لا يمكن ان اري اسم الأستاذة الدكتورة ليلي تكلا علي مقال أو بحث إلا وتستغرقني كلماتها البسيطة والمدهشة التي تتحدث دائما عن بديهيات ينساها أهل الغرور بالقوة، هؤلاء الذين لا يلتفتون إلي أن القوة يكنسها الزمن دائما بعيدا عن المستقبل، فكل قوة مصيرها إلي زوال، ولا يبقي في الأرض إلا العمل الصالح. أول مرة رأيت فيها الدكتورة ليلي تكلا كانت في ديسمبر من عام 1985 حيث انعقد في مدينة سيراكوزا بجزيرة صقلية مؤتمر لوضع مشروع قانون حقوق الانسان العربي. وكان الداعي للمؤتمر المعهد العالمي للقانون الجنائي الدولي. وكان الوفد الفلسطيني هو أكثر الوفود بحثا عن حقوق الانسان، نظرا للمهانة العميقة الجذور والتي تستهين ومازالت تستهين بمعاني أن يكون الانسان فلسطينيا. وحين تكلمت ليلي تكلا رأيت في صوتها وايمانها كل رسالات السماء، بدءا من موسي إلي المسيح إلي محمد عليهم جميعا افضل الصلوات وأكمل السلام. وتدور الأيام لأتابع ما تكتبه هذه البسيطة العالمة الجليلة في جريدة الأهرام، حيث تنبع كلماتها من صفاء شديد الوهح، عميق الصدق، ودائما حين اراها اقول لها: "أنت هبة من السماء للمصريين، فأنت تذكرينا دون ضجيج بما يجب أن يكون عليه الانسان". وخلال الاسبوع الماضي كان لي شرف حضور مؤتمر البحر المتوسط الذي يناقش عقبات السلام بين شماله وجنوبه، وبين اركانه، وكان رأسي متوهجا بقراءة جزء من التاريخ الدموي لهذا البحر الذي تناحرت حوله الحضارات، علي الرغم من أنه كان مهد الأديان السماوية الثلاثة القائدة لأفكار الايمان في عالمنا، حيث ان بقية العقائد لا تتم نسبتها إلي السماء، بل إلي الجهود البشرية لاستخلاص الحكمة الامنة التي تتيح للبشر أن يعيشوا معا. وهناك بديهية تركز عليها مصر وكل مفكر فيها أعني بها قضية الصراع العربي الاسرائيلي، فلا يمكن أن ينشأ تواصل بين شمال البحر المتوسط وجنوبه دون حل متوازن للقضية الفلسطينية. فإذا كانت أوروبا تريد اقامة جسور للتواصل مع الجنوب، فإن عليها المساهمة في حل القضية الفلسطينية، فهذه القضية هي محور أنهار الدم السائلة من الجانبين، ولكن لأن أوروبا تلعب دائما وهي تمسك بذيل الولاياتالمتحدة، لذلك فهي تطلب من الفلسطينيين أن يبيدوا أنفسهم بأنفسهم، وتطلب من العرب أن يشاركوها لعبة الابادة تلك. حين تكلمت ليلي تكلا عن الحضارات والاديان في مصر علي سبيل المثال كررت ما هو معروف لنا جميعا من أن جوهر الاديان واحد، وأعني به صيانة الانسان من شرور الانسان. وان السبيكة المصرية في التعامل مع العقائد تحتاج من جميع الحضارات ان تدرسها لتتعلم منها. كانت السيدة الجليلة تتكلم وكنت أفكر في ضرورة تنبيه ابناء السياسات الأوروبية والامريكية إلي أهمية التخلي عن لغة الاستعلاء والتدخل في الشئون الداخلية للدول الاخري، كماحدث مؤخرا عندما اصدر البرلمان الأوروبي قرارا ينتقد حقوق الانسان في مصر. فلا يمكن التحدث عن حقوق الانسان في مصر دون نقاش كيفية التجارة بعيوبنا التي نعرفها، ولكن التجارة بها تعتمد علي جمعيات تصر علي ادعاء الرفعة، ولا ترسم طريق الخروج من نفق العيوب إلي ارض المساواة الانسانية.