ما ان انقشع غبار الهجوم الارهابي علي الولاياتالمتحدة يوم 11 سبتمبر 2001 حتي بدأت الحكومات في أمريكا وغيرها من دول العالم تراقب التدفقات النقدية التي يحولها المهاجرون الأجانب خارج البلاد علي أمل أن تتمكن من القبض علي الارهابيين. وشدد المسئولون قبضتهم علي الوكالات التي تتعامل مع تحويلات الاجانب إلي ذويهم في بلدانهم الاصلية واصبح كل قرش يحوله عامل أجنبي إلي الخارج واقعا تحت المراقبة.. ورغم أن هذه الرقابة المكثفة لم تفلح كما تقول مجلة "الايكونوميست" في كشف الكثير عن الارهاب فإنها وقرت بيانات أخري أكثر أهمية عن اقتصاديات الهجرة. لقد أصبح لدي خبراء الهجرة خلال السنوات القليلة الماضية صورة أوضح عن تأثير نحو 200 مليون مهاجر أجنبي حول العالم علي حياة ذويهم الذين فضلوا البقاء في بلدانهم الاصلية واكتشفوا أن هذا التأثير ضخم ويتسم بالكرم. وقد اصبح واضحا أن المهاجرين يساعدون بلدانهم بما يقومون به من تحويلات نقدية كبيرة وتبين أن جيوش المهاجرين ممن يغسلون الصحون ويعبئون اللحم ويعملون بالسمكرة في بلاد المهجر يحولون إلي بدانهم الافقر رءوس أموال تفوق ما تقدمه المساعدات الغربية وربما كان هذا أمرا كان يحدث منذ فترة طويلة ولكنه لم يكن معروفا إلي ان كشفت عنه مراقبة تحويلات المهاجرين إلي ذويهم بعد حادث 11 سبتمبر. وتقول أرقام البنك الدولي إن العاملين الأجانب في الدول الغنية حولوا إلي بلدانهم الأصلية في العام قبل الماضي 2008 وهي بلدان فقيرة نحو 328 مليار دولار أي اكثر من ضعف المساعدات التي قدمتها للدول الفقيرة والدول الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال العام نفسه التي لم تتجاوز ال120 مليار دولار. وعلي سبيل المثال فقد دخل الهند من تحويلات مهاجريها في الخارج خلال العام الماضي 52 مليار دولار وهو رقم يزيد عما دخلها من استثمارات أجنبية مباشرة في نفس العام. والحقيقة أن قياس التأثير الفعلي لهذه الارقام المبهرة لعد مسأل صعبة لأن جزءا مهما من هذه التحويلات لا يذهب إلي البلدان الفقيرة وإنما يذهب إلي دول متوسطة الدخل مثل بولندا والمكسيك. ويرجع ذلك إلي أن الدول الفقيرة والمعزولة خاصة في افريقيا جنوب الصحراء ليست مؤهلة لارسال مهاجرين كثيرين إلي الخارج وان كان حدوث نمو في هذه الدول الافريقية الاشد فقرا سيساعد علي زيادة أعداد المهاجرين منها بحثا عن مستويات حياة أفضل وحتي التحويلات التي تصل إلي الدول الفقيرة لا تقع غالبا في ايدي الناس الفقراء. فالاسر التي يهاجر ابناؤها عادة ما تكون اسر متوسطة استطاعت أن توفر لهم القدر المناسب من التعليم وتكاليف السفر إلي الخارج. ومع ذلك تظل تحويلات المهاجرين والعاملين في الخارج أداة تتسم بالكفاءة لتوصيل المال إلي من يحتاجونه. وتزداد أهمية هذه التحويلات اذا عرفنا ان أموال المعونة التي تقدم للدول الفقيرة عن طريق المنظمات غير الحكومية وإما المسئولين الحكوميين يضيع جزء منها في الطريق إما بسبب عمليات الاهدار أو بسبب الفساد الحكومي. والمأمول بالطبع أن يتم تفادي كل أشكال الهدر أو السرقة عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل تحويل النقود عن طريق التليفون المحمول وعمليات الصرافة الالكترونية فهذه التكنولوجيا أوجدت بيئة تنافسية بين وكالات التحويل وجعلت النقود تصل إلي ايدي الافراد اسرع وارخص وعلي نحو أكثر أمانا. وتقول مجلة "الايكونوميست" إنه حتي لو تم توجيه جزء من تحويلات العاملين والمهاجرين في الخارج إلي أغراض استهلاكية فإن هذا سيعني تنشيط السوق وزيادة الطلب إلي جانب أن التحويلات تظل مصدرا مهما للعملة الصعبة سواء بالنسبة للحكومة أو رجال الأعمال. كما أن جزءا من هذه التحويلات يتم انفاقه علي خدمات تنموية مفيدة مثل التعليم والصحة ولذلك يمكن القول إن تحويلات المهاجرين والعاملين في الخارج تلعب دورا مهما في محاربة الفقر وتعليم البنات وتحسين مستوي التغذية وإيجاد أطفال أصحاء.