أكثر الحملات الصحفية جرأة وإثارة، نشرتها قبل أيام صحيفة "يو . إس . إيه توداي" لتزلزل الأرض من تحت أقدام الرئيس بوش والحكومة الأمريكية! منذ ضربة سبتمبر ووكالة الأمن القومي الأمريكية تجمع تسجيلات ملايين المكالمات، تسلمها لها طوعاً كبريات شركات التليفونات الأمريكية.. وتغطي المكالمات نشاط جميع الشركات، وخصوصية الأمريكيين في بيوتهم.. حتي أحاديث الغرام! إنها أوسع عملية في العالم لتسجيل بيانات أخبار الناس وعد أنفاسهم.. ترصدا لعمل إرهابي ساذج قد يتم ترتيبه وتفجيره عبر سماعات التليفون! نفذ هذا البرنامج الشرير للتجسس علي حياة الشعب الأمريكي الجنرال مايكل هايدن الذي رأس وكالة الأمن القومي من مارس 1999 حتي أبريل ،2005 والذي رشحه الرئيس بوش أخيراً لشغل منصب مدير المخابرات المركزية، ليتغلغل أكثر في أحشاء الأمريكيين ويعتصرهم بأذرعة الأخطبوط الطويلة! يجيء هذا التوسع في تعرية حياة الإنسان الأمريكي، في أعقاب قرار من الرئيس الأمريكي العام الماضي يخول وكالة الأمن القومي سلطة التنصت eavesdrop علي أي مشتبه فيه من أفراد الشعب، أو المقيمين الأجانب، وذلك دون ترخيص قضائي مسبق.. ويشمل التنصت المكالمات الدولية والرسائل الإلكترونية.. لكنه لا يشمل فتح الفم للتثاؤب! في حملتها حاولت الصحيفة الأمريكية إجراء حوار مع المسئولين في وكالة الأمن القومي حول كل هذه الاختراقات المخالفة للقانون.. لكن دون ويبر المتحدث الرسمي باسم الوكالة أجاب قاطعاً الطريق إلي الحقيقة: "مع التسليم بطبيعة العمل الذي نقوم به، فإنه يكون تصرفا غير مسئول أن نتحدث عن عملياتنا التنفيذية والإجرائية.. معذرة، ليس لدينا معلومات نتيحها للغير"! أما البيت الأبيض فقد لجأ إلي المغالطة المكشوفة.. قالت دانا بيرينو نائبة المتحدث الصحفي الرسمي: "ليس هناك تنصت علي التليفونات دون إذن قضائي.. وكل الأعمال التي نقوم بها قانونية وضرورية لمتابعة نشاط القاعدة والمنتمين إليها من الإرهابيين".. علاقات عامة! مسئول بالمخابرات علي صلة ببرنامج الأمن القومي للتنصت وجمع البيانات، يضيف توضيحاً: "كل البيانات التي يتم جمعها من شركات التليفونات تخضع لتحليل اجتماعي لنشاط شبكات الإرهاب: كيف تتحرك؟.. كيف تتصل؟.. والعلاقات البينية التي تربط التنظيم"! خضعت كبريات شركات التليفونات الأمريكية واستسلمت تعاقدياً لبرنامج وكالة الأمن القومي، باستثناء شركة واحدة تمردت علي الاتفاق غير الأخلاقي، وهي شركة كويست "Quest".. والسر يفضحه مسئول بالشركة المتمردة: "لم نسترح مطلقاً للورطة القانونية التي تترتب علي تسليم مكالمات زبائنا للحكومة الفيدرالية، دون تخويل قضائي.. هذا عمل مناف للقانون والدستور الأمريكي"! الانفجار.. جنين قادم! في العام ،1952 وفي غمار الحرب الكورية، أنشأ الرئيس ترومان وكالة الأمن القومي لتقوم بواجب رئيسي: حماية الولاياتالمتحدة من تهديدات الأمن الأجنبية.. غلفت الوكالة بغلاف شديد من السرية.. وظلت 4 سنوات لا يعترف بوجودها أحد، حتي مديرها كان كلما سألته الصحافة عن الوكالة، أجاب مندهشاً: ليست هناك وكالة في أمريكا تحمل مثل هذا الاسم! وفي تحقيق أجراه الكونجرس في العام ،1975 أثبت أن الوكالة منذ 20 عاماً وهي تراقب الاتصالات الدولية للشركات والمواطنين دون إذن قضائي، وذلك بتعليمات من المخابرات المركزية وغيرها من أجهزة الأمن والتخابر.. وترتب علي التحقيق صدور قانون وكالة الأمن القومي الذي صممت مواده خصيصاً لحماية الأمريكيين من التنصت غير القانوني علي تليفوناتهم.. أهدر تنفيذ هذا القانون الآن وأصبح في خبر كان! وتعتبر وكالة الأمن القومي الآن في قمة الخبرة الفنية في التنقيب عن المعلومات، ووضعها في قوالب نموذجية.. والتنقيب عن المعلومات ونمذجتها تعتبر إحدي الوسائل المهمة لمحللي الوكالة لفك الشفرات ومتابعة الاتصالات الدولية! ورغم هذه الخبرات، ينهض التناقض الأعظم حول جدوي جمع بيانات المكالمات التليفونية بالبلايين وتوظيفها في صيانة أمن الولاياتالمتحدة، أو أية أهداف أخري.. يجمع الخبراء علي أنها حمل هائل عديم الجدوي!! والعجيب أن مصالح أصحاب التليفونات في أمريكا مصونة ولا يجوز مسها قانوناً.. المادة رقم 222 من قانون الاتصالات الصادر سنة ،1934 تمنع شركات التليفونات من إفشاء معلومات عن زبائنها تخص: عادات الاتصال.. من المتحدث ومن المتلقي.. طرق الاتصالات حتي غاياتها النهائية.. والعقوبة صارمة، غرامة تتراوح بين 000.130 دولار عن المخالفة في يوم واحد، وبحد أقصي 325.1 مليون دولار للمخالفة الواحدة!ن