناقض تماما مع الأفكار السطحية والشائعة حول الصراع الديني‏.‏
واذا كانت المؤلفة بحثت في الجزء الأول مدي صحة مقولات التراث اليهودي المسيحي ونظريات صراع الحضارات وصدام الأديان‏,‏ فإنها سعت في الجزء الثاني الي التصدي لهدم دعاوي الفرقة ودعم نداء التعايش والسلام من واقع ما بين المسيحية والاسلام من توافق وتقارب‏,‏ بل ورغم ما قد يكون بينهما من اختلاف حسب تعبيرها‏.‏ غني عن البيان أن مظاهر الفتنة التي تطل برأسها بين الحين والآخر تعكس مناخا من سوء الفهم المتبادل والمتعمد جانبا‏,‏ وليس أمام أقباط مصر ومسلميها إلا التمسك بتقاليد الوحدة الراسخة والتي تم اختبارها في عشرات المعارك التي خاضها الطرفان ضد العدوان الخارجي‏,‏ والخطوة الأولي في هذا الأمر‏,‏ تتمثل أولا وقبل كل شيء في التسليم بأن لكل معتقده الديني‏,‏ وقبول ان الإيمان قضية خاصة بين الإنسان وخالقه‏,‏ والمعتقدات الدينية حسبما ذكر شيخ الأزهر د‏.‏ احمد الطيب يجب أن تكون محل احترام متبادل بين اتباع الأديان وهو مايستدعي بطبيعة الحال‏..‏ في نظر كاتب هذه السطور التمسك بالدولة المدنية حسبما نص الدستور‏,‏ وتنقية القانون من كل ما يتناقض مع الدولة المدنية‏,‏ فالكارثة أقرب مما نتصور‏,‏ والخطر محدق بالوطن‏.‏ وفي النهاية‏,‏ هذا الكتاب اسهام كبير من كاتبة كبيرة مصرية قبل أن تكون قبطية أو مسلمة‏,‏ تعرف جيدا قيمة الوطن‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.